Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-May-2022

تعبير متطرف للاحتلال والإهانة للفلسطينيين

 الغد-هآرتس

 
نير حسون
15/5/2022
 
شرطة يرتدون الأسود ويعتمرون الخوذ ومحصنون ينقضون بالعصي على أشخاص يحملون تابوتا. هم يضربونهم بالأرجل الى درجة أن التابوت كاد يقع على الأرض. هذا ما شاهده معظم الناس في العالم وهذا ما يتذكره معظم الناس في العالم من جنازة المراسلة شيرين أبو عاقلة في يوم الجمعة الماضي في القدس.
أصوات كثيرة في إسرائيل تقول مؤخرا إن الأمر يتعلق بمشكلة إعلامية تكاد تصل حافة الكارثة التي لحقت بصورة إسرائيل، لكن الفشل الحقيقي هو عنف الشرطة غير المبرر، وليس الطريقة التي تعرض فيها أو ترى فيها في العالم. الحديث يدور عن تعبير من أكثر التعبيرات المرئية تطرفا عن الاحتلال والإهانة للفلسطينيين. صحفية كبيرة ومعروفة جدا في العالم العربي، عملت عشرات السنين في تغطية عنف ومظالم الاحتلال الإسرائيلي، قتلت بنار الجنود الإسرائيليين، على الأقل هم الذين يعتبرون المشبوهين الأساسيين بذلك. بموتها تحولت الى رمز فلسطيني وجنازتها كانت حدثا وطنيا. في هذه الأثناء وفي ذروة العزاء جاء رجال الشرطة مع العصي.
الشرطة سارعت الى نشر فيلم وثق بحوامة يظهر فيه اثنان من الشباب وهما يلقيان كما يظهر زجاجات مياه على رجال الشرطة قبل الانقضاض. ولكن هذه حجة ضعيفة جدا لمثل هذا السلوك في حدث كان يمكن أن يجري بحساسية مفرطة. أول من أمس، أمر المفتش العام للشرطة، كوبي شبتاي، بالتحقيق في سلوك رجال الشرطة أثناء الجنازة. حادثة التابوت تنضم الى سلسلة حالات فيها تطرف رجال الشرطة والضباط بصورة غير مقبولة، أدت الى اشتداد الوضع وتعميق الإهانة.
في يوم موت أبو عاقلة وصل رجال شرطة الى عائلتها التي تعيش حالة العزاء وطلبوا إزالة الأعلام التي تم تعليقها في المكان وإخلاء الشارع وخفض صوت الموسيقا. بعد فترة قصيرة على الجنازة، وثق رجال شرطة وهم ينزعون أعلاما فلسطينية عن السيارات. يبدو أننا لن نعرف في أي يوم ما الذي فكر فيه الضباط الذين أمروا رجال الشرطة بالذهاب الى البيت وإزالة الأعلام. كيف اعتقدوا أن العائلة التي تعيش في حالة حداد والمشاركين في الجنازة سيردون.
إذا لم يكن هذا كافيا، صباح أول من أمس توفي في مستشفى هداسا عين كارم وليد الشريف، وهو الشاب الفلسطيني الذي رشق حجارة على رجال الشرطة في الحرم قبل ثلاثة أسابيع وأصيب إصابة بالغة في رأسه. الشرطة قالت إن الإصابة كان سببها السقوط، لكنها لم تقدم أي دليل على ذلك. من الصعب تصديق أن الشاب (21 سنة) سيموت من سقوطه على رأسه بالضبط في اللحظة التي أطلقت عليه فيها رصاصة مطاطية، في مصادفة سحرية للأحداث. الشريف تحول بموته الى “شهيد الأقصى”، القتيل الأول في الحرم منذ 2017. بعد ذلك كان هناك المقاومان اللذان (استشهدا) في الحرم بعد قتل شرطيين في حادثة لإطلاق النار. هذه المرة يدور الحديث عن شاب رشق الحجارة. بالنسبة للفلسطينيين، هذه حادثة خطيرة جدا.
