Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-Nov-2022

«أنــــا مــريــــم» ثنائية الحب والكراهية في رواية الأديبة عنان محروس

 الدستور-الروائي والناقد أحمد الغماز

نستطيع القول بكل ثقة بأن هذه الرواية، هي رواية الشخصيات بكل تفاصيلها، ولتغييب المكان والزمان المفصلين جاءت له دلالة ما عند الروائية، فهي لم تفصل حيثيات الأمكنة والزمن جاء عابراً دون التركيز أو إضاءته بشكل فعال.
لكنها لم تغفلهما كعناصر أساسية من عناصر (الحكي) الروائي، وأضاءت بدلا من ذلك شخصياتها كلا على حدة، لينحاز القارئ لما تود أن تقوله وليحدث ذلك الانسجام التام مع معنى الرواية ورسالتها الإنسانية.
رواية (أنا مريم) للروائية عنان محروس جاءت بغلاف للتشكيلي عماد مقداد وبمئتين وخمسين صفحة من القطع المتوسط عن دار المعتز للنشر والتوزيع .
في الغلاف صورة تعبيرية للروائية، وهي قد تكون سابقة في أغلفة الروايات، لأنه عادة ما يضع الروائي أو الروائية صورهم الشخصية كنوع من التعريف بشخصية الروائي.
لكن الذي حدث في أنا مريم تجاوز كل ذلك، وأرى أن دلالة الصورة أكبر بكثير فهي، أي الروائية تريد إرسال ثيمة معينة لقارئها بأنها هي وبنات جنسها جميعا ( مريم) الشخصية المركزية في الرواية وتريد أيضا من خلال وضع علامات التعجب بعد العنوان أن تدخل القارئ بحالة من التساؤل والترقب والتشويق، لما سيحدث لاحقا لمريم ومن هي مريم، ويلاحظ في زاوية الغلاف وجود حصان مهزوم، لانحناء رأسه وإغماض عينيه، إذن صرنا أمام صورتين لحالتين سيكشف عنهما السرد لاحقاً.
 آدم
أول الشخصيات الذكورية والتي برعت عنان في وصفها، ذلك الوصف الدقيق خارجيا من حيث الهيئة الجسدية وداخليا من حيث اللاوعي النفسي، وكأنها رسمته للقارئ بكثير من الألوان الرمادية حتى خيل للقارئ بأنه يرى ملامح هذه الشخصية من خلال الكلمات.
هذه الشخصية ( المعقدة) منذ الطفولة جاءت بالكوارث تباعا وأثرت على حياة مريم سلبا، ولا بد لنا أن نستذكر أن هذه الشخصية كانت في رواية ( خلق إنسانا) الأولى لعنان محروس وجاء استكمال مصيرها في رواية أنا مريم.
قد أذهب بعيدا هنا، لماذا اختارت عنان ذلك الاسم وأسقطت عليه كل ذلك الأسى المر؟ وهل انبثاق شخصيات جديدة في الرواية وخاصة الذكورية منها هم امتداد لآدم من وجهة نظر الرواية؟ كل تلك الأسئلة ستجيبنا عنها عنان محروس في المتن الروائي. تستكمل الروائية خلق شخصياتها ضمن سياق الفكرة العامة للرواية وربما - كما قلت سابقاً - هي رسالة تمررها عنان بأسلوب روائي فخم للأنثى في مجتمعنا العربي أو الإنساني ربما، من خلال فهد، وشريف وأمين.
الشخصية الثانية التي أضاءتها عنان في روايتها هي شخصية فهد، الطبيب النفسي الذي يعمل في مشفى الأمراض العقلية الذي ينزل به آدم لمرض الشيزوفرينا الذي كان مصابا به، وهذا الفهد لا يحمل من اسمه سوى الافتراس، فقد استغل وضع مريم المادي الطارئ وبدأ بنصب شباكه عليها للانقضاض عليها كفريسة سهلة.
أمين، مدير البنك والذي أيضا لا علاقة لاسمه به، استغل وضع مريم ووقعها على أوراق للفتك بها كأنثى لاحقا .
شريف، الشاب الصغير الشبق الذي هام بجسد مريم وفاوضها أيضا عليه. هذه الشخصيات الذكورية الثلاث، أسهبت عنان بتقديمها للقارئ كما هي، دون تجمل أو بتدخل مباشر منها ليحكم القارئ عليهم وعلى مصيرهم الذي تناوله الحدث الروائي.
نلاحظ أن عنان اشتغلت على شخصياتها بحذر شديد، ولم تطلق تلك الصرخة تجاه المجتمع الذكوري الشرس، ابتداء من آدم وانتهاء بالشخصيات الثلاث التي ذكرتها لاحقا، كيف ذلك؟
حاولت الروائية وباحترافية عالية خلق ذلك التوازن الذي يرفض المطلق وبذكاء ملفت إيجاد شخصيتين ذكوريتين مثاليتين، وقفتا مع مريم في أحلك الظروف، وهما سائقها الخاص سالم وصديقها المغترب سلام، الذي يعمل محاميا في أميركا.
إذا وقفنا عند أسماء شخصيات عنان، سنجد أنها ومن خلال تيار اللاوعي الذي يسيطر على الكاتب، أطلقت تلك الأسماء المتناقضة مع طبيعة حامليها وهي مفارقة سيجدها القارئ حتما، والسلام والأمن الذي تحلم بهما مريم تمثلا في شخصيات سالم وسلام، من هنا تؤكد عنان أن الأنثى في مجتمعنا الشرقي ومهما وصلت من تطور مادي أو علمي، ما زالت تبحث في عقلها الباطن عن ذلك الأمن والطمأنينة في أشخاص ربما ستجدهم أثناء رحلة حياتها.
حركة الحدث
استطاعت عنان الحفاظ على دفع القصة للأمام دون الدخول في متاهات الأنا الكاتبة، بمعنى أنها بقيت ممسكة بزمام القصة ليكتشف القارئ شيئا جديدا بعد كل فصل، ولم تعد للخلف إطلاقا، فالحكاية بدأت منذ الزيارة الأولى لزوجها آدم في مشفى الأمراض العقلية ومن هناك، شيدت معمارها الروائي، ومهدت للقارئ الذي لم يقرأ (خلق إنسانا ) الرواية الأولى التي انتهت بدخول آدم المشفى، من خلال تقنية الفلاش باك، وبرشاقة استطاعت المضي في حركة الحدث الجديد.
 اللغة
على الرغم من كل ذلك الأسى في أنا مريم الا أن عنان حافظت أيضا على عزم الانجرار إلى لغة ضبابية هائمة باكية، بل ذهبت في كثير من الفصول إلى تلك اللغة القاطعة التي انسجمت مع السياق ومع كشف مجريات الأحداث أولا بأول، فهي تقدم للقارئ رواية عن حياة مريم، الشخصية المركزية ولا بد أن تكون اللغة واضحة وقاطعة، وفي مواضع عدة تطلبها السياق انزاحت إلى تلك اللغة الشاعرية الحقيقية.
 المشهد
في رواية أنا مريم عمدت الروائية إلى استخدام تقنية اللغة السينمائية action ويظهر ذلك جليا من خلال الخطة المحكمة التي أعدها سائق مريم للايقاع بالأشرار الثلاثة، وأرى أن هذا الفصل تحديدا اشتغلت عليه عنان كسيناريست أكثر منها روائية، فقد سلطت عين الكاميرا بالكلمات على كل تفاصيل الخطة بكثير من التشويق والإثارة وكأن القارئ يشاهد الحدث بالفعل، وهذه تقنية مهمة في الرواية الجديدة لنقل القارئ من مجرد متلق إلى صانع للحدث من خلال طرح أسئلة مثل، وبعد ماذا سيحدث؟
أنا مريم، رواية استطاعت البحث في عوالم الشخصيات العميقة وإخراجها للعلن، وهي قد تكون رسالة ما، صرخة ما، عنوانها إلى أين نحن ذاهبون؟
أخيرا - لم أدخل في تفاصيل الحدث - لأن ذلك من شأن القارئ ليكتشف بنفسه عالم عنان محروس الروائي في روايتها أنا مريم.