Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    21-Jul-2018

قراءة في "مذكرات حسن الكرمي" - يوسف عبداالله محمود

 

الراي - قراءة في بين يدي"مذكرات حسن الكرمي"التي اصدرها منتدى الفكرالعربي بعمان 2015 .قرأتها أكثر من مرة. متأملاً، تستغرقني مفرداتها التي تغوص في أعماق الحياة والثقافة العربية. لمذكراته نكهة وطعم خاص، مايستحق النقد في الثقافة العربية والاسلامية ينقده هذا العلامة بصراحة تامة، لايجامل في الحق، لأن المجاملة قد تخفي ثغرات في حياتنا لا يجوز ان نواريها!
كلام حسن الكرمي في الثقافة العربية والاسلامية أُسمّيه"كلام في العضل"لأنه يفضح واقعاً عربياً نعيشه دون ان نجرؤ على نقده نقداً علمياً وموضوعياً.
لا أريد هنا ان اتحدث او اتتبع حياته الشخصية كما وردت في المذكرات، ولكنني اود إبراز قراءته لما يشوب تراثنا العربي من"عوار"يُحجم دارسوه عن تخليصه منه. لايريدون ان يتحملوا شيئاً من المشقة وهم يعيدون قراءته ومن ثم تقديمه للقراء بلغة مأنوسة وشروحات ضافية تصف الحياة الاجتماعية والسياسية التي سادت عصور هذا التراث! انتقد حسن الكرمي افتقار المؤرخين العرب وعلماء الدين المسلمين على العموم الى"صفة عقلية يقال لها"التجريد"(الكتاب ص 7.( هذه "نقيصة" في البحث لم يسلم منها غالبية المؤرخين المسلمين حتى أيامنا هذه.
استيعاب مفهوم"التجريد"لم يتقنوه، محاكمة "الظاهرة"التي يشيرون اليها مجرد اشارة عابرة لا تتم وفق رؤية عقلية وتفكير صحيح.
يضرب مثلاً على ذلك يؤيد ما اورده في هذا الصدد،"لقد وقع على مجهود بذل في احد البلاد الاسلامية لوضع التعليم على اسس اسلامية، ولم اجد في هذا البحث ذكراً بالتحديد ما هي تلك الاسس الاسلامية التي يجب ان يُبنى التعليم عليها". ص 117 وبالمناسبة، هذه"النقيصة"نلقاها حتى في أدبيات أحزابنا السياسية العربية بصورة عامة لا نعثر فيها على برامج محددة تُقنع من يطالعها، تعوزها"الأُسس"والمفردات العلمية.
وفي كلام خطير آخر يقول حسن الكرمي"لا يوجد في جميع ما ألفه العرب تاريخ اجتماعي يتحدث عن تطورات المجتمع وظروفه في أي عصر من العصور"ص 120.
"التاريخ الاجتماعي"اهمله المؤرخون والعلماء العرب لأنه يقتضي"صفة عقلية"لاتجامل او تخشى العواقب! وتلك غير متوفرة.
وكما يقول هذا العلامة إن من اسباب ذلك ايضاً"عدم اتفاق هؤلاء المؤرخين والعلماء على المبادئ الفكرية العامة التي تنطبق على كل حاله. مثال ذلك المعادلة الرياضية العامة التي يمكن ان تنطبق عليها أي حالة".ص 121 انتقد الكرمي الطريقة التقليدية التي يتم من خلالها"إحياء التراث العربي والاسلامي".
فهو يرى ضرورة ان يتم ذلك "على اساس صحيح وذلك بنشر كتب مبسطة تكون مداخل لفهم نواحي النشاط الفكري العربي والاسلامي في العصور المختلفة".ص 106 إن احياء التراث ينبغي الا يتم فقط من خلال الاكتفاء بشرح بعض المفردات التي لا تقدم للقارىء تراثاً سائغاً يحسن فهمه واستيعابه من ناحية اخرى انتقد الكرمي اللغة الغامضة والمهلهلة التي تتم بها ترجمات عربية كثيرة لا يحسن مترجموها فهم التي يترجمون عنها.
في مذكراته يشير العلامة الكرمي"الى ان الدين الاسلامي اقل حظاً في طريقة عرضه على العالم ووجدت ان ذلك يعود الى تقصير المسلمين انفسهم وما كتبه علماء المسلمين عن الاسلام لا يرتقي الى المستوى العلمي لا من حيث المضمون ولا من حيث الاسلوب"ص 116
هذا"المستوى العلمي"الذي يشير اليه صاحب المذكرات ما زلنا كعرب ومسملين عاجزين عن بلوغه. ينسى معظم هؤلاء المؤرخين والعلماء المسلمين التقليديين القدماء والمعاصرين ان الاسلام"كان ديناً ودنيا، وأول دين اعترف بالعلة والمعلول، وحاول إفهام الناس عظمة الخالق عن طريق التفكير في خلق السموات والارض"ص 117.
وهنا اتساءل: لماذا يتصدى اليوم بعض المشايخ وعلماء الدين ينطقون باسم السُلطة في بلدانهم لكل عالم اسلامي جريء ينطلق في دراسته للقرآن الكريم من"العلة والمعلول" ألم يعترف الاسلام بهذا النهج في التفكير!
وبعد، حسن الكرمي ظاهرة انسانية قد لا تتكرر، فالرجل كان راهب علم ومعرفة لا يُبارى، عبقرياً بامتياز كان.
حاول الكثيرون تقليده في برامجه الاذاعية في اذاعة لندن ال BBC وبخاصة برنامج"قول على قول"فأخفقوا.
على امتداد حياته المديدة وقبل وفاته العام 2007 ظل حسن الكرمي متوقد الذهن بينه وبين القراءة والكتابة عشق وأي عشق. واقعي النظرة كان.
أما مسقط الرأس في فلسطين فظلّ يحلم به، إنه الانتماء الذي إذا تخلىّ عنه الانسان فقد إنسانيته وهويته.
المرحوم حسن الكرمي في مذكراته –وكما تشير ابنته سهام حسن الكرمي- قدم"اعترافات وخلاصات تجاربه حول إنجازاته باسلوبه الخاص". ما انجزه هذا العلامة سيظل منارة فكرية لا يخبو نورها.