Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Aug-2017

مثلث المواطنة: «الهوية» و«الوعي» و«المشاركة» - د. فيصل غرايبة
 
الراي - تقوم التنشئة الأجتماعية على اكتساب الثقافة وتكاملها في الشخصية الانسانية والتكيف مع البيئة الإجتماعية، وتؤدي التنشئة الأولى للطفل في نطاق الأسرة دورا مهما في غرس قيم وأحاسيس نفسية وأخلاقية تلعب فيما بعد دورا في تحديد سلوكه. أما عملية التنشئة السياسية فهي جزء من عملية التنشئة الإجتماعية والتي يتعلم «الناشئة» فيها القيم والمبادئ والإتجاهات السياسية وتحدد محتوى الثقافة السياسية لديهم، فتشكل هذه الثقافة السياسية نظرة الأفراد لنظامهم السياسي بصورة كلية، وآرائهم وتوجهاتهم السياسية.
 
وللتنشئة السياسية هذه أهمية كبيرة وواضحة في مرحلتي الصبا والشباب من عمر الانسان، وتقع على عاتق النظام السياسي مسؤولية تنشئة جيل واع ومثقف، ومحب لوطنه مزود بجملة من القيم والمبادئ الوطنية والقومية والأخلاقية، كما تسهم الأحزاب السياسية في عملية التنشئة السياسية من خلال التأثير في الرأي العام، وبث الثقافة السياسية، بالإضافة الى التربية الوطنية والإندماج الإجتماعي، الا ان مؤسسات التنشئة السياسية اذا خرجت عن مسارها الصحيح والدور الحيوي في ترسيخ الثقافة السياسية، فسيكون لها أثر سلبي يشوه الثقافة السياسية، وينعكس على اتجاهات المواطنين نحو الأداء السياسي وعلى دورهم في العملية السياسية.
 
لذا تظهر أهمية دور التنشئة السياسية في تكوين اتجاهات سياسية لدى الأفراد بمكوناتها المعرفية والوجدانية والسلوكية، والتي تساعدهم على التكيف مع قضايا العصر ومشكلاته، وعلى تغيير الاتجاهات غير المرغوبة، والتي قد تعوق المجتمع وتؤثر على تقدمه. أما الثقافة السياسية فلها دور بارز في تحديد تصرفات المواطنين تجاه الأفكار السياسية المتداولة والمؤسسات القائمة الرسمية منها وغير الرسمية والبناء السياسي ومدخلات النظام السياسي ومخرجاته ومنطلقات المشاركة السياسية واصول تقييم الأداء وتحديد الهوية وارساء الولاء.
 
وتشغل الرموز السياسية كالقيادة المؤثرة في الناس، والدولة كرمز وطني يحترمه الجميع، والأحداث التاريخية المتوالية، والمناسبات الوطنية التي يحتفى بها... حيزا مهما في توجيه السلوك السياسي للمواطنين، اعتمادا على قدرتها على ترسيخ ولائهم لها، وعلى تحديدها للهوية الجمعية التي ينتمي اليها المواطنون، وعلى حشدها لجهودهم في تحقيق الأهداف المنشودة المشتركة.
 
اما المشاركة السياسية فهي سلوك طوعي ارادي مكتسب وايجابي واقعي، كما أنها عملية اجتماعية شاملة ومتكاملة متعددة الجوانب والأبعاد، لا تقتصر على مجال واحد من انشطة الحياة، انما ذات مجالات اقتصادية وسياسية واجتماعية متعددة. وهي من جانب آخر تدل على ديمقراطية الحياة السياسية في البلاد، فهي أداة للتعرف على آراء المواطنين ومطالبهم لتؤخذ بالأعتبار، اذ أن المشاركة السياسية ليست فعلا ماديا فحسب، بل قيم وأحاسيس وشعور بالإنتماء، وارادة في التغيير واحساس من المشاركين بانهم جزء من الوطن، وأن المشاركة حق من حقوقه السياسية، وأنه من خلالها يستطيعون أن يغيروا ويجددوا في سياسة الدولة بصورة ايجابية. والمثال الراهن في حياتنا الأردنية الانتخابات المقبلة لمجالس البلديات والمحافظات.
 
تبدأ المشاركة السياسية من نقطة الأهتمام بالشان العام، ثم تنتقل الى حالة الأنخراط السياسي، ثم الى القيام بنشاط سياسي، ثم تتطور الى الوعي بضرورة تحمل مسؤوليات سياسية،والقيام بنشاطات سياسية. ولا يخفى أن الأهتمام بالثقافة السياسية يسهم في تطوير سبل المشاركة السياسية وتطويرها من الثقافة المحدودة الى ثقافة المشاركة، اذ أن الثقافة السياسية تحدد القواعد التي تحكم المشاركة، وذلك بتزويد الجيل الجديد بالمعرفة والمعلومات عن النظام السياسي والأداء الوطني.
 
من هنا يبرز دور الجامعات في التوعية الفكرية والمدنية في رفد الوطن بشباب من ذوي الكفاءة في تلبية مختلف احتياجات ومتطلبات مجتمعهم، ومن ثم تنمية الوعي لدى شرائح المجتمع بأسلوب عملي واقعي بعيد عن العاطفة والخيال، مما يسهم في اعداد المواطن الصالح الذي يقدر قيمة وطنه، ينتمي اليه ويعتز به، يعرف ما له وما عليه من حقوق وواجبات متبادلة بينه وبين مجتمعه على أساس مبدأ المواطنة، وعلينا أن ندرك هنا أن مقرر «التربية الوطنية» ليس كفيلا لوحده أن يحقق كل تلك الاهداف الوطنية تجاه الطلبة، حتى ولو وضع كمتطلب اجباري لعموم طلبة الجامعات.
 
لذلك كانت جهود الباحثين في علم السياسة أمين عواد المشاقبة ودينا صبيح شقير التي ضمها كتابهما المعنون ب «نظريات التنشئة السياسية والثقافة السياسية»والذي صدر هذا العام 2017، محاولة حديثة لاثراء الفهم والأدراك السياسي لأبعاد احدى موضوعات التقاء الإجتماعي بالسياسي، اذ أن السياسة تفاعل انساني وثقافة تصهر أطراف المعادلة السياسية، وتنظم أسس توزيع القوة داخل المجتمع، وعلاقات التعاون والصراع، وهي ترتبط بمفاهيم متعددة؛ كالشرعية والهوية والولاء والمواطنة والمشاركة، وهي مما يحتاجه المواطن والوطن في حياتهما العامة باستمرار.
 
dfaisal77@hotmail.com