Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Sep-2021

الاقتصاد مقابل الأمن

 الغد-معاريف

 
الون بن دافيد
 
17/9/2021
 
بين القبض على السجناء الفارين وزيارة رئيس الوزراء الى مصر، عرض وزير الخارجية يئير لبيد هذا الأسبوع خطة لسياسة إسرائيلية تجاه غزة، أسماها “الاقتصاد مقابل الأمن”. يمكن الجدال في الفرضيات التي تقبع في أساس الخطة وفي فرص احتمالاتها. ولكن لا يمكن ألا نرحب بهذه التجربة الأولى منذ سنين للنظر الى غزة ليس عبر فوهة البندقية. كتب هذا المقال عشية يوم الغفران، ويحتمل أن حتى نشره سنكون في ذروة جولة قتال أخرى في القطاع. هذا بالضبط ما يرغب مشروع لبيد في إعفائنا منه. التكرار لرد الفعل الشرطي المتمثل بجولات القتال مع غزة والتي تنتهي كلها بالضبط في النقطة ذاتها: مع غزة التي تتطلب الأعمار ومن دون أمن لسكان الجنوب.
تحاول خطة لبيد أن تعرض بديلا لنظرتنا العبثية الى غزة وكأن أمام إسرائيل لا يوجد إلا بديلان: إما احتلال القطاع أو استمرار جولات القتال التي لا تنتهي. هذان البديلان سيئان. الأول يحمل معه أثمانا لا تطاق للمجتمع الإسرائيلي: في حياة الإنسان، في المال وفي الشرعية الدولية، وعدم احتمالات النجاح. من يعتقد أن إسرائيل يمكنها أن تحتل القطاع وأن تتوج هناك حكما مريحا لها -مدعو لأن ينظر مرة أخرى الى 19 سنة احتلال أميركي في أفغانستان. البديل الثاني جربناه بلا نهاية: من الرصاص المصبوب، عمود السحاب، الجرف الصامد، حارس الأسوار- الى متى سنواصل القيام بالعمل ذاته ونأمل في أن نحصل على نتيجة مختلفة؟ هذا لا يعني أن لبيد نجح في أن يرى ما لا يراه أسلافه. فالوزير السابق الوزير كاتس حاول على مدى سنوات الدفع الى الأمام بخطته لاستكمال فك الارتباط عن غزة بواسطة إقامة ميناء، وأُسكت. افيغدور ليبرمان هو الآخر، بصفته وزيرا للدفاع، حاول أن يتقدم بخطة “التجريد مقابل الإعمار” وصد.
وحتى رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، في غير قليل من محادثاتي معه، أبدى تفهما في أن المشاكل الجذرية لغزة ليست عسكرية. يمكن للجيش الإسرائيلي أن يحتل القطاع في كل يوم معين، كما يمكنه أن يقتل آلاف من رجال حماس، ولكن الجيش الإسرائيلي لا يعرف كيف يوفر لغزة الماء، الكهرباء أو العمل، وهذا ما تحتاجه غزة.
انطلاقا من هذا الفهم الذي هو نابع من ثمن الحملات العسكرية في القطاع ثبت نتنياهو آلية ضخ المال القطري الى القطاع، يكسبه الوقت بين جولات القتال. وللتوازن في الصور المحرجة لحقائب النقدي التي تدخل الى غزة اتخذ خطابا حماسيا وبعث بسلاح الجو لغارات ليلية على منشآت حماس.
الكثيرون من سكان الغلاف، وكذا من رجال الإعلام، تبنوا هذه المعادلة: حرص إسرائيل على سكان الغلاف يقاس بكمية المادة المتفجرة التي يلقيها سلاح الجو على غزة. بعد كل صاروخ يطلق من القطاع يثور السؤال: كيف سيرد الجيش الإسرائيلي وبأي قوة؟ سكان الغلاف الفهيمون تعلموا منذ الآن بأنه لا توجد أي صلة بين كمية ونوعية الأهداف التي يهاجمها الجيش الإسرائيلي وبين أمنهم الشخصي.
الخطة التي عرضها لبيد، وكانت ليست جديدة، تسعى لقطع مؤامرة الصمت هذه. 2.2 مليون من سكان القطاع لن يصبحوا صهاينة ولن يحبونا أبدا، ولكن اذا كانت كان الإمكانية لأن يعيشوا بكرامة، فإنهم سيرسمون لقيادتهم طريقا آخر. عدو ليس له ماء، كهرباء أو عمل -سيواصل الصدام، إذ ليس له ما يخسره.
مسألة ثمن
العائق الأول، وربما غير القابل للاختراق الذي تصطدم به خطة لبيد هو الاشتراط الذي قررته حكومة بينيت للأعمار مقابل الأسرى والمفقودين. هذا مبدأ نبيل نظرا، ولكن في الممارسة هذا عائق سيمنع الآن كل تقدم تجاه غزة إلا إذا كان رئيس الوزراء بينيت ناضجا لأن يحرر الآن مئات المساجين مقابل جثتي جنديي الجيش الإسرائيلي والمواطنين المحتجزين في غزة. بأقل من هذا لن تكون صفقة، وحسب فهمي، فإنه ليس ناضجا.
وعليه، فإن على حكومة إسرائيل أن تسأل نفسها أسئلة عسيرة عدة على الحمل: هل إعادة جثماني الجنديين مهمة وعاجلة أكثر من المحاولة لتحقيق الأمن لسكان الجنوب؟ ما الثمن الذي يجدر دفعه لقاء جثماني الجنديين ولقاء الحيين اللذين اجتازا الحدود بلا عقل راجح؟ وهل كل صفقة مع حماس يجب أن تكون شاملة أم أنه يمكن إعادة الحياة بثمن أقل نسبيا وعندها خوض المفاوضات على الأموات، الأمر الذي تفهم حماس هي الأخرى أن ثمنهم أعلى؟
خطة لبيد تفترض أن الوعد بالتحسين الاقتصادي سيدق إسفينا بين حماس وسكان غزة، يمكن أن تدخل اليه السلطة الفلسطينية. ليس مؤكدا أنه ما يزال للسلطة حق وجود في المجتمع الغزي الذي نمت حماس من داخله، ولكن لبيد يحاول ما يفهمه الجميع ولا يتجرأون على قوله. لأول مرة منذ سنين تلوح إسرائيل بالجزرة أمام غزة وليس فقط بالعصا. العصا نحن نستخدمها في كل أسبوع، حان الوقت لتجربة الجزرة أيضا. حتى لو لم يزوغ بصر حماس من الاقتراح -فإنه سيمنحنا شرعية دولية.
في هذه الأيام يستعد الجيش الإسرائيلي لاستئناف القتال ضد غزة، والكابينت هو الآخر أقر له منذ الآن أيام القتال التالية. خططه ناجعة وسريعة أكثر بكثير مما رأيناه في الجرف الصامد. ولكن مثلما لكل عملية عسكرية -لهذه الخطط يوجد ثمن: بحياة الإنسان وبحياة العائلات التي تتحطم.
الجيش الإسرائيلي هو المطرقة الأفضل التي توجد لنا، ولكن ليست كل مشكلة هي مسمار، والمطرقة غير مجدية عندما تكون المشكلة هي برغي. غزة هي مصدر قلق، ولكنها ليست تهديدا وجوديا. في عشرة أيام حارس الأسوار أطلق على إسرائيل أكثر من 4 آلاف صاروخ. العدد نