Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Jul-2017

‘‘الديليفري‘‘.. غياب للعدالة تحت ظل القانون واستغلال لجهود العاملين

 

اسماء رجا 
عمان -الغد-  في مساء التاسع من كانون الثاني (يناير) 2015، توفي عامل التوصيل محمد أبو خديجة (23 عاما) أثناء توصيله طلبية طعام بحادث سير خلال عاصفة ثلجية، كانت مديرية الأمن العام، حذرت المواطنين من الخروج من منازلهم أثناءها. 
الحادثة جذبت اهتمام عاملي المطاعم؛ ونبهتهم إلى انهم بلا تغطية صحية أو ضمان اجتماعي، وفق النقابة العامة للعاملين بالخدمات العامة والمهن الحرة.  
مهنة عمال التوصيل أو "عمال الديلفيري"، تعتمد على توصيل طلبيات (طعام أو مشتريات عموما)، بأي وقت كان، صيفا وشتاء، صباحا ومساء. كل ما على الشاب فعله هو امتلاك سيارة والقبول بعمل لا وقت محددا له. 
أرُغم الراحل أبو خديجة على العمل في ظروف جوية صعبة، برغم التحذيرات من الخروج آنذاك، حسب ما قاله ذووه. فيما نفت إدارة المطعم حينها إرغامه على التوصيل. وسرعان ما أغلق ملف الحادثة، بعد قبول عائلته بتسوية مالية مع إدارة المطعم.  
هذه الحادثة؛ فتحت باب الأسئلة حول شمول هذه الفئة غير المستقرة بعملها بالحماية الاجتماعية، بينما النقابة، ترصد تجاوزات دائمة بحقها 
ساعات عمل طويلة 
"والدتي مسنة مصابة بالسكري، تحتاج للرعاية، بينما تمنعني ساعات عملي.. 12 ساعة وأكثر احيانا أن اكون بجانبها"، يختصر عمار (28 عاما) معاناته في هذه المهنة. 
يتقاضى عمار راتبا قدره 350 دينارا، يوزعه بين احتياجات والدته والمنزل، ومتابعة وضعه الصحي، إذ يغسل كليتيه مرة أو اثنتين شهريا، فهو لم يحصل على عمل إلا بهذا القطاع. 
نال عمار إعفاء طبيا لغسيل الكلى، وتوقفت معاناته بسرطان الطحال الذي تعرض فيه لعلاج بالكيماوي، ثم تحسنت حالته مؤخرا.
يتبع عاملو الـ"ديليفري" شركات مطاعم عالمية أو محلية وعددها 14 شركة محلية، تملك أكثر من 100 منشأة سياحية، أو فروع لوكالات عالمية، وعددها 11 شركة تملك أكثر من 125 مطعما.
وأحيانا؛ يتعاقد صاحب سيارة خاصة مع مطعم ليعمل في الـ"ديليفري" ، مقابل عمولة، يتعرض فيها للاستغلال، ويعاني من غياب الأمان الوظيفي لأنه يعمل بنظام القطعة. 
داوود شحادة (30 عاما) يتقاضى 1.65 قرش على التوصيلة، ويصل ما يجمعه شهريا لـ300 دينار، لكن المطعم لا يتحمل تكاليف بنزين السيارة أو تصليح أعطالها، و"يتبقى لي 180 دينارا شهريا". سبق لشحادة العمل بشركة توصيل 12 ساعة مقابل 200 دينار شهريا.
في 26 شباط (فبراير) الماضي، وجه 200 عامل "ديليفري" بالقطعة في مطعم كبير، شكوى عبر وسائل إعلام لوزارة العمل، تضمنت، جملة انتهاكات، أبرزها؛ تحويلهم من حساب الشركة التي يعملون فيها إلى كادر شركة أخرى، بعقود "مجحفة" وتهديد من يرفض التوقيع على العقود بالفصل، والتي لا تتضمن تأمينا صحيا أو إشراكا بالضمان، برغم عملهم لأعوام طويلة مع الشركة، قبل تحويلهم لحساب شركة اخرى.
أرغم العمال على العمل خلال الأعياد والعطل الرسمية، دون بدل عمل إضافي، كما ينص العقد، وقد أنهيت خدمات بعضهم بدون سابق إنذار أو إخبارهم بذلك وبدون إبداء الأسباب.
مدير عام التفتيش بوزارة العمل عبدالله الجبور، أوضح أنه وبعد تحري مفتشي الوزارة، تبين أن رواتب عمال التوصيل وعقودهم في الشركة السابقة، لم تتأثر بتحويلهم من شركة المطعم الرئيس إلى شركة أخرى للخدمات السريعة.
وبين أن "عقودهم محدودة المدة، وهذه لا تمنع انتقال العامل لشركة اخرى بالعقد والميزات نفسيهما، بخلاف العقود غير محددة المدة، والتي لا يمكن الاستغناء عن العامل فيها، إلا عند إعادة هيكلة الشركة طبقا للمادة 31 من قانون العمل".
