Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Jan-2019

الأديبة بهيجة مصري إدلبي: الكتاب جسر معلق بين الذات والعالم

 الدستر-حاورها: جمال عقل

يأخذنا الحوار مع الأديبة الشاعرة الدكتورة السورية بهيجة مصري إدلبي إلى فضاءات واسعة من الجدل والمعرفة، فهي الشاعرة والروائية والناقدة وكاتبة أدب الأطفال والباحثة في الإدارة إلى جانب ذلك كله هي المثقفة التي جعلت من الثقافة وجودا وكينونة لها، فألقت عليها ظل ذاتها فكان الحرف مرآة، والكلمة ذاكرة والمعنى فضاء من التشكيل.
 
ما ينوف على الأربعين كتابا بين الشعر والرواية والنقد وأدب الأطفال والبحث الأكاديمي، كان نتاجها المثير للجدل والأسئلة، وكأنها انتبهت إلى حلمها في الرؤى فكانت امرأة من خزف الروح، تصلي في محراب ذاتها، وهي تستدرج ياقوتة الصمت إلى ما وراء المعنى. كل ذلك استوقفنا معها في هذا الحوار:
* هل انتبهت الكلمة إلى ذاتك أم أنت من انتبه إلى المعنى فكانت البداية؟
ـ  أعتقد أن دهشة الإبداع هي التي انتبهت إلى دهشة الذات، فانتهت الكلمة وانتبه المعنى، وكان المشوار الذي يورث القلق، ويورث الجدل، ويورث الأسئلة، وبالتالي هناك ثمة تجاذب بين الدهشتين.
 فاستعنت بأسئلة الذات على أسئلة اللغة، واستعنت بأسئلة اللغة على أسئلة المعنى، لتصبح القصيدة تجربة في التأمل؛ ما فتح أمامي آفاقا إبداعية أخرى ايقظتها اللغة على حين غفلة من القصيدة هكذا انتبهت إلى ذاتي، وهكذا بدأ مشواري مع الأدب، ليكون اختباري للذات في مقام المعرفة، واختباري للمعرفة في مقام الذات. 
* هل ثمة طقس للحظة الإبداعية وأنت تكتبين القصيدة؟
ـ بين الشاعر والقصيدة وجد لا يدرك إلا في اكتناه لحظة التماس بين ذات الشاعر وذات القصيدة، هذه اللحظة التي يطلق عليها الشعراء والنقاد من بعدهم مسميات مختلفة منها لحظة الوحي، ولحظة الإلهام، لحظة البوح، واللحظة الشعرية...الخ ما يشي بتمثلها للغموض،وانزياحها عن التأويل، مهما حاولتها المقاربات، والتأويلات، فلن تجد إلى تفسيرها سبيلا، لأن تفسيرها أشبه بتفسير الصمت بالصمت. لذلك فاللحظة الإبداعية لها طقسها الذي لا يملك الشاعر فيه من أمره شيئا، سوى أن يتوسل بالصمت ويتكئ على حائط المجهول، ويستغرق في الأشياء وكأنه أول مرة يراها.
* ما مفهومك للإبداع والنقد؟
ـ الإبداع صيرورة في اللغة، وكينونة في الذات، وكشف للمعنى، أي أنه نص الذات المبدعة وهي تستجيب لدهشة العالم، في مختبر اللغة، وما أقوله عن الإبداع ليس تعريفا له، لأن الإبداع لا يستجيب للتعاريف فيكفيه ما وسم به من كلمة إبداع التي تعني الخلق، وتعني الكشف، وتعني ذاتها أكثر من أي كلمة أخرى. 
أما النقد فالأمر معه يختلف، وإن كان في جانب من جوانبه منفتحا على الرؤى الإبداعية إلا أن هذا الانفتاح لا ينفي أنه علم، وأنه يستجيب للنظريات النقدية التي تبحث في كل مجالاتها وفلسفاتها، ورؤاها عن سبيل لمعرفة النص، ومن هنا يمكنني القول إن النقد هو معرفة النص، بشكل من الأشكال وإن اختلفت السبل في الطريق إلى هذا النص.