هنا أيضا المشكلة لا تكمن في الطريقة التي يرى فيها الفلسطينيون موته أو في الخوف من أن موته أو جنازته ستؤدي الى موجة عنف جديدة في القدس وفي الضفة، بل المشكلة تكمن في موته بالأساس. الشعار الذي يقول إن الحجر يمكن أن يقتل ربما هو شعار صحيح عندما يكون الحديث يدور عن حجر يلقى على سيارة غير محصنة في شارع سريع، لكن احتمالية أن شرطيا يرتدي خوذة وسترة واقية سيموت بسبب حجر هي احتمالية ضعيفة جدا. رجال الشرطة لم تكن حياتهم معرضة للخطر وإطلاق النار على الجزء العلوي لجسد الشريف كان غير مبرر ومخالفا للتعليمات.
الشريف أصيب برصاصة سوداء مغلفة بالمطاط، الرصاصة بقطر 40 ملم تستهدف التسبب بألم شديد وهي تستخدم كسلاح غير قاتل للشرطة. ولكن منذ العام 2014 استبدل الرصاص الأزرق الخفيف برصاص أسود ثقيل، وهناك الكثير من حالات الإصابة الشديدة وحتى القاتلة نتيجة لاستخدام الرصاص المغلف بالمطاط. في شرقي القدس هناك عشرات الشباب والأطفال والشيوخ الذين يعانون من إصابات خطيرة، وبعضهم فقد عينه وبعضهم فقد النظر تماما نتيجة إطلاق الرصاص المغلف بالمطاط. على الأقل في حالة واحدة قبل الشريف قتل الفتى محمد سنقرط، الذي أصابته رصاصة كهذه في الحنك.
في الصباح تطورت أزمة جديدة حول تسليم جثة الشريف لعائلته. الشرطة ترفض تسليم الجثة للعائلة المعنية بدفنه، رغم أن الشريف لم يكن معتقلا عندما تم علاجه في الأسابيع الثلاثة الأخيرة. ويتوقع أن تناقش محكمة الصلح في القدس طلب الشرطة لتشريح الجثة.
الشرطة في القدس حظيت مؤخرا بالثناء على الطريقة التي أدارت فيها الأحداث في شهر رمضان في المدينة. خلافا للسنة الماضية تجنبت وضع الحواجز في ساحة باب العامود وقللت من استخدام وسائل تفريق المظاهرات التي تشكل عقابا جماعيا مثل المياه العادمة وقنابل الصوت وقنابل الغاز المسيل للدموع، وسعت الى الحفاظ على حرية العبادة والعيد للفلسطينيين.
هذه السياسة أثبتت نفسها. فخلافا للسنة الماضية المواجهات العنيفة اقتصرت على المنطقة الجنوبية في الحرم ولم تمتد الى باب العامود والأحياء العربية. معظم المقدسيين، إسرائيليين وفلسطينيين، احتفلوا بالأعياد دون إزعاج والمستشفيات لم تمتلئ بالمصابين. المفتش دورون ترجمان الذي قال قبل شهر رمضان “إن الأمر لا يتعلق بحرب بل بشهر مقدس”، أثبت أنه يمكن وبحق أن يكون الأمر بشكل مختلف.
ولكن الشيطان يكمن في التفاصيل الصغيرة. وفي حالة شرطة القدس فإن الإخفاقات تنبع من رجال الشرطة في الميدان ومن قادتهم. ففي قرار استخدام العنف ضد من يحملون التابوت وإرسال رجال الشرطة الى بيت العزاء ونزع الإعلام أو تصويب البندقية بحيث تصيب الرصاصة المغلفة بالمطاط الجزء العلوي في الجسم. هذه الإخفاقات تدل على مشكلة عميقة في المستويات الميدانية في الشرطة، يمكن عزوها لمشكلات في القيادة والسيطرة وفي إعداد وتدريب رجال الشرطة وفي أساليب التجنيد للشرطة. ولكن يصعب تجاهل جذور الأمور. فالكثير من رجال الشرطة لا يعتبرون الفلسطينيين الذين أمامهم من البشر الذين يستحقون الاحترام واحترام آلامهم. هذه حقيقة فظيعة ليس فقط بالنسبة للفلسطينيين.