Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Aug-2019

كلهم مستوطنون-كولنياليون .. كيف لا يكونون..؟* علاء الدين أبو زينة

 الغد-لعل أكبر نجاح حققه العدو الصهيوني في فلسطين المحتلة هو ابتكار وبيع قصة الفصل بين “دولة إسرائيل” في أراضي 1948، و”المستوطنون” في الضفة الغربية -وسابقا في غزة. بجملة من التحركات الماكرة التي تواطأت فيها الأمم المتحدة والقوى العالمية، أصبحت هناك “دولة” مشروعة في معظم فلسطين المحتلة، وتواجد غير مشروع يمثله المستوطنون بشكل أساسي في أراضي 1967 المحتلة. وأصبح الكيان، الذي يضع ما عداه في الظل، هو وجود وسلوك المستوطنين، غير القانوني وغير الأخلاقي على التوالي. لذلك، يقاطع الاتحاد الأوروبي بضائع المستوطنات، وليس سلع “إسرائيل”.. وهكذا.

في الأساس، لو سحب الكيان الصهيوني مستوطنيه من الضفة الغربية وتخلى تماما عنها وعن غزة، فإنه كاسبٌ تماما. فهو كيان بدأ بفكرة في الهواء، والتي تطورت إلى حركة عالمية هدفها اختراع وطن لأتباع الدين اليهودي من كل الجنسيات والأعراق والأوطان. وكان من المنطقي استثمار فكرة “أرض الميعاد” الأسطورية التوراتية، ما دام الدِّين هو الشيء الوحيد الذي يجمع أناسا ليسوا شعباً أو أمّة بالمعاني المعروفة، لاستهداف فلسطين بالاستعمار. وكان ما حدث بعد ذلك غزوا نفذه غرباء على طريقة حصان طروادة، بجلب عشرات الآلاف من المهاجرين بتسهيلات من احتلال آخر، بريطانيا، وتسليحهم وتجهيزهم للانقضاض على البلد. ولم يكن هؤلاء مواطنين محليين فلسطينيين نفذوا انقلابا لانتزاع السلطة. كانوا غزاة، نقطة.
باستثناء اليهود الفلسطينيين الموجودين في فلسطين أبا عن جد، ليس “مواطنو إسرائيل” سوى مستوطنين-كولنياليين جميعا بلا استثناء، سواء كانوا رجعيين أو تقدميين، يمينيين أو يساريين، عنيفين أو سلميين. وقد استوطن أولهم –ولحق بهم أبناؤهم وأحفادهم- بلدا ليس لهم بهدف استعماره، واستولوا على أراض وأملاك السكان الأصليين بالعنف والتطهير العرقي. ولم تتوقف الجهود الكثيفة لتهجير هؤلاء السكان واضطهادهم وقتلهم وإخضاعهم بوسائل هي غير أخلاقية مهما تنوعت، على أساس عدم أخلاقية الاحتلالات والاستعمارات كمبدأ.
“المستوطنون” في الضفة هم فقط جزء من المستوطنين في فلسطين التاريخية، ولا يختلفون عنهم في النوع ولا السلوك ولا أي شيء. وهم يؤدون دورا وظيفيا محسوباً في المخطط الكبير لابتلاع فلسطين التاريخية وشرعنة احتلالها الذي حدث أنه كان مرحليا، باحتلال جزء في 1948، والبقية في 1967. وحولت هذه المرحلية في الاحتلال فلسطين المحتلة إلى “أراض محتلة”، الضفة وغزة، وأخرى “غير محتلة”؟ (إسرائيل). ويخدم قِسم مستوطني الضفة الغربية المشروع الاستيطاني الشامل، أولاً باحتلال الأراضي التي تشكل امتداداً للكيان؛، وتحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم وفصل مناطقهم وإذلالهم. وثانياً، بعرض “نقيض أخلاقي وقانوني” لما تدعى “الدولة الشرعية” في فلسطين المحتلة.
يركز الإعلام على جرائم “المستوطنين” في الضفة في حق الفلسطينيين باعتبارها شيئا منفصلا عن جرائم “الدولة” وجيشها وقوانينها. ويُنسى أن هؤلاء لا يصنعون شيئاً بمفردهم، لا من حيث مكان التواجد ولا السلوك العدواني. إنه كله كيان واحد بنفس العقلية وانحطاط الأخلاق. ولا يختلف هجوم المستوطنين على أراضي الفلسطينيين وقطع زيتونهم وحرق بيوتهم وقتل أطفالهم ودوسهم بالسيارات عن سلوك “الدولة” التي تفعل كل ذلك، من مصادرة وطن كامل، إلى القتل المتواصل، إلى استهداف الأطفال الفلسطينيين بالقتل والاعتقال والتحقيق الأمني –حتى بعمر أربع سنوات كما حدث مؤخرا في حادث غير معزول عن السياق.
لم يُجنّ الكيان عندما استدعى طفلاً للتحقيق، كما لم يخرج المستوطن الذي داس طارق الذبانية، 7 سنوات، بسيارته غرب الخليل. إن هذا هو “طبيعي” العقل المتأسس على فكرة شرعنة الاستعمار والتطهير العرقي واعتبار الفلسطيني أقل من إنسان. وهم يفعلون ذلك بوعي، لأن وجودهم نفسه، كمشروع استيطاني-استعماري، يتطلب القتل المباشر، وكسر إرادة المواطنين المحليين بالإذلال والتخويف المنهجيين لتهجيرهم –أو تيئيسهم من الثورة على الأقل. وهم يجدون غطاء وحصانة من المحاسبة، من القوة العظمى الأكثر لا-أخلاقية في العالم الحديث، والتي تأسست على نفس مبدأ الاستيطان الكولنيالي والتطهير العرقي.
مع ذلك، يجد البعض منطقاً –سواء برروه بالضرورة أو بالالتفاف على المبادئ الأخلاقية- في مسالمة هذا الكيان غير السلمي، أو التطبيع معه. لكن كل من يعرف الصورة الكاملة، لا بد أنه يعرف الطبيعة الاستيطانية-الاستعمارية غير الأخلاقية ولا المشروعة للكيان الصهيوني في كل فلسطين، وإنه إن تعامل، فإنما مع مستوطنين متوحشين غير مختلفين.