الراي - ننتج الكثير من الفوسفات , والكثير من البوتاس ..ونحن أكثر البلاد إنتاجا للبندورة ..ومع ذلك ننتج أكثر من الثرثرة والتذمر , لم يتطرق أحد للان لتقديم دراسة نقدية في أنماط السلوك الإجتماعي ..واكتفينا برجم الحكومات , والتبشير بخراب البلد ..أحد أمناء الأحزاب قال أمس على محطة فضائية :- الأردن دولة فاشلة ...لماذا ؟

 

لأن المجتمع لا يصحح نفسه , وظيفته الصراع مع المؤسسة التنفيذية ومع التشريعية ..لأن ظاهرة الحوادث في أغلبها , هي ظاهرة مرتبطة بسلوك الفرد إذا جلس خلف مقود السيارة ومع ذلك تزداد الظاهرة ...ونلوم الحكومات , وحين نضع المرحوم في القبر نتباهى بأطنان اللحم التي تطبخ ..حتى في الموت ثمة حالات للتباهي ..ولأننا اعتدنا على الذهاب إلى مكاتب الخادمات , وصار للمضيفة الجوية ..خادمة من سيريلانكا ..مع أن وظيفة (المضيفة) الجوية هي خدمة المسافر ..

 

هل درس أحد أنماط السلوك لدينا , هل سأل أحد يوما لماذا في جاهاتنا نصر على إحضار كافة الصنوف من رؤساء وزارات ووزراء وشيوخ عشائر وندري في لحظة أن العريس تعرف عليها عبر الفيس بوك , وسينفصلون بعد شهرين على خلفية تعليق للعريس عند صديقة المغدورة , والغريب أن رؤساء حكومات في الجاهة الكريمة يتباهون بالعلاقة الأخوية بين من هم شرق النهر وغرب النهر ...ونقيم طقسا للتصاهر والمحبة وفي النهاية , العريس تبين له في زحمة (المعازيم) ...أن الحلاق لم يضع (الجل) بكمية مناسبة على الغرة .

 

نحن طيبون ,دمثون , غيارى ...ولكن في لحظة جلوسنا خلف شاشة الفيس بوك تصبح الشتيمة أمرا عاديا , والحب محللاً ..ونطارد النساء عبر الصور ..ونرسل ألف طلب صداقة ..ونرجم ونتهم , ونظن في لحظة أننا نمتطي صهوة فرس في غزوة قبلية ..وقد اخترقنا حصون القبيلة المنافسة , وبعض اللايكات ..قد تشفي غليل الفارس المغوار .

 

نحن ..الذين أنتجنا للعالم العربي , أفضل تمازج بين مفهوم الدولة ومفهوم العشيرة كوحدة اجتماعية ساهمت في بناء الدولة وقوتها , لكن لحظة أن تصبح بنت العشيرة مذيعة في محطة إذاعية , تغير لغتها ومن الممكن أن تصف حالتها بالقول :- (ئلئانه ) ...وتستبدل اسم (يرقا ) ويصبح اسمها (يرئا) وتغير لهجتها حين تجلس في عمان , ثم تسترد اللهجة حين تعود لمنزلها ...

 

نحن الذين ..نستقبل نجوى كرم بموكب , تحيطه الدراجات ..حتى نجوى كرم حين نشرت الفيديو لم تعلق عليه وصدمت من حفاوة الإستقبال, بالمقابل ...كل ما كتبه عدنان البخيت وعلي محافظة عن تاريخ الدولة ومعجزة بنائها , مركون في رفوف المكتبات ...وحين يذهبون لمناسبة اجتماعية ينادونهم يا (حج) ..لقد ضج قلبي وأنا أسمع أحدهم يقول لأهم أستاذ تاريخ في الشرق الأوسط لمحمد عدنان البخيت يا حج ...

 

وتتهافت الصبايا , والرجال على راغب علامة ...حين يقيم حفلا في فندق ما , وتقاتل سيدة في ريعان عمرها ويقاتل زوجها معها الصفوف , ويخترقونها لأجل صورة مع راغب ..بالمقابل يحاول ثلة من الأردنيين أن يزوروا قبر وصفي في ذكرى استشهاده وتذهب معهم وتكتشف أن أرقامهم لا تتجاوز (40) على أبعد حد ..ووصفي قاتل لأجل أن يبقى الصف موحدا في هذا الوطن ...لكن راغب يحظى بالحب أكثر من غيره .

 

في بلادنا لم نقدم دراسة نقد لمجتمع , يتناقض أحيانا ...لمجتمع يتشاجر أحيانا ..لرؤساء بلديات أتوا لمقابلة الرئيس , فكانت كل مطالباتهم مرتبطة بالخدمات إلا قلة منهم ...وهؤلاء صفوة المجتمع لم يتحدث أي واحد منهم عن الأمن الإجتماعي وعن رؤية مستقبلية للأردن ..وأحدهم أكد أن بلدية (الديسة) من دون سيارة ...

 

كل ما في الأمر أننا نسينا المجتمع ونسينا نقد أنفسنا , لهذا اي حكومة في العالم تستبد حين ترى مجتمعا يتناحر مع بعضه وغير موحد ...

 

نعيب زماننا والعيب فينا .....