وكما أقول دائما في الكثير من حواراتي إن على الناقد أن يستدل على الغائب بالحاضر، وبالتالي يكشف الغياب النصي، الذي هو أ كثر انفتاحا على التأويل، وأكثر إدهاشا للقارئ والمتلقي لأنه كنه الشعرية التي يحتملها النص الإبداعي .فعلى النقد أن يكون  انبثاقا من النص، من أجل النص.
* وماذا عن تجربتك في الرواية؟
ـ للرواية غوايتها كما للقصيدة غوايتها، فإذا كانت غواية القصيدة في دهشة الأسئلة، فغواية الرواية تكمن في دهشة المعرفة،علاوة على ما تتيحه الرواية من فضاءات واسعة للتجريب، واحتكاك الذات بآفاق شاسعة من المعاني، فالهاجس الإبداعي  لدي في جميع الأجناس الأدبية التي أكتبها، هو هاجس السؤال، والبحث عن الكينونة، والرحلة في الذات كما الرحلة في العالم، هذا كان هاجسي الأكثر جدلا في الرواية منذ روايتي الأولى  رحلة في الزمن العمودي  مرورا برواية ( الغاوي ) التي تمثل الغواية المعرفية بكامل أبعادها  بحيث كان البحث عن المعرفة نهاية الكائن، وصولا إلى رواية حوادم التي كانت لحظة انتباهي للذات المنبثقة في الوجود،كي تستدرج حلمها، الذي هاء لها منذ كانت لحظة الهبوط الحزينة، كانت في البداية قصيدة شعرية، حاولت فيها أن أستدرج الرؤية الإنسانية الكامنة في هذا النحت اللغوي، الذي يكشف عن النحت والتشكيل الداخلي للكائن الإنساني وهو ينبثق من الكائن اللغوي لأنه كان بالكلمة، ومازال يحلم بالكلمة.
* الحديث عن أدب الأطفال حديث مشوق، كما هو حديث يأخذنا إلى عوالم سحرية تتشكل في ذاكرة الإبداع كما تتشكل في ذاكرة الطفل، وقد كانت لك تجربة متنوعة في هذا المجال شعرا وقصة ودراسة نقدية ماذا تحدثينا عن هذه التجربة؟ 
ـ هناك مقولة لراسيل تقول: «إذا أردت أن تتأكد من صحة نظرية فأحكها للطفل» من هنا فأدب الطفل يمثل الركيزة الأساس في العمل الأدبي إن لم يكن كله. وأنا أشعر بالخوف الحقيقي عندما أقدم عملا للطفل لأنني أقوم باختزال معرفتي كاملة  لأحيلها إلى كتاب بين يدي طفل؛ فالطفل هو نحن مستقبلا، فكما نقدم له نكون في ذاكرته المستقبلية، فإما أن يمحونا وإما أن يخلدنا. 
فأنا عندما أكتب للأطفال أبحث عن الطفلة التي في داخلي، عن أحلامها، عن  دهشة الأشياء في عينيها، عن بساطتها وغموضها، عن فطرتها عن أسئلتها المدهشة.
لذلك حاولت أن اقدم للطفل أعمالا سواء كانت شعرا أم قصة تقدم المتعة الجمالية والمعرفية في الوقت نفسه، فبدأت معه باللغة التي تمثل الكينونة الأولى في بناء شخصيته، حيث صغت قواعد اللغة العربية  بأشكال إبداعية مختلفة شعرا وقصة كما قدمتها على شكل مسلسل إذاعي  لأردم الهوة بين اللغة والطفل ولتصبح اللغة شيئا محببا لديه، وقد تابعت هذا المشروع برؤية جديدة في سلسلة النحو العربي التي بلغت 21 جزءا في كل جزء أقدم القاعدة النحوية على شكل قصة ونشيد ومن ثم أتبعها بأسئلة اختبارية للطفل، متوخية في ذلك المراحل العمرية للطفل والأهداف التربوية والتعليمية والقيمية التي أرى أنها تقع في أولويات تنشئتنا للأطفال.
