Saturday 27th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    05-Feb-2023

من مشاعر الدهشة إلى الفزع: 90 ثانية حتى منتصف الليل‏

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

‏‏إيفاغيلوس فالياناتوس‏ – (كاونتربنش) 30/1/2023
أصول النظرية الذرية‏
الحياة الخطرة للذرة ونواتها هي ظاهرة حديثة. وقد اخترع الإغريق القدماء الذرة وطوروا نظرية عنها. من أفكار الفلاسفة الطبيعيين مثل طاليس، وأناكسيماندر، وفيثاغورس، وبارمينيدس، وإمبيدوكليس، وأناكساغوراس، ظهرت النظرية الذرية في النصف الثاني من القرن الخامس قبل الميلاد. وكان هذا أحد أكثر التطورات العلمية إثارة في كل العصور.‏
‏منح ليوكيبوس وديموقريطوس من أبديرا، المدينة/ الدولة في تراقيا في شمال اليونان، الولادة لأول نموذج علمي للوحدة الأساسية للكون: الذرة. وبقيت نحو ثلاثمائة قطعة فقط من عمل ديموقريطوس، واثنتان من عمل ليوكيبوس. وكان قد لخص معظم ما نعرفه عن نظرياتهما إلى حد كبير أرسطو وغيره من المعلقين القدامى على العلوم اليونانية.‏
‏وفقا لأرسطو، اخترق ديموقريطوس وليوكيبوس نسيج الوجود نفسه على عكس أي فلاسفة طبيعيين قبلهما. وقد اكتشفا أن المادة تتكون من ذرات، جزيئات غير مرئية لا يمكن تقسيمها. وأوضحا أن الذرات تأتي إلى الوجود وتزول منه بسبب التغييرات في مجموعاتها ومواقعها. وبما أن “الحقيقة تكمن في المظهر، والمظاهر متضاربة وغير محدودة”، كما يقول أرسطو، فقد “جعل ديموقريطوس وليوكيبوس الذرات غير محدودة في العدد”.‏
‏يُظهر أرسطو إعجابه بليوبيكوس وديموقريطوس لجرأة تكهناتهما، التي تقول في جوهرها أنه لا يوجد شيء سوى الذرات والفراغ. وقد أشارا، ضمنا إلى أن مفتاح الكون وبنية المادة لهما مكونان أساسيان: الذرات والفراغ، وكلاهما أبدي: يتحرك عدد لا حصر له من الذرات غير المرئية وغير القابلة للاختراق وغير القابلة للتجزئة في فراغ لا نهائي، خالقة ومدمرة عوالم لا حصر لها. وهذه الذرات مختلفة في الحجم والشكل مع خصائص هندسية. وعندما تجتمع معا، فإنها تشكل المادة وتؤذن بالتغيير.‏
كان الإغريق القدماء يعتدون بديمقريطس. كان “مجد” وطنه، أبديرا. وكان موسوعيا، وفيلسوفا وعالما حفر عميقا في أسرار وقوانين العالم الطبيعي والكون. وعلى الرغم من إنجازاته وحكمته، كما تقول التقاليد، فقد ضحك من هشاشة الحياة. وقال إن الوقت يلف ويبتلع كل شيء.‏
‏للحصول على لمحة أخرى عن العالم الذري لديموقطريطس، يذهب المرء إلى أبيقور. وقد وصل أبيقور إلى أثينا في العام 306 قبل الميلاد قادما من جزيرة ساموس في بحر إيجة. وطور فلسفته “غير السياسية” الخاصة القائمة على جعل الفرد غير مرئي وغير ملحوظ للسلطات. ولم يكن يجد أي قناعة مُرضية في الآلهة اليونانية، لكنه لم يبشر ضدها.‏
بدلا من ذلك، قبل النظرية الذرية لديموقريطوس واستخدمها لشرح العالم. كان لوكريتيوس، الشاعر الروماني في القرن الأول قبل الميلاد، مفتونا جدا بإبيقور وأفكاره، وخاصة الجزء الأساسي من تعاليمه عن الذرات والفراغ، وكتب كتابا كاملا، “‏‏عن طبيعة الكون”‏‏، يخلد عمل ديموقريطوس وأبيقور. لكن بطل لوكريتيوس كان أبيقور. وقال إن عبقرية أبيقور “تفوقت في الإشراق على عرق الرجال وجعلتهم يخفتون جميعا، كما تخفت النجوم بشروق الشمس النارية”.‏
