Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Apr-2020

متى سيصبح علاج الجائحة أسوأ من المرض؟

 الغد-بيتر سينغر ومايكل بلانت*

 
ملبورن/اكسفورد- ان حوالي نصف سكان العالم تقريبا اليوم أي حوالي 4 مليارات انسان يعشيون في ظل اغلاق تام فرضته الحكومات وذلك من اجل وقف انتشار فيروس كورونا المستجد.
الى متى يجب ان يستمر هذا الاغلاق التام؟ ان الجواب الواضح هو كما قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وهو عندما “نهزم ” فيروس كورونا المستجد ،لكن السؤال المطروح متى بالضبط سنهزم الفيروس ؟ هل عندما لم يعد هناك أي شخص في العالم مصاب بالفيروس؟ طبعا من الممكن الا يحصل ذلك مطلقا . هل سنهزم الفيروس عندما نجد لقاح أو علاج فعال؟ ولكن هذا الأمر قد يستغرق سنة او ربما فترة أطول. هل نريد ان يظل الناس يعيشون تحت ظل اغلاق تام وان يتدهور الوضع في مجتمعاتنا – مع اغلاق المطاعم والحدائق العامة والمدارس والمكاتب –طيلة هذه الفترة؟
يؤلمني ان اعترف ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب كان محقا عندما قال “نحن لا نستطيع ان نجعل الدواء اسوأ من العلاج”. ان هناك فوائد صحية للاغلاق التام حيث سيموت عدد أقل من الناس بسبب فيروس كورونا المستجد وغيرها من الأمراض المعدية ولكن هناك تكلفة اجتماعية واقتصادية حقيقية للاغلاق التام من بينها العزلة الاجتماعية والبطالة وحالات الافلاس على نطاق واسع . ان هذه العلل ليست واضحة تماما بعد ولكنها ستظهر قريبا.
يصّر بعض الناس انه عمليا لا يوجد اي مجال للمساومة فالاغلاق التام افضل من اجل انقاذ الارواح ومن اجل الاقتصاد . ان هذا يبدو وكأنه احلام لا اساس لها من الواقع . نحن نفترض ان هولاء الناس يعتقدون ان الاغلاق التام سينتهي قريبا ولكن لو أنهينا الاغلاق قبل هزيمة فيروس كورونا المستجد فإن بعض الناس سوف يموتون من المرض مع العلم انهم كانوا سيبقون على قيد الحياة لو استمر الاغلاق. ان محاولة الهرب من مقايضة انقاذ الارواح بإنقاذ سبل العيش ليست أمرا بسيطا.
في واقع الأمر فإن الوقت المناسب لإنهاء الإغلاق هو في وقت غير محدد قد يمتد من اليوم وحتى عشر سنوات ولكن هذا لن يفيدنا كثيرا ولو اردنا اجابة أكثر فائدة ، فإنه يتوجب علينا ان نفكر مليا كيف نعمل تلك المقايضة.
أولا، يجب الا نتجاهل التكلفة المحتملة لاحتواء فيروس كورونا المستجد فالأبحاث في علم النفس الاخلاقي كشفت عن “تأثير الضحية المحددة” فالناس يفضلون عرض المساعدة على ضحية محددة ومعروفة عوضا عن تقديم الفائدة نفسها لمجموعات أكبر من الأفراد غير المحددين. نحن نعتقد ان تأثير الضحية المحددة هو خطأ اخلاقي حيث يتوجب علينا ان نسعى لعمل الخير بأقصى ما نستطيع وحتى لو نكن نعلم بالضبط من هو الشخص المستفيد.
ان ما يعادل ذلك “تأثير السبب المحدد” قد يحد من تفكيرنا الجماعي عن فيروس كورونا المستجد فنحن نركّز على مصدر محدد معروف للمعاناة حتى لو لم نكن نعرف من هم الاشخاص الذين يعانون ونتجاهل المشاكل الأخرى . هل من الممكن ان صور الناس الذين يصارعون الموت وهم على نقالات في خيم بمواقف سيارات المستشفيات تحجب عيوننا وتمنعنا من التفكير بالضرر الاكبر الذي قد نتسبب به في المجتمع بشكل عام اثناء محاولاتنا تجنب هذه الوفيات المريعة؟
ثانيا ،ان عمل مثل هذه المقايضة يتطلب تحويل نتائج مختلفة الى وحدة واحدة من القيمة. ان المشكلة في المناقشات الحالية عن ما اذا كان يتوجب علينا خنق الاقتصاد من اجل انقاذ الارواح هو انه يصعب علينا وبشكل مباشر مقارنة انقاذ الارواح بخسارة الناتج المحلي الاجمالي فنحن بحاجة لوضعها في وحدة مشتركة.
