الراي-بصيرا - سهيل الشروش
لم تكن ريتال،ذات الستة ربائع، تدرك أن يومها الأول في المدرسة يمكن أن يكون منعطفا نفسيا في حياتها، وذلك حينما تجمّدت دقائق السعادة على البوابة الرئيسية للمدرسة، عندما صرخت تلك الفتاة ذات الخمسة عشر خريفا في وجهها، محذّرة إياها أن لا تقترب من أخيها الأصغر الذي يدرس في الصف الدراسي ذاته مع ريتال، دون تهديد أو وعيد جسدي منها، سوى أنها رفعت الجفن الأيسر تزامنا وبروز حدقة العين المحمرّة التي كانت كفيلة أن تجبر ريتال على الإختباء طوال فترة الإستراحة على أطراف الساحة لكي لا تراها تلك الفتاة مرة أخرى.
يقول والد ريتال، عبدالله المسيعديين، إن ريتال بعد أن عادت إلى البيت في يومها الدراسي الأول رفضت بشكل قاطع العودة إلى المدرسة في اليوم الدراسي الثاني، وتزامن ذلك مع بكاء شديد مغمور بالخوف والتعاسة، وأنها تريد البقاء في البيت، ولا تريد الدراسة أبدا، ليعلم والدها بعد ذلك ما حصل معها، ويتجه إلى إدارة المدرسة التي اتخذت إجراءات إدارية مرضية، وسط تحذير من مديرة المدرسة أنه سيتم اتخاذ عقوبات إدارية صارمة بحق أي طالبة من الصفوف الدراسية العليا تمارس العنف والتنمر ضد أطفال الصفوف الأساسية الأولى.
وفي تلك الأثناء، وبينما كانت أم لارين تستعد لتسجيل طفلتها الوحيدة في إحدى المدارس الاساسية المختلطة،التي تحتوي على طلبة من الصف الأول إلى الثالث (مختلط)، ومن الصف الرابع لغاية الصف العاشر (إناث فقط) في لواء بصيرا، علمت ما حدث مع ريتال التي تعيش في الحي السكني ذاته، لتقرّر أن تلغي تسجيل ابنتها في المدرسة، وتسجّلها في مدرسة خاصة في اللواء، وذلك–بحسب رأيها- للحيلولة دون تعرض ابنتها للعنف أو التنمر من طالبات يبلغن من العمر ضعفي عمر ابنتها، حيث لا يمكن لطفلتها البريئة تحمل هذا الخوف والعنف الذي قد يمارس عليها من قبل بعض الطالبات في الصفوف الأساسية العليا في المدارس المختلطة.
وتعتبر هذه المدارس الأساسية المختلطة البالغ عددها 18 مدرسة في لواء بصيرا بحسب التقرير الإحصائي لوزارة التربية والتعليم لأعوام (2022-2023) خيارا صعبا لطلبة الصفوف الدراسية الأولى واولياء أمورهم، حيث لا يمكنهم البقاء مع أطفالهم في المدرسة وسط بيئة تعليمية يمكن أن يتعرضوا فيها للتنمر أو التعنيف اللفظي، في الوقت الذي لا يستطيعون فيه تسجيلهم في مدارس خاصة لارتفاع التكاليف المالية التي لا يقدرون على تأمينها بداية كل فصل، لتصبح هذه التحديات معلّقة ما بين وزارة التربية والتعليم التي تبحث عن توفير أفضل سبل الراحة ا?تعليمية وبين الأهل الذي يتخوفون على أبنائهم الطلبة من عواقب التنمر والتعنيف اللفظي من زميلاتهم في المدارس المختلطة.