كما أشاد ديوجين لايرتيوس بالنظرية الذرية لديموقريطوس. وألف كتاباته في منتصف القرن الثالث، بعد 700 عام من أرسطو و800 عام بعد ديموقريطوس. وتمكن لايرتيوس من الوصول إلى كتابات كل من ديموقريطوس وأرسطو. وفي كتابه، ‏”‏حياة الفلاسفة البارزين”‏‏، لخص أفكار ديموقريطوس على النحو التالي:‏
“المبادئ الأولى للكون هي الذرات والفضاء الفارغ -كل شيء آخر يُعتقد بأنه موجود فقط. العوالم غير محدودة؛ تأتي إلى حيز الوجود ثم، في الوقت المناسب، تهلك. لا شيء يمكن أن يأتي إلى حيز الوجود من لا شيء. الذرات غير محدودة في الحجم والعدد. إنها موجودة في الكون كله في دوامة، مما يؤدي إلى ظهور جميع الأشياء المركبة –النار، والماء، والهواء والتراب. هذه الأشياء المركبة هي تكتلات من الذرات. وهو بسبب طبيعتها الدائمة أن هذه الذرات غير قابلة للتغيير. وقد صُنعت الشمس والقمر من كتل ذرية ناعمة وكروية. ويمكن قول الشيء نفسه عن الروح، التي هي مطابقة للعقل”.‏
وفقا للايرتيوس، اعتقد ديموقريطوس أننا نرى بفضل تأثير الصور على أعيننا. كل الأشياء تحدث بحكم الفعل أو ‏‏الضرورة‏‏، حيث الدوامة هي سبب خلق كل الأشياء. نهاية كل فعل هي ‏‏الهدوء‏‏، وهي حالة تستمر فيها الروح هادئة وقوية، من دون إزعاج من أي خوف أو خرافة أو أي عاطفة أخرى. “صفات الأشياء توجد فقط عن طريق الاتفاقية. لا يوجد شيء سوى الذرات والفضاء الفارغ في الطبيعة”.‏
‏يظل المنهج النظري الذري مساهمة فريدة للفكر اليوناني، حيث عمل بمثابة الحافز لتطوير النظرية الذرية والفيزياء الحديثة. من دون فوائد الأدوات المتطورة، نظر علماء الذرة إلى المادة والكون، وكشفوا عن الأسرار الأعمق للكيفية التي يعمل بها الكون.‏
‏ثمة شعور بالدهشة يتخلل عمل الفلاسفة الطبيعيين العظماء في اليونان القديمة. لقد جعلهم التحديق في السماء أقرب إلى فهم قوى الكون. ومن خلال تفسير تقاليدهم الأسطورية وملاحظاتهم المنطقية والعلمية، سعوا إلى الحصول على إجابات للأسئلة الأساسية للكون.‏
‏ذرات الحرب‏
قدح هذا التقليد اليوناني الزناد لنمو الفيزياء الذرية الحديثة. ولسوء الحظ، حولت الحرب العالمية الثانية عقول علماء الفيزياء الذرية إلى الحرب. وكانت النتيجة ظهور الأسلحة الذرية والنووية، إحداها أقوى بكثير من الأخرى. وبمجرد أن أباد الأميركيون هيروشيما وناغازاكي في العام 1946 بقنابلهم الذرية، اختفت النظرية الذرية لليونانيين إلى الأبد. الآن أصبحت الذرات محفزات لقوة قاتلة هائلة لإرهاب البشر والكوكب.‏
كانت البصمة الأولى القاتلة للأسلحة الذرية/ النووية الجديدة كامنة في صنعها نفسه. إن تعدين اليورانيوم، وتركيز جزيئات اليورانيوم في كرة، واستخدام المتفجرات لإشعال القنبلة، واختبار تلك الأسلحة القوية، دمرت البيئة وأصابت الناس بالمرض. أرض بناء القنابل، والفيزيائيون والمهندسون والعمال الذين يصنعون الأسلحة الذرية/ النووية لن ينسوها أبدا. كان من المحتم أن يستمر الإرث السام إلى الأبد.‏
