Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Oct-2017

طارق مصاروة - عبدالهازي راجي المجالي

 

الراي - ذات يوم سألنا أستاذ اللغة العربية ,عن طموحنا , وماذا نريد أن نكون حين ننهي المدرسة , وحين جاء دوري ..أجاب عني قائلا :- أكيد ضابط ..لأن ثلة من رفاقي كانوا يريدون أن يكونوا ضباطا في الجيش ..وظن أني مثلهم , قلت له يومها :- أريد أن أكون مثل طارق مصاروة ..صحفيا .

كنت يومها , أقص كل ما يكتب وأحتفظ به في دفتري , كانت حرب الخليج الأولى مشتعلة , وطارق مصاروة ..أشعل في قلبي , حب العرب , لم يكن يكتب بل كان يقاتل بضراوة ..وكان أهلي ينتظرون الرأي كل صباح ,كي يرسم لهم العراق مقالا على الورق وشريانا في القلب .
 
كبرت ولم أكن مثل طارق , لكني احترفت مهنة , مشى طارق خطاها وأسس مداميكها في الأردن , وكان الصحفي الأقرب إلى وصفي التل فقد أحبه وصفي بكل ما في المرحلة من دم ....لم أتوقع يوما في حياتي أن يحبني طارق مصاروة , ويرى في الجنوب الذي أحبه هو وانتسب إليه , ويرى في عيوني من تفاصيل الكرك ما يرى فقد أحبها مثلما أحببتها بل أكثر , كان يهاتفني ليلا ونذهب إلى الفحيص ..نتجول في شوارعها ومهرجانها ...ونعود إلى الكمالية وفي الطريق يسرد لي كل الحكايات العذبة ..عن زمن كانت الكلمة , قد تودي بك إلى الإغتيال , وكانت الصحافة معركة لايخوض غمارها إلا من رمى الخوف خلفه ...وذات يوم أخذني معه إلى ألمانيا , كنت في الـ (26( من العمر , واتفقنا في الطائرة , أن أجعله يختصر الشيب والأيام وأن يعود في العمر ويتوقف عند عمري ..فمن الصعب أن اصعد لعمره ومكانته , وهناك لم تحتمل شوارع (هامبورغ) تلك الضحكات التي أطلقناها ..ولم تعرف الشوارع من الشاب فينا أنا أم طارق .
 
توقف طارق مصاروة عن الكتابة الان, وقد اتخذ المرض قرارا بأن يتوقف ..وأنا لم أعد أقرأ مقاله الصباحي , واتعلم منه رشاقة اللغة وجمال الموقف , لكنه سيبقى اخر عملاق في الصحافة ...سيبقى اخر قلم عاصر بداية الدولة , وقاتل كما يقاتل لواء مدرع عنها وعن أحلام الناس وعن رجولة العسكر ...طارق مصاروة من جيل الحب والحياة والبارود ,وليس من جيل التجريب والبيروقراط ..والداتا شو ...وهو الوحيد في هذا العمر الذي تمنيت أن أكون مثله , وأحببت الصحافة حين كنت أصحو في صباحات الكرك على صوت المذياع وهم يقرأون ما كتب ..وعلى أهلي وهم يفردون مقاله في الصباح ..ويجدون الجنوب حيا في كل سطر نثره وكل جملة .
 
ما ناديت أحدا في حياتي من الناس بكلمة عمي , إلا طارق مصاروة هو الوحيد الذي كنت أناديه (عمي أبو علي) ...فيا عم أعرف أني لم ولن أكون مثلك , ولكني على الأقل أحببت تلك المهنة لأنك أحد من أسس مداميكها في هذا الوطن ...وأحد من دافع عن وجداننا القومي وأحد ..تحدث حين صمتت الناس ...
سلامي لعيونك , سلاي لشيباتك الجميلات , سلامي لحضورك , لتاريخك البهي ...ولكل صباح نثرت فيه الأردن صبرا وعشقا على ورق الرأي ...سلامي لك (عمي أبو علي) .