* لاشك إن معرض الكتاب الذي تقيمه الشارقة في كل عام يمثل ظاهرة ثقافية وحضارية ترسخ حوار الثقافات وثقافة الحوار، كيف تحدثيننا عن هذا المعرض وعن أهمية الكتاب في حضارة الشعوب؟
ـ الحديث عن الكتاب ومعارض الكتاب في الشارقة حديث له نكهته المختلفة؛ لأنه يستجيب لفعلين في الذات فعل الزمان وفعل المكان، الزمان الذي يتمثل في الكتاب والمكان الذي يتمثل في الشارقة، ومن هنا يأخذنا الحديث إلى ذلك العمق الحضاري والثقافي الذي تقوم به الشارقة عبر فعالياتها الثقافية التي تضع الشارقة في قلب العالم والعالم في قلب الشارقة، لينهض ذلك العرس السنوي الذي يحتفي بأرقى ما في الوجود وهو الكتاب، ليفتح الرؤى ويفتح الآفاق على التواصل الإنساني والثقافي والحضاري، في عالم تتجاذبه الصراعات عسى يكون الكتاب المنقذ الأخير والسفين الذي يوصل الجميع إلى بر الأمان بر الثقافة والحوار والسلام.
صحيح إن معارض الكتاب هي مواسم للثقافة، مواسم للتواصل، مواسم للحوار، مواسم لاختبار روح الحضارة، في ذات الكائن، وفي ذات المكان،  إلا أن العلاقة مع الكتاب، لا تقف عند حدود المعارض، وعند حدود العلاقة المباشرة، بين  الكتاب ومتلقيه، وإنما تمتد لتشمل  ما وراء هذه العلاقة، العلاقة الأكثر اتصالا بين الكتاب، وبين من يحاول أن  يقرأ ذاته، بين مفرداته، فالكتاب، علاقة دائمة، لا تنتهي  سواء بالنسبة للكاتب أو بالنسبة للمتلقي،  لأنه السِفُر الذي يؤكد فيه الكائن المبدع، أو الكاتب في أي جنس كان، وفي أي  اتجاه كان،أنه يقف على بوابة الخلود، في المعارض التي تحتفي بالكتاب، نتحدث إلى المكان، كما نتحدث إلى الزمان، كما نتحدث إلى الكائن،  تتجاذبنا الأسرار ونحن نتجول بين أجنحة المعرض، وتغوينا الأفكار، ويأخذنا الحال إلى تأويل أحلامنا، بكتاب هنا، وكتاب هناك، بحوار هنا وحوار هناك،  بانتباه هنا إلى أسطورة تستدرجنا إلى مجاهلها، وانتباه إلى حكمة تكتنه الزمن، وتختبر التجربة. 
وبالتالي إن معارض الكتاب مواسم للهجرة إلى الذات، كما هي الهجرة إلى الآخر، لأن الكتاب جسر معلق بين الذات ومرآتها بين الذات والعالم، سواء من خلال ما يرسله الآخر في خطابه، أو من خلال اللقاء المباشر،  بما يحمله من نكهته الثقافية، ونكهته الفكرية، والإبداعية، التي تعيد ترتيب الذات، في كمون الآخر، كما تعيد ترتيب الآخر في كمون الذات. 
في المعرض تتصافح أرواحنا مع عتق الفكرة، لأننا نصافح روح الحرف والكلمة، وروح الإبداع التي تعبرنا كلما عبرنا من أمام  كتاب يتنفس في أروقة المعرض، أنفاسنا، فنتنفس أنفاسه،  ففي كل نداء، ودعوة، وإغواء، واستدراج لنا، وكأن الكتب  التي تصطف على الأرفف تحولت إلى وجوه، وأرواح، وخيالات وظلال، ما إن تمس ظلالنا حتى  ينهض بنا الوجد، ويأخذنا الحال، فنمد أرواحنا لنصافح تلك الكتب، لأنها كائنات حية، تفسر حضورنا بحضورها، وتفسر أحلامنا بأحلامها،  هكذا يتحول المعرض إلى حالة إصغاء متبادلة بيننا وبين الكتاب، بيننا وبين الآخر، بيننا وبين ذاتنا.  ونحن نصغي إلى وجد الكتاب، ووجد الخطاب. 
بهذا المعنى تصبح الشارقة عاصمة خلدتها الثقافة كما خلدت الثقافة في ضمير المشهد الإنساني، لتكتب تاريخ الكائن بأحرف المحبة والتسامح والسلام.