ان أحد العناصر التي يمكن طرحها من اجل احراز تقدم هو ان نفكر في أنه لو استمر الاغلاق التام لفترة طويلة فإنه سوف يؤدي لاقتصاد اصغر يمكنه ان يتحمل تكلفة اعداد اقل من الاطباء والممرضات وكميات اقل من الادوية وفي المملكة المتحدة تقدّر هيئة خدمة الصحة الوطنية انه مقابل مبلغ 25 الف جنيه استرليني (30 الف دولار اميركي ) فإنها تستطيع ان تتحمل تكلفة “سنة واحدة من الحياة ذات النوعية الجيدة” وفي واقع الامر فإن هذا المبلغ يمكنه ان يمنح المريض سنة واحدة اضافية من الحياة الصحية.
لو قدّرنا تكلفة الاغلاق التام على الاقتصاد فإننا نستطيع ان نقدّر سنوات الحياة الصحية التي من المرجح ان نكسبها الآن من خلال احتواء الفيروس ومقارنتها بعدد السنوات التي من المرجح ان نخسرها من اقتصاد اصغر.
لم نشاهد لغاية الآن اي محاولات حثيثة كافية لعمل ذلك. لقد عمل الاقتصادي بول فريتيرس تحليلا تقديريا توصل من خلاله لنتيجة مذهلة وهو انه كان من الافضل بالنسبة لعدد سنوات الحياة الصحية التي قد نخسرها لو لم نطبق الاغلاق التام في المقام الاول.
إن احد العوامل المهمة للتوصل الى مثل هذه النتيجة هو ان معظم الذين يموتون بسبب فيروس كورونا المستجد هم من كبار السن أو من الاشخاص الذي يعانون بالفعل من مشاكل صحية كامنة حيث يقوم فريتيرس بعمل بعض الافتراضات التي قد تثير تساؤلات ونقاشات فهو يعزو الانكماش الاقتصادي لتصرفات الحكومات بينما فيروس كورونا المستجد كان سيتسبب باضطرابات اقتصادية كبيرة بأي حال من الأحوال علما أن تقديره لمعدل الوفيات لا يأخذ بعين الاعتبار الوفيات الاضافية التي من المرجح ان تحدث عندما لا تستطيع وحدات العناية المركزة المثقلة إدخال اي مرضى جدد.
على اي حال فإن التفكير فقط على اساس سنوات الحياة ذات النوعية الجيدة يعكس تفكيرا ضيقا تماما فالصحة ليست كل شيء فالذي نحتاجه بحق هو مقارنة تأثير السياسات المختلفة على الرفاهية بشكل عام.
يتوجب علينا حتى نحقق ذلك ان نقيس الرفاهية من خلال استخدام تقارير الافراد عن سعادتهم ورضاهم عن حياتهم الحالية وهو نهج كان من رواده اكاديميون في تقرير السعادة العالمية. ان عمل هذا يعني انه باستطاعتنا بطريقة مبدئية تقييم اعتبارات كان سيصعب مقارنتها وذلك عندما نقرر شكل الاستجابة لفيروس كورونا المستجد أو اي مخاطرة منهجية اخرى.
وحتى نركّز على أحد المخاوف الرئيسة فلقد تم خسارة عشر ملايين وظيفة في الولايات المتحدة الاميركية خلال اسبوعين فقط وكلها تقريبا بسبب هذه الجائحة وفي الهند تسبب الاغلاق التام بتدمير حياة المهاجرين علما ان الكثير منهم لا يوجد لديهم وسائل اخرى لكسب العيش. نحن نتفق جميعا ان البطالة سيئة ولكن من غير الواضح كيف نستطيع مقايضة البطالة بسنوات من الحياة الصحية.
ان التفكير بشكل مباشر على أساس الرفاهية يسمح لنا بعمل هذه المقارنة. ان للبطالة تأثيرات سيئة للغاية على الرفاهية حيث تقلل من رضا الافراد عن حياتهم بمقدار 20 % ومع توفر هذه المعلومة فإنه يمكننا مقارنة التكلفة البشرية للاغلاق التام بالرفاهية المكتسبة من خلال زيادة فترة العمر. ان التحليل الاشمل قد يتضمن تأثيرات اخرى مثل العزلة الاجتماعية والقلق حيث سيخبرنا متى يجب انهاء الاغلاق التام .
سوف يبقى فيروس كورونا المستجد معنا لبعض الوقت فهل أشهر من الاغلاق التام المفروض من قبل الحكومات هي السياسة الصحيحة؟ نحن لا نعرف وكفلاسفة اخلاق، نحن لا نستطيع ان نجيب على هذا السؤال وحدنا.يحتاج الباحثون التجريبيون ان يتصدوا لتحدي حساب التأثيرات ولكن ليس على اساس الثروة أو الصحة ولكن على اساس العملة النهائية وهي الرفاهية
 
بيتر سينغر هو استاذ الاخلاقيات البيولوجية في جامعة برينستون وكتبه تشمل تحرير الحيوان والاخلاقيات العملية وعالم واحد الآن والحياة التي يمكن ان تنقذها.مايكل بلانت هو زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه في مركز ابحاث الرفاهية في اكسفورد ومدير معهد الحياة الأكثر سعادة.
 
*حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org
Management