لم تكن هذه الشكوى، الأولى التي تدفع للالتفات لهذه الفئة، وتقدر النقابة عددها بـ2700 عامل من 10 آلاف، اذ استقبلت النقابة شكاوى بعدم توفير متطلبات السلامة العامة من بعضهم.
حادثة جذبت الاهتمام لـ"الديلفيري"
إثر حادثة أبو خديجة، وقعت النقابة ثلاث مذكرات مع شركات تتعامل مع وكالات عالمية لـ"الديليفري"، جوهرها، كما يقول رئيس النقابة خالد أبو مرجوب "تحسين شروط وظروف عمال الديليفري، بالإضافة لتحقيق مكاسب وامتيازات لهم، كالزيادات وتحسين رواتبهم والتركيز على شروط وسلامة الصحة العامة، والالتزام بالحد الأدنى للأجور". 
وأكد الجبور أن الوزارة لا تتلقى شكاوى من عاملي "الديليفري"، غير أن التفتيش على هذه القطاعات يومي، ويعنى به 30 مفتشا. 
لماذا العمل في "الديليفري"؟ 
تظهر الأرقام الاخيرة لدائرة الإحصاءات العامة، ارتفاعا بمعدلات البطالة للربع الأول العام الحالي؟، وتصل إلى 18.2 % مقارنة بـ14.6 % عن الفترة ذاتها العام الماضي، أي بمعدل وصل إلى 13.9 % للذكور، يقابله 33 % بين الإناث.
نسبة الفقر، وفق آخر إحصائية العام 2010، تشير إلى 14.4 % بارتفاع عن العام 2008 التي بلغت فيه 13.3 %. فيما يشير معدل حد الفقر المطلق، للارتفاع من 655 دينارا في 2008 إلى 880 دينارا في 2011.
ووفق تقرير للاحصاءات عن البطالة للربع الأخير العام الماضي، بلغت نسبة المشتغلين الذكور بمهن البيع والخدمات 34 %، لذا فالتردي الاقتصادي يدفع شبانا للبحث عن أي عمل، حتى وان تعرضوا فيه لانتهاكات. 
إياد عقل (22 عاما) أجل فصلا دراسيا بالجامعة، ليعمل على سيارة كـ"ديليفري" بهدف تأمين أقساط جامعته، إذ "تعاقدت مع مطعم انا وزميلي منذ 6 أشهر، ونوصل الطلبات للزبائن بسيارتنا الخاصة مقابل 500 دينار، بينما المطعم لا يتحمل أي تكاليف صيانة أو بنزين، وساعات العمل تصل إلى 12 يوميا".
يمهل المطعم إياد وقتا في حال تعرض لحادث سير 48 ساعة لتأمين سيارة بديلة للعمل. 
مخاطرة لأجل العمل 
يقول داوود شحادة؛ إنه يلجأ خلال الشتاء وعند تساقط الثلوج لوضع جنازير على اطارات سيارته، ليتمكن من توصيل طلباتها.
حسن "العشريني" وفي محاولة لتحسين وضع عائلته المادي، استأجر سيارة للعمل كـ"ديليفري" مع مطعم وجبات سريعة، اذ "احصل في اليوم 25 دينارا، ادفع منها 10 دنانير إيجار سيارة".
شركة "ديليفري ون" تأسست العام 2009 كأول شركة لتقديم خدمة التوصيل، يعمل فيها 120 موظفا ومتلقي اتصالات، لتنفيذ طلبات نقل الطعام والازهار والكيك وغيرها، 95 % من سياراتها ملكيتها لها، فيما الباقي لموظفي الـ"ديليفري".
تقدم الشركة لعمال الـ"ديلفيري"، وفق مديرها خالد الخفش، عقد عمل سنوي واشتراكا في الضمان، وراتبا أساسيا يصل لـ220 دينارا، وحوافز، وتأمينا صحيا درجة أولى، "ويعامل هذه المعاملة كل من ينقل الطلبات بسيارته الخاصة من الموظفين".
لا ينفي الخفش أن ساعات العمل، تصل إلى 12 ساعة يوميا، "نحن نمنح العامل ساعتي استراحة، وهذا اختياري، لكن العديد منهم يسعى لعمل إضافي لتحقيق مردود اضافي".
الخفش أقر بأن عمل الـ"ديليفري" لا يحكمه قانون العمل والعمال، لأنه غير متواصل، وأي عامل يتعرض لإصابة خلال عمله، يسعف، ثم يبلغ الضمان، ويزود بتقارير طبية لتعويضه ماليا. 
