Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Jun-2019

الانفصام: الأسعار والأدوية والدراما* د.باسم الطويسي

 الغد-اصرار عجيب وبيانات رسمية صارمة تبرر الوضع القائم في تسعير الدواء في الأردن، فيما بقيت المؤسسات المعنية مصرة على عدالة تسعيرة الدواء ولم تقبل الأصوات التي اشتكت بمرارة من الارتفاع الجنوني لأسعار الدواء الذي قد يصل في بعض الحالات إلى ثلاثة أضعاف ما هو موجود في دول مجاورة، يوم الخميس الماضي جاء التدخل الملكي وتبين انه بالامكان مراجعة نحو 1227 دواء ومستلزما طبيا وتخفيضها بنسب مختلفه من 20 % إلى 63 %.

بعد وقت قصير يثير الناشطون إلى مواقع التواصل الاجتماعي مواقف وانفعالات حول المسلسل العالمي “جن” الذي من الواضح ان فيه تجاوزات اخلاقية في اللغة والتعبيرات المخجلة، ولكنها لا تستحق كل هذه الضجة حالة الانفصام ذاتها تتكرر بشكل آخر حينما تنبري المؤسسات الرسمية لركوب الموجة بالتخلي عن المسؤولية أو بالتهديد والوعيد بعد ان وقع الفأس بالرأس.
قبل اسابيع تدخل الملك في ملف الغارمات بعد تهرب رسمي عابر للحكومات لمشكلة وطنية من العيار الثقيل أدت إلى تورط عشرات آلاف من النساء والأسر نتيجة جشع مؤسسات مالية في حالة من غياب الرقابة الرسمية على هذا القطاع، صحيح ان التدخل الملكي جاء من باب إنساني لوقف هذه المأساة، وترك للمؤسسات الرسمية البحث في خلفياتها بل طلب منها العمل من اجل تجنب استمرار هذه الظاهرة، والى اليوم ما تزال شركات التمويل تعمل بالطريقة ذاتها بدون أي رادع.
من الواضح حجم حالة الانفصام الكبيرة في اداء بعض المؤسسات وفي سلوك بعض المسؤولين وكيف تعمل هذه الحالة في ضرب الكفاءة العامة للدولة، كما ان هذه الحالة تحرم البلاد من وجود مساءلة مجتمعية رشيدة ومنضبطة، بعيدا عن الشعبوية المفرطة في الانفعالات والصوت العالي، ولعل هذه مشكلة عالمية تعاني منها الكثير من المجتمعات لكن لدينا تأتي بآثار أعمق نتيجة الاختلالات الإدارية العميقة وما اصاب التكنوقراط الرسمي من تردد وضعف واحيانا ركوب الموجة الشعبوية دون الاستعداد للمواجهة.
إن استمرار ضعف الشفافية في الإجراءات الرسمية، وضعف توفير المعلومات العامة بشكل أكبر للمواطنين، ولوسائل الإعلام، سيجعل المساءلة الشعبية دوما قائمة على الانطباعات وعلى الاتهام لا يمكن بأي حال ان نتصور تطوير انظمة للنزاهة بدون نظم وطنية للشفافية تتمتع بالكفاءة والجودة، وهذا يتطلب نظم معلومات وطنية في كل قطاع على حدة وإجراءات مؤسسية واضحة لضمان الشفافية.
أزمة إدارة حقيقية متدحرجة ملخصها ضعف الاداء والصوت العالي والضجيج؛ كل يوم يزداد حجم هذه الازمة وتتسع قاعدة انتشارها. أما نتائجها الفعلية، فقد بدأت تُلمس منذ صيف العام 2009، وعنوانها الأبرز والأكثر وضوحا هو تراجع كفاءة العديد من المؤسسات وتمادي حالة الاسترخاء، حتى باتت اليوم كأنها تكتفي بمجرد إدارة هذا الاسترخاء، على نحو ما يبدو ذلك في العديد من الوزارات والمؤسسات المستقلة، والجامعات، والدوائر الخدمية. وقد كانت تلك نتائج مراحل ليست بالقصيرة من تراجع الأداء العام، بينما ساهمت المقاربة السياسية في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية بعد العام 2011 في كشف هذا الضعف، أي ان الاستجابة الأمنية التي كانت في اعلى درجات الكفاءة في تمرير المرحلة لم يتبعها استجابة من قبل التكنوقراط الرسمي في استعادة كفاءة مؤسساتهم.
إعادة اكتشاف قوة الدولة تتطلب اليوم رؤية جديدة، تُعنى بإعادة تعريف الإدارة العامة في سياق الأزمة الاقتصادية الراهنة. وفي ظل التوقعات القاتمة، وما ترتبه من تداعيات التنافس الشرس والتهديدات القائمة والمنتظرة، مقابل الفرص المتاحة والمتوقعة، تتطلب هذه الرؤية إعادة تعريف علاقة المواطن بالدولة، وعلاقة القطاع العام مع القطاع الخاص، ومنح جرعة من القوة لمنظومة فاعلة وجادة من إجراءات النزاهة واجتثاث مصادر الفساد ومصادر الترهل والاسترخاء ثم وضع مقاربة للكيفية التي يجب ان يعمل كل من التحديث والاتمتة في تحسين الأداء العام وزيادة الكفاءة وسرعة الاستجابة.