وذلك أنّ العصافير العشرة عندما تكون في أيدينا تكون قد حرمت من الحرية التي تتمتع بها عادةً ومن وجودها في البيئة التي تناسبها بيئة الأشجار والجبال والأزهار والفضاء الرحب. وفضلاً عن ذلك فإنّها إمّا أن تبقى حبيسة الأقفاص عند صائدها ويكون عند ذلك ملزماً بتقديم الطعام والماء لها يوميّاً، وهو عبءٌ ليس سهلاً على الإنسان، وإمّا أن يشويها ويأكلها ويهضمها فتغيب عن الوجود، وتصبح لا قيمة لها بعد أن تؤكل.

أمّا العصفور الذي على الشجرة فإنّ له فوائد جمّة فهو ممتعٌ للنظر عندما يراه الشخص وهو يقفز من غصنٍ إلى غصن ويعيش في بيئته التي تناسبه.

وهو ممتعٌ للسمع بتغريده صباحاً ومساءً، وفضلاً عن ذلك فإنّ وجوده على الشجرة بين الطيور الأخرى يجعله قادراً على التكاثر، فيملأ الشجرة والأشجار الأخرى القريبة فراخاً وعصافير وتغريداً، ويضفي على المحيط جمالاً وألحاناً عذبة.

كثيرة هي المخلوقات التي إذا أبقيت عليها حيّة ومنحتها الحريّة ستعود عليك وعلى أبناء جنسها بالنفع الدائم والمتجدّد.

أمّا المثل القائل: «عصفور في اليد خيرٌ من عشرة على الشجرة» فهو مخالف لقيم

الحريّة والمحافظة على البيئة إذا نظرنا إليه بمعناه الحرفي.

وأمّا إذا نظرنا إليه بمعناه المجازي فهو يعني أنّ القليل المعجّل خيرٌ من الكثير المؤجّل، وهو في رأيي منطق غير سديد، لأنّ القليل العاجل يزول بسرعة وأمّا الكثير الآجل فله صفة الديمومة والاستمرارية والنمو.

وما يميّز المجتمعات المتحضّرة والطموحة عن المجتمعات الضعيفة أنّ المجتمعات الطموحة تعنى بالمستقبل أكثر من عنايتها بالحاضر، وتضع خططاً طويلة المدى ذات ديمومة واستمرارية لتطورّها ونهضتها، على العكس من المجتمعات الضعيفة التي تكتفي بالنظر إلى الحاضر وشعارها: «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»، ولا تأبه بمستقبلها ولا تخطط له التخطيط الكافي، وقد يموت العصفور الذي بين يديها وتطير العصافير العشرة التي على الشجرة دون رجعة، فلا تستفيد من صيدها الحاضر ولا من أملها الموعود.

لا بدّ من التأكيد على أنّه لا يجوز أن نفرط بما في أيدينا قبل أن نضمن وجود بديل أفضل وفي مثل هذه الحالة نحتفظ بالعصافير العشرة التي في أيدينا حتى نتحقق من وجود عصفور آخر على الشجرة.

salahjarrar@hotmail.com