‏لقد امتد هذا الإرث السام إلى الحرب الباردة والحروب الساخنة التي ما تزال مستمرة حتى يومنا هذا. وقد أصبحت، هي أيضا، حروبا إلى الأبد، خاصة من قبل الولايات المتحدة التي بدأت لعبة النسيان هذه. كان وهم القوة، والأسوأ من ذلك، غطرسة القوة العظمى، هو الذي شكل أميركا بعد الحرب العالمية الثانية. وقد اشترى الرؤساء الأميركيون، والطبقات العسكرية والصناعية والأكاديمية والدينية ورجال الأعمال، دعاية صناعة الذخائر القائلة بأن البلاد في حاجة إلى الأسلحة الذرية/ النووية وجيش ضخم للدفاع عن نفسها ضد إشعاع الشيوعية المنبعث من الاتحاد السوفياتي (روسيا). وبخلاف ذلك، كما حذرت جماعات الضغط في صناعة الأسلحة، فإن الأوليغارشية الأميركية سيتم التغلب عليها.‏
الحرب في أوكرانيا، اختبار للبقاء‏
‏جعلت أكاذيب مصنعي الأسلحة من أميركا إمبراطورية للأسلحة والحروب. ومع ذلك، يمكن أن تكون الحرب الأخيرة نهائية. هذه حرب بدأها غزو روسيا لأوكرانيا في المقام الأول لأن أوكرانيا كانت مستعدة للانضمام إلى تحالف الناتو المناهض لروسيا والذي تديره الولايات المتحدة. وكانت روسيا تحذر أميركا والأوروبيين (الناتو) من مغبة العمل على تطويقها. لكن حكومة أوكرانية فاسدة وقيادة أميركية لحلف الناتو مثقلة بالغطرسة، تجاهلتا روسيا إلى أن قامت روسيا بغزو أوكرانيا في شباط (فبراير) 2022.‏
‏احتضن الرئيس الديمقراطي جو بايدن الحرب في أوكرانيا، وقام بإنفاق المليارات وسلح أوكرانيا بأحدث الأسلحة الأميركية والأوروبية. لكن بايدن وجنرالاته وقادة الكونغرس يعرفون، أو يجب أن يعرفوا، أن الحرب التي يمولونها ويخوضونها بشكل غير مباشر في أوكرانيا هي حرب ضد روسيا مسلحة نوويا. ولم يسبق أن اقتربت الدول المسلحة نوويا من قتال بعضها البعض، حتى بالأسلحة التقليدية. لم يحدث من قبل أن دعا أحد الأعداء المسلحين نوويا، في حالة الولايات المتحدة، علنا إلى إلحاق الهزيمة بعدوها، روسيا المسلحة نوويا.‏
ليس من المفيد تخمين سبب تهور بايدن مع حضارة وسلامة أميركا وأوروبا والعالم. إن القول بأنه يريد هزيمة روسيا هو شأن استفزازي للغاية، بل إنه يتحدى روسيا للتجرؤ على استخدام أسلحتها النووية.‏
‏هذه القفزة إلى الهمجية أخافت العالم. وها هو الأمين العام للأمم المتحدة ‏‏أنطونيو غوتيريس‏‏ يشرح هذه الحقبة من الفوضى وقنابل يوم القيامة. في 1 آب (أغسطس) 2022، خاطب في نيويورك مؤتمر عدم انتشار الأسلحة النووية. وحذر العالم من الخيوم المحتشدة لـ”خطر نووي لم يشهده منذ ذروة الحرب الباردة”.‏
وكانت أوكرانيا في ذهن غوتيريس. لكنه أوضح أن الحرب في أوكرانيا بين دولتين مسلحتين نوويا لم تأت من لا شيء. وندد بالترسانات الضخمة لبعض البلدان، على الرغم من أنه كان سريعا إلى الإشارة إلى أن هناك “مناطق بأكملها تعلن نفسها خالية من الأسلحة النووية”. وحذر من أن الحظ أنقذ العالم من “خطأ انتحاري ينتج صراعا نوويا”.
