Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Aug-2017

المستقبل للتجديد والتغيير - د. محمد القضاة
 
الراي - الدول المتقدمة تكسر الروتين والركود وتبحث عن كل جديد لتغيير الموجود بايقاعات جديدة ومتغيرات واقعية ترفض السكون والجمود وتفرض التغيير بقبول الرأي والرأي الاخر، وتجدها لا تقبل رأيّا أُحادياً، ولا تتخذ قرارا غير مدروس، ولا تنساق لأي جهة أو جهد دون الفحص والتمحيص، تواصل انجازاتها بروية وموضوعية وتقانة عالية، وهامش الخطأ لديها غالبا ما يكون محدودا... في المقابل لا انسى ذلك التعليق الذي قرأته من أحد أعضاء الوفد (الاسرائيلي) المفاوض في مفاوضات مدريد عام 1992 حين قال: «كان الوفد (الاسرائيلي) المفاوض يتكون من حوالي أربعين خبيرا في المجالات المتعددة، ويجتمع بعد كل جولة يناقش حتى الصباح للوصول لصيغة معقولة ومقبولة، في حين كانت الوفود العربية تذهب بعد كل جولة مفاوضات للسياحة والتسوق، وفي الليل يلعبون أوراق الشدة!»...
 
سقت هذه المقدمة للحديث عن الاردن الدولة العربية التي تمتلك مقومات الدولة العصرية بخبراتها وشعبها ومؤسساتها واستقرارها، والاردن لا يمتلك المال الوفير؛ لكنه يمتلك موارد بشرية كبيرة ومؤهلة بخبراتها وعلمها وتجاربها وحضورها داخل الاردن وخارجه، ومن حقنا ان نقول: إذا كان الوطن يزخر بكل هذه الموارد، لماذا لا نفيد منها في إعادة الزخم لمؤسساتنا وجامعاتنا ووزارتنا ومختلف قطاعات الدولة العامة والخاصة؟ ألا يكفي ان بعض المؤسسات تبدو متعثرة وبعض القرارات فيها تعكس رؤية فردية أحادية، ومن هذا الباب يجب ان تبدأ القراءة الصحيحة للتقدم والعصرنة، وحين تستوقفنا التجارب الخاصة والعامة في قطاعات الدولة المختلفة ندرك الحاجة لقرارات حكيمة مبنية على دراسات واقعية ومنطقية وموضوعية، وهذا يقتضي ان تفكر هذه القطاعات بإعادة تشكيل بنية اتخاذ القرار من قرارات فردية الى قرار جماعي يصدره المسؤول الاول في كل قطاع بعد الحوار والنقاش والمشورة، بمعنى لا بد من تشكيل فرق متخصصة كل في مجاله يقدم القراءة العلمية الجادة للموضوعات ذات الصِّلة؛ فما المانع ان يكون لوزير الخارجية مثلا لجنة خاصة بالملف الاسرائيلي، وأخرى خاصة بالملف السوري، وثالثة خاصة بالملف العراقي، ورابعة خاصة بالملف الخليجي، وخامسة خاصة بالملف الايراني، وسادسة خاصة بالملف التركي، وسابعة خاصة بالملفات الأوربية، وثامنة خاصة بالملف الأميركي... وهكذا بحيث تقدم رؤيتها العلمية والسياسية والاقتصادية بمنتهى الشفافية والجدية، وبذلك تكون القرارات مبنية على معرفة علمية حقيقية؛ لا ان تكون الرؤية أحادية، وأحيانا لا تتجاوز العلاقات العامة التي لا تقدم ولا تؤخر.
 
ومثل هذه اللجان والفرق المتخصصة يمكن تشكيلها في الشؤون المختلفة؛ الاكاديمية والجامعية والتربوية والثقافية والاقتصادية والصحية والقضائية ووزارة الداخلية والمؤسسات الامنية بحيث تقدم تصوراتها بدقة وشفافية للجهات المعنية لكي تكون قراراتها في غاية الدقة والاحتراف، وهذه الفرق واللجان يجب ان يتم اختيارها بعناية كل ضمن اختصاصاته، بحيث تجتمع وتناقش وتطرح افكارها بمنتهى الجدية والشفافية والمسؤولية العالية، على ان تكون مختارة بعناية ومدفوعة الأجر كي تشعر بعظم المسؤولية الملقاة عليها، ودون ذلك يستنزف الاردن رصيد سنوات المرحلة الجادة التي بنى فيها مؤسساته وجامعاته وقطاعاته المختلفة، وحينها قد تعجز هذه المرحلة عن إعادة ترتيب أولوياتها، وتجديد تفكيرها وقراراتها وخلق نهجها الابتكاري الواقعي لتجديد المرحلة برمتها، ومما يحسب لجلالة الملك انه حين شعر قبل سنتين بذلك شكل لجنة ملكية للموارد البشرية كانت مهمتها دراسة واقع هذه الموارد وإعادة تشكيلها بمعطيات عصرية، واذا كان من شكر خاص فهو لجلالة الملك الذي وضع الأمور في نصابها، وللدكتور وجيه عويس الذي ترأس هذه اللجان وشارك فيها بهمة ومسؤولية حيث نفذوا التوجيه الملكي وقاموا بعمل ابتكاري غاية في الأهمية، ومما يسجل أن التغيير الذي يتم بين حين وآخر يأخذ في طريقه تغيير أصحاب مبادرات الابتكار والاصلاح والعمل الجاد مما يترك آثاره السلبية على التنفيذ الذي ينبغي ان تقوم به المؤسسات المعنية بعد هذا التغيير، وللأسف تم التغيير ولكن ما زال التنفيذ بطيئا وبعض تلك المؤسسات تتوجس الطريق وتتقدم خطوة وتعود خطوات للوراء؟!
 
نريد ان تترجم تلك الجهود عمليا على الارض، لا ان تبقى نظريا حبرا على ورق. ولذلك على المؤسسات ذات الصِّلة ان تقرأ الرسائل الملكية وشروط الدول المتقدمة والعصرية كي تتحرك منظومة التغيير والتجديد في إطار المصلحة الوطنية العليا، وبعد، يبقى التقدم والتجديد هاجس الجميع لان الدول التي لا تفكر بهذه المنظومة تبقى حبيسة الجمود والسكون، والاردن بحمدالله لديه من المقومات ما يؤهله لمزيد من الانفتاح والتقدم في المجالات كافة.
 
mohamadq2002@yahoo.com