Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Nov-2020

الفنون والأدب

 القدس العربي-إبراهيم عبد المجيد

أصدر الباحث والأديب عمار علي حسن ديوانا من الشعر بعنوان «لا أرى جسدي». وعمار علي حسن باحث في الفكر الإسلامي، وكاتب للرواية والقصة القصيرة وفي الشأن العام من إعلام وثقافة وتراث اجتماعي ونقد أدبي أيضا. قال عن ديوانه الجديد إنه كتبه في بداية مشواره الأدبي، الذي انتقل بعده إلى القصة القصيرة والرواية والبحث في العلوم السياسية، كأنه يتساءل هل ستقبل الحركة النقدية شعره؟
أثار إصداره للديوان عندي سؤالا ضائعا في حياتنا الثقافية في مصر بالذات، وهو تصنيف الكتّاب، هل هو روائي.. كاتب قصة قصيرة.. كاتب مسرح.. ناقد؟ وهو تصنيف أبديت اندهاشي منه في سن مبكرة في شبابي الأول في سنوات السبعينيات، إذ كنت أرى الكتّاب في الخارج يكتبون في كل مجال يحبون أن يكتبوا فيه، ويبدعون في كل مجال يحبون أن يبدعوا فيه، ولا يكون القرار سلفا في الحكم على أعمالهم. فنجيب محفوظ الروائي، كان يُنظر إلى قصصه القصيرة على أنها ليست بأهمية رواياته، والسبب أن إنتاجه من الرواية أكثر غزارة، بينما بالبحث النقدي تجد أن كثيرا من قصصه القصيرة ذات رؤى فلسفية عميقة موجزة، استطاع أن يوجزها ببراعة في قصص قصيرة. وأنه على الناقد حين يبحث في القصة القصيرة أن يبحث عنها من خلال تاريخ وواقع القصة القصيرة حوله، وليس من خلال كتابات الكاتب في مجال آخر.
لم يلفت نجيب محفوظ النظر إلى قصصه القصيرة بقوة إلا حين كتب قصة «تحت المظلة» في أواخر الستينيات، وكانت حركة التجديد في كتابة القصة القصيرة رائجة، وقيل إنه زمن القصة القصيرة. كانت «تحت المظلة» أشبه بقذيفة أشعلت الدنيا حول هذه الكتابة الجديدة، حتى إن البعض قال على استحياء إن هذه القصة كانت الباب الذي انطلق منه كتاب الستينيات في تجديد شكل القصة القصيرة، لكن سرعان ما عاد كل شيء إلى ما كان عليه، وهو أنه الروائي فقط، وعاد النظر إلى القصة القصيرة باعتبارها عملا استثنائيا.
الأمر نفسه حدث مع يوسف إدريس فصار كاتب القصة القصيرة الكبير، بينما هو كاتب المسرح العظيم أيضا، وتم النظر إلى رواياته القليلة باعتبارها أقل قيمة من قصصه القصيرة، بينما هي لا تقل قيمة إذا ابتعدنا عن المقارنة مع القصة القصيرة، وبالذات في روايات قصيرة مثل «السيدة فيينا» أو «الحرام» أو «البيضاء» أو «رجال وثيران». لا أريد أن أقول إن هذا التصنيف لا يحدث في العالم بسوء نية، لكن يحدث بسبب غزارة الإنتاج في مجال واحد. وأن مسألة تصنيف الكتاب على ضوء فن واحد أمر فيه عسف. وحتي حين نقول عن صلاح عبد الصبور الشاعر، فلا ننسي كتاباته المسرحية مثل «الأميرة تنتظر» و»مأساة الحلاج» و»بعد أن يموت الملك» و»ليلى والمجنون» وغيرها، ويجب أن لا يقتصر القول عن الشاعر، على شعره، أو ينفي ذلك مسرحياته. الحقيقة أن مسألة التصنيف حسب نوع المنتج هذه لم تكن موجودة في مصر حتي الستينيات. فطه حسين هو الكاتب طه حسين، رغم أنه مترجم وكاتب رواية وتاريخ ودراسات اسلامية وغيرها. العقاد هو الكاتب عباس العقاد، رغم ما قدمه من شعر ودراسات. لا أعرف لماذا بدأ هذا التصنيف يترسخ منذ الستينيات.
 
لم يلفت نجيب محفوظ النظر إلى قصصه القصيرة بقوة إلا حين كتب قصة «تحت المظلة» في أواخر الستينيات، وكانت حركة التجديد في كتابة القصة القصيرة رائجة، وقيل إنه زمن القصة القصيرة.
 