أما محمد وهو أحد الطلاب في الصف الثاني في إحدى هذه المدارس في لواء بصيرا، تحدث عن تجربته الشخصية في مواجهة طلاب أكبر سنًّا، حيث كان يُعامل كأنه غير مرئي داخل المدرسة، وبدأ يتجنب الحديث مع المعلمين أو زملائه خوفًا من استهدافه، حتى في لحظات الاستراحة، كان يختار الجلوس بمفرده لتجنب الاحتكاك بأي من الطلاب الأكبر سناً، لتكون هذه الحالة من العزلة والانطواء التي عاشها محمد هي مثال آخر على التحديات النفسية التي يواجهها الأطفال في هذه المدارس، فالمعلمون، رغم محاولاتهم التدخل؛ يواجهون ضغطًا من الإدارة التي قد ترى في الفصل بين الطلاب تحدياً لسياسة الدمج أو حلاً يتطلب موارد إضافية غير متاحة في الوقت الحالي.وتقول مديرة إحدى المدارس في لواء بصيرا إن طلبة في الصفوف الأساسية الأولى في مدرستها يواجهون في بعض الأحيان تعنيفا من زميلاتهم الطالبات في الصفوف الأساسية العليا، وفي حال تم رصد شكوى بحقّهن ?تم استدعائهن للتحقيق في الحادثة، إلا أن التعليمات الخاصة بالعقوبات لا تعاقب هؤلاء الطالبات، حيث لا يوجد نصوص واضحة يمكن الإستناد عليها في توجيه العقوبة اللازمة لهن، ليتم الإكتفاء بتقديم النصيحة والإرشاد لهن، لكن بلا فائدة في بعض الأحيان.
أما إحدى المعلمات في مدرسة مختلطة في لواء بصيرا، فقد أشارت إلى أن الأطفال في الصفوف الأساسية الأولى في مدرستها يتعرضون من حين لآخر للعنف اللفظي والمضايقات من قبل الطلاب الأكبر سناً، وأنه من الصعب السيطرة على هذه المشكلة في ظل الظروف الحالية، فالأطفال المعنّفين يختبئون في زوايا الساحات خلال فترة الاستراحة، ويراقبون بحذر الأجواء المحيطة بهم، خوفاً من أن يتم استهدافهم من جديد، تزامنا وعدم وجود دعم إداري كافٍ لحمايتهم، أو استراتيجيات واضحة للتعامل مع مثل هذه المشاكل.
ويرى الدكتور عودة السعودي، أخصائي علم الاجتماع، أن دمج الأطفال الصغار مع الطلاب الأكبر سناً قد يؤدي إلى نتائج سلبية على صحتهم النفسية، فالأطفال في هذا العمر بحاجة إلى بيئة تعليمية ملائمة تتناسب مع مراحل تطورهم، لكن وجودهم مع طلاب يكبرونهم بسنوات يجعلهم يشعرون بالعزلة والخوف، مما ينعكس في سلوكهم داخل المدرسة، حيث يصبحون أقل قدرة على التركيز والتفاعل مع زملائهم ومعلميهم.
ولإيجاد الحلول التربوية المناسبة؛ يشير السعودي إلى أنه يمكن لهذه المدارس البدء بإنشاء وحدات دعم نفسي واجتماعي تحت إشراف مختصين تربويين لتوفير مساحة للأطفال للتعبير عن مخاوفهم وحل مشاكلهم بشكل يومي، مما يساعد في توفير بيئة تعليمية آمنة، كما يمكن تمكين الأهل من خلال حملات توعية مكثفة تساعدهم في التعرف على علامات التنمر والعنف التي قد يواجهها أطفالهم.
وأشار أنه من الضروري إعادة النظر في تنظيم الجدول الدراسي وأوقات الاستراحة لتقليل احتكاك الأطفال من مختلف الأعمار، مما قد يساعد في الحد من حالات التنمر والةعنيف بأشكاله.، إضافة إلى تخصيص أوقات استراحة منفصلة لكل فئة عمرية، للحيلولة من الاحتكاك المباشر بين الطلاب، وتنظيم برامج تدريبية دورية للمعلمين حول كيفية التعامل مع التحديات النفسية التي يواجهها الأطفال، وتوعيتهم بأساليب التدخل المناسبة لمنع التنمر.
من جانبه أكد مدير تربية لواء بصيرا الدكتور جزاع الرفوع أنه لم يتم رصد أي شكاوٍ بهذا الخصوص، وأن أية ملاحظات تتم من قبل الأهالي أو المعلمين يتم متابعتها، مشيرا أن الواقع مريح للطلبة في الصفوف الأساسية الصغرى.
وأضاف الرفوع المديرية تفتح أبوابها لأي ملاحظات يشعر ولي الامر او الكادر التربوي في المدرسة فيما يخص أي محاولات غير مقصودة لمضايقة هذه الفئة من الطبة، وذلك لأن الهدف من وجودهم داخل هذه المدارس هو لغايات الإنتباه إليهم بشكل كامل من قبل معلمات، ليكنّ أقرب إليهم ولتحدياتهم من كادر المعلمين الذكور.