“ولكن مع مرور السنين، فإن ثمار الأمل هذه تذوي. إن البشرية معرضة لخطر نسيان الدروس التي تشكلت من الحرائق المرعبة في هيروشيما وناغازاكي. التوترات الجيوسياسية تصل إلى مستويات قياسية جديدة. والمنافسة تتفوق على التعاون والتآزر. وقد حل انعدام الثقة محل الحوار وحل الانقسام محل نزع السلاح. وتسعى الدول إلى الحصول على أمن زائف عن طريق تكديس وإنفاق مئات البلايين من الدولارات على أسلحة يوم القيامة التي لا مكان لها على كوكبنا. ويتم الآن الاحتفاظ بحوالي 13.000 سلاح نووي في ترسانات منتشرة في جميع أنحاء العالم. كل هذا في وقت تتزايد فيه مخاطر الانتشار النووي وتضعف حواجز منع التصعيد. وعندما تكون الأزمات -ذات النغمات النووية- متقيحة. من الشرق الأوسط وشبه الجزيرة الكورية. إلى غزو أوكرانيا من قبل روسيا، والعديد من العوامل الأخرى في جميع أنحاء العالم. الغيوم التي افترقت بعد نهاية الحرب الباردة تتجمع مرة أخرى. لقد كنا محظوظين للغاية حتى الآن. لكن الحظ ليس استراتيجية. كما أنه ليس درعًا يقي من التوترات الجيوسياسية التي قد تغلي لتتحول إلى صراع نووي”.‏
‏مع وجود أوكرانيا في ذهنه، كان غوتيريس حازما في التأكيد. وقال: “اليوم، الإنسانية على بُعد مجرد سوء فهم واحد؛ سوء تقدير واحد عن الإبادة النووية”.‏
‏صحيح أن أصابع بايدن وبوتين تقترب من الإبادة النووية. وحتى ‏‏ساعة يوم القيامة‏‏ لنشرة علماء الذرة تم ضبطها على بعد 90 ثانية فقط حتى منتصف الليل. وتم ذلك في 24 كانون الثاني (يناير) 2023. وكانت ماري روبنسون ضيفة دولية في حفل تغيير ساعة يوم القيامة إلى 90 ثانية إلى منتصف الليل. وهي رئيسة حكماء نشرة علماء الذرة. وهي مفوضة الأمم المتحدة السامية السابقة لحقوق الإنسان. وقالت:‏
‏”إن ساعة يوم القيامة تدق ناقوس الخطر للبشرية جمعاء. نحن على حافة الهاوية. لكن قادتنا لا يتصرفون بسرعة أو نطاق كافيين لتأمين كوكب مسالم وصالح للعيش. من خفض انبعاثات الكربون إلى تعزيز معاهدات الحد من الأسلحة والاستثمار في التأهب للأوبئة، نحن نعرف ما يجب القيام به. العلم واضح، لكن الإرادة السياسية غير متوفرة. يجب أن يتغير هذا في العام 2023 إذا أردنا تجنب الكارثة”.‏
وقد ‏ندد ضيوف آخرون في حفل ساعة يوم القيامة بروسيا، لكنهم لم يقولوا أي شيء عن تمويل أميركا للحرب في أوكرانيا التي يمكن أن تنفجر في أي وقت لتنشب حرب يوم القيامة. وهذا أمر مثير للقلق. بعد كل شيء، لا ينبغي لعلماء ساعة يوم القيامة هؤلاء أن يسمحوا للمشاعر القومية الضيقة بإرباكهم بشأن الأرضية الأخلاقية العالية التي يتبنونها لإلغاء ما صنعته أيديهم، الأسلحة النووية. إن الانحياز إلى أحد الجانبين يقلل من مكانتهم، ومن أهمية ساعة يوم القيامة الأيقونية.‏
 
*إيفاغيلوس فالياناتوس ‏Evaggelos Vallianatos: مؤرخ واستراتيجي بيئي، عمل في “وكالة حماية البيئة الأميركية” لمدة 25 عامًا. وهو مؤلف لسبعة كتب، بما في ذلك أحدث كتاب، “‏‏آلية أنتيكيثيرا” The Antikythera Mechanism‏‏. ‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان: From a Sense of Wonder to Dread: 90 Seconds to Midnight