Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Jan-2019

مجمع اللغة العربية الأردني.. ريادةٌ في النجاح

 الدستور-د. خليل الرفوع

البحثُ في سير المفكرين تأملٌ في حركية الفكر والفعل والمنجز، فأينما يكن الأستاذ الدكتور خالد الكركي يكن النجاح والألق، وأينما يوجهه الوطنُ يكن الفكر فعلا والفعل واقعا، والكلمة فعل حركيّ حينما يكون ثمة صدقٌ وانتماء، وهذا هو مقصود الإحسان في المعتقد الإسلامي.
إن الانتماء للوطن والأمة رسيس يمورُ حياةً في مسيرة الكركي منذ أن وُلِدَ في مِحْنَة (العدنانية حديثا، قرية في الكرك) إلى أن أصبح رئيسا لمجمع اللغة العربية الأردني، فأنتج نجاحات في مساراته الأكاديمية والثقافية والسياسية والإدارية؛ ولعل تلك النجاحات تواترت وتضافرت في أُخرة من الزمن ليكون جديرا بقيادة المجمع، وهو مؤسسة علمية لغوية ثقافية أسس لخدمة اللغة العربية منذ صدور قانون إنشائه في شهر تشرين الأول عام 1976م, وعني في البدء بترجمة كتب العلوم الجامعية، وكان للعالم الوقور الأستاذ الدكتور عبد الكريم خليفة فضل الريادة في الإنشاء، والسيرورة؛ فكان للمجمع دور في الحركة العلمية تحقيقا وتعريبا ونشرا وندواتٍ موسميةً ومؤتمرات علمية ناجحة، كان عمله طوال أربعة عقود ونيف عملا دقيقا هادئا. وستبقى العربيةُ على الرغم من التنافر السياسي أقوى عامل لتوحيد الأمة وبقائها حية، وجاء الكركي ليكون خير خلف لخير سلف.
ولقد أصبح المجمع في عهد الكركي ينهض بما لا تنهض به الجامعات مجتمعة من حيث الحراك العلمي اللغوي، والحديث هنا ليس عن نشاطات صورية ؛ بل أتحدث عن منجزات واقعية أخذت طريقها عملا مشهودا، فقطف المجمع في احتفال مهيب جائزة الملك فيصل الدولية , وهي جائزة عالمية فكانت تكريما للمجمع والأردن ولكل من عمل ويعمل فيه من العلماء والموظفين، وأضحى المجمع في عهد الكركي الذي جاءه على قدر يمور بالندوات والمحاضرات الدورية وغير الدورية والمسابقات، وأخص هنا مسابقات الأطفال في الخط والقصة والشعر وإنشاده والتكنولوجيا ومسابقات المقالات الصحفية وغيرها، ولعل اشتراك مجلة مجمع اللغة العلمية المحكمة في التصنيف الدولي (Scopus) وهي قاعدة بيانات تعنى بالمجلات العلمية المحكمة، يعد منجزا مهما وشهادة دولية ولم يكن ذلك إلا بجهد إدارة المجمع وشبابه العاملين. 
إن تفعيل قانون اللغة العربية سبق علمي، ورؤية فائقة رائدة فقد نص على أنه «لا يعين معلم في التعليم العام أو عضو هيئة تدريس في التعليم العالي أو مذيع أو معدّ أو محرر في أي مؤسسة إعلامية إلا إذا اجتاز امتحان الكفاية في اللغة العربية، ويستثنى من اجتياز هذا الامتحان المعلمون من غير الناطقين باللغة العربية، أو الذين يدرسون بلغة أجنبية وتستقدمهم أي مؤسسة تعليمية بموافقة وزارة التربية والتعليم أو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، حسب مقتضى الحال» وكما علمنا فإنه اختبار في أبجديات التذوق الأدبي اللغوي، فأن يخضع أي عضو هيئة تدريس قبل تعيينه في الجامعات الأردنية والمدارس لاختبار كفاية في اللغة العربية لأمر أعاد للعربية بهاءها في هذا الزمن الذي أبعدت فيه العربية عن مراكز القيادة، وبخاصة في الجامعات ومسالك التعليم العالي، إذ جعلوا إتقان الإنجليزية وليس العربية قنطرةَ العبور للمناصب الإدارية العليا، فكان استلابا ثقافيا كشف عن تيه مبين وأما ما سيُلمسُ واقعا فهو البدء في تعريب أسماء المحال التجارية والإعلانية وغيرها، فلن يكون ثمة لافتة أو اسم محل بالعامية أو بالإنجليزية ؛ فبث العربية في جميع مناحي الحياة رسالة تنبثق من رؤية سياسية في الدستور الأردني تنص على أن العربية هي اللغة الرسمية أي أنها هوية وحياة.
ومن منجزات المجمع الفوز بجائزة محمد بن راشد للغة العربية في محور السياسة اللغوية والتخطيط والتعريب عن فئة أفضل مبادرة في السياسة اللغوية والتخطيط المتمثلة في قانون حماية اللغة العربية، ومنها كذلك إنشاء إذاعة تبث برامجها بلغة عربية سليمة فصيحة، ليدرك الجميع أن العربية بآدابها وعلومها ذوق وفكر وخطاب جمالي راق، وقد فازت إذاعة مجمع اللغة العربية الأردني بالجائزة الذهبية لأفضل عمل درامي إذاعي في مونديال القاهرة للأعمال الفنية والإعلام في دورته السابعة المنعقدة في الفترة من السادس إلى التاسع من تشرين الثاني الماضي عن برنامج «لغتنا العربية». حقا إن نشاطات المجمع المعاينة تنبئ عن وضوح في الرؤية وصدق في الخطاب والتخطيط لإعزاز العربية وتمكينها من مكانتها الحقيقية، فهي إذن في روح المجمع وعقله عقيدةٌ وفعل حضاري للوطن والأمة، والمأمول أن يضيف إلى منجزاته:
1.كتابة معجم عن الألفاظ الشعبية الأردنية وردها إلى أصولها الفصيحة.
2.إنشاء مجموعات من مريدي العربية من جميع الفئات العمرية، يكون عملهم على منصات التواصل الاجتماعي لتصحيح الأخطاء اللغوية والإملائية على بصيرة من فن القول العربي.
3.ترحيل الندوات العلمية والمسابقات إلى المحافظات الأخرى ولتكنْ ابتداءً في الجامعات أو المراكز الثقافية.
4.إنشاء أكاديمية أدبية تعنى بالأطفال ذوي الميول الأدبية، بحيث يكون لها فروع في أطراف الدولة ومناطقها البعيدة تعاونًا مع الأدباء فيها.
5.إنشاء منتدى الأدب (صالون أدبي) في المجمع يختلف إليه الأدباء في جلسات شهرية برئاسة رئيس المجمع سادنِ الأدب، بعيدا عن المواقف السياسية والحزبية. 
6.مخاطبة مجلس الأمة وكل مؤسسات الدولة كي يُلْـتَزَمَ بالعربية خطابا وكتابةً، تزامنًا مع تفعيل الحراك الإعلامي داخليا وخارجيا.
7.التجديد في العضوية لأعضائه العاملين والمؤازرين ولجانه الدائمة، فهناك أعضاء مُعَمَّرُونَ لم يتغيروا منذ إنشائه فيؤبَّدُونَ فيه حتى يتوفاهم الموتُ ؛ فتجديدُ الرأس لا يكفي وحدَه للبعث والحياة. 
وبعدُ، فالمجمع من مفاخر الأمة، وهو معلم تنويري، يمور بحركة علمية دائبة تستحق التأمل والشكر، فقد باح مناجيا الملأ من حوله : نعم أنا لغتي وهويتي الأولى، أسير على قلق كأن الريح تحتي.