لا أحب أن أكون سيئ النية، وأقول إن فيه خضوعا لما جرى من محاولة جرّ البلاد لتكون على فكر واحد هو فكر الزعيم، فصار عندنا التصنيف تجليا لهيراركية الحكم نفسه بعد 1952، ووأد الحركة الليبرالية بإنهاء الأحزاب، ثم التخلص من الأجانب تحت اسم تمصير، ثم تأميم الاقتصاد، بينما الجانب الخفي أن الأجانب كانوا مثلا يُحتذى للمصريين في حرية الفكر وحرية الحياة نفسها في كل تجلياتها، من ملبس ومأكل وسلوك وغير ذلك. في سنوات السبعينيات وقعت على كتاب عنوانه «ازدواجية الرؤية ـ العبقرية والتنقل بين الفنون» لوالتر سوريل.
The Duality of Vision
Genius and Versatility in the Arts.
وهو كاتب نمساوي ولد في النمساعام 1905 ثم فرّ مع صعود النازية إلى أمريكا وأكمل دراساته هناك، وتوفي عام 1997. كان مهتما بالرقص وعلم الجمال وله في ذلك مؤلفات كثيرة، فضلا عن عمله صحافيا في متابعة الرقص والباليه، ومن كتبه «الرقص في كل العصور» وكان شاعرا ومقدم برامج في إذاعة «صوت أمريكا» وكاتبا مسرحيا وكتب الرواية ومترجما من الأدب الألماني لإريك ماريا ريمارك وهيرمان هيسة، وبدا في السبعينيات من عمره يبدع في الفن التشكيلي وكان يكتب بالإنكليزية والألمانية. في الوقت نفسه كنت أعرف أن من بين كتاب العالم من كتبوا سيناريوهات للسينما إلى جوار كتاباتهم القصصية والمسرحية وغيرها. وجدت في هذا الكتاب كنزا من الأسماء التي أبدعت في أكثر من مجال. في ذلك الوقت كان الكتاب الجدد في مصر يرفعون شعار وحدة الفنون، الذي كانت تجلياته في صورة أن يكون للكاتب ذائقة سينمائية وموسيقية وتشكيلية، وطبعا فكرية في الأساس، وإن لم يمارس أكثرنا فنونا أخرى. شاعت مقولات كاتب قصة قصيرة وروائي ومسرحي رغم أن كلمة كاتب تكفي بدلا من هذا التصنيف، وحين نظرت حولي في مصر وجدت كتابا استطاعوا أن يفوزوا بكلمة كاتب فقط مثل، صبري موسى الذي عمل في الصحافة طبعا وكتب الرواية وكتب سيناريوهات مهمة جدا للسينما على رأسها «البوسطجي» عن رواية قصيرة ليحيى حقي. كذلك سليمان فياض الذي كتب الراوية والقصة القصيرة وكتبا رائعة للفتيان. في كتاب والتر سوريل هذا تكتشف كنزا من الكتّاب الذين أبدعوا في مجالات أخرى. ففيكتورهوغو كاتب الرواية والمسرح الرومانتيكي كان يرسم لوحات فنية. وكثير من الفنانين التشكيليين كتبوا في النقد والتاريخ، بل لبيكاسو مسرحية، وايزادورا دانكان الراقصة الأمريكية الشهيرة في عشرينيات القرن الماضي تركت أثرا أدبيا رفيعا هو مذكراتها، بل تمد الحبل على الغارب كما يقال فتجد، تشرشل فاز بنوبل في الآداب عن مذكراته وكتاباته عن الحرب العالمية الثانية، وهو المحارب والسياسي الكبير. الأمثلة كثيرة في الغرب وفي الشرق أيضا، لكن الشرق المتوسط والعالم العربي طبعا غائبان عن المؤلف النمساوي الأصل، الذي لم يكن مستشرقا. كتابه فقط أعاد إحياء السؤال لماذا يكون لدينا تصنيف يبدو حاسما فتكون النتيجة إهمال جانب آخر من الكاتب، قد تكون له الأهمية نفسها، أو يستحق البحث فيه منفصلا عن اهتمام الكاتب الأكبر نفسه في مجال آخر، بل يكون البحث في إطار تاريخ وواقع هذا النوع الأدبي، الذي يراه البعض استثنائيا لغلبة النوع الآخر على الكاتب.
في النهاية الإنتاج الأدبي سيصبح سلعة من حق كل شخص أن يقول فيها رأيه بعيدا عن الانطلاق من الفكرة الموجودة سلفا كونه روائيا أو باحثا في التاريخ أو ناقدا، بل ربما يتم النظر إلى هذا النوع الآخر من الممارسة في إطار تأثره بكتابات الكاتب الأخرى الأشـــهر، وهل تركت أثرها فيه، فطالت القصة القصيرة عما يجــــب، أو تسللت إلى روايته أفكاره كباحث أو ناقد بشكل فيه مباشرة أكثر مما فيه من فن، وهكذا مما يفيد كثيرا جدا الحياة النقدية حولنا.
 
٭ روائي مصري