قانون العمل يخالف 
المعايير الدولية
تخالف إجراءات قانون العمل المعايير الدولية، وبينها اتفاقية العمل الدولية (1)، بشأن تحديد ساعات العمل في الصناعة، واتفاقية العمل الدولية (30)، بشأن ساعات العمل في التجارة والمكاتب.
فصلت معايير إجراءات العمل الدولية حقوق من تتطلب طبيعة عملهم التنقل خارج أماكن العمل، بحيث لا يجوز زيادة ساعات عملهم الأسبوعية على 48 ساعة، اي بمعدل 8 ساعات يوميا، يُحسب من  ضمنها ما يقضيه العامل خارج موقع العمل، سواء اثناء التوصيل أو الانتظار.
يقول المحامي والناشط في قضايا العمال حمادة أبو نجمة، إنه بموجب المادة 58 من القانون، هناك استثناء لهم، إذ "تعتبر أن كل من يعمل خارج موقع العمل، أو طبيعة عمله تتطلب السفر او التنقل داخل المملكة او خارجها، لا يخضع لساعات عمل محددة بـ48 ساعة اسبوعيا، وهذا الاستثناء لم يواكبه تفصيل في ساعات العمل لهذه الفئة، كما لم يجر تنظيمها وفق التشريعات الدولية، ولم يحدد ساعات الاضافي بحد أقصى لا يتجاوز الـ100 ساعة سنويا". 
وأوضح أبو نجمة الذي شغل سابقا منصب أمين عام وزارة العمل، أن المعايير الدولية، تؤكد تقاضي، يحدد من 75 إلى 100 ساعة في العام، حماية للعامل من الاستغلال.
العمل بساعات محددة، يعني أن أي إضافة يقابلها اجر إضافي، بمعدل أجر ساعة وربع عن كل ساعة عمل اضافي، والعمل الاضافي محدد من 75 الى 100 ساعة سنويا، لحمايتهم من الاستغلال، وينطبق على المهن كافة.
"تشريعات العمل المنقوصة"، وفق أبو نجمة، بوجود هذا الاستثناء، دفعت لاستغلال العاملين لساعات طويلة دون احتسابها،  اضافة لجعلهم تحت الطلب لـ24 ساعة، والمحاكم تأخذ بذلك في القانون "لهذا السبب، لا نجد شكاوى تقدم للوزارة من هؤلاء العاملين".
الجبور أكد أن التفتيش يجري يوميا على هذه القطاعات، إذ يوجد 30 مفتشا مهندسا مختصا بالسلامة والصحة المهنية، ويوجد في قسم الشكاوى 6 مترجمين للتعامل مع العمالة الموجودة.
يشار إلى نسبة  التشغيل في قطاعي الفنادق والمطاعم تصل إلى 79 %، ونسبة العمالة الأردنية فيها 5ر82 %، وتشير أرقام جمعية المطاعم السياحية إلى وجود 21 ألف عامل في قطاع المطاعم السياحية، و52 ألفا في القطاع السياحي. 
تقر مؤسسة الضمان الاجتماعي أن قطاع المطاعم الأكثر تهربا من شمول العاملين بالضمان، بخاصة المطاعم التي يصل عدد موظفيها لـ20 أو أقل، وتزيد نسبة التهرب على 70 %.
ولا يتجاوز عدد المؤمنين الـ40 ألفا من أصل 130 ألفا في قطاع المطاعم، بينما تتراوح رواتب المؤمنين بالضمان بين 220 إلى 230 دينارا. 
الناطق باسم "الضمان" موسى الصبيحي، بين أن قطاعي الفنادق والمطاعم، تسجل حوادث وإصابات عمل، تصل إلى 29/ 1000 إصابة.
وذكر الصبحي بحادثة أبو خديجة، ففي تحري الضمان عنه فور وقوع الحادثة، تبين عدم شموله به، بينما  كانت الشروط لشموله تنطبق عليه، "فألزمنا الشركة بشموله وبأثر رجعي، وصرفنا لورثته راتبا شهريا كون اصابته اثناء العمل".
لا يوجد تصنيف خاص لعاملي "الديليفري" أو حتى لعاملي قطاع المطاعم، سواء في قاعدة بيانات الضمان أو الاحصاءات العامة؛ ما  يجعل من الوصول لإحصاء رسمي لهم، امرا في غاية الصعوبة. يقر الصبيحي أن "فرق التفتيش للمؤسسة، قد لا تستطيع الوصول لكافة المطاعم أو الشركات التي تشغل عاملي الديليفري".
بالرغم ان المهنة لا يصنّفها الضمان ضمن المهن الخطرة، لكن بإمكان عامليها الاستفادة من تأمين إصابات العمل، إذ يتم شمولهم به منذ أول يوم من التحاقه بالعمل، ويتيح لمن يصنف في هذه المهنة أن يتقاعد مبكرا في سن 45 ضمن مدد اشتراك اقل من غيره". 
 
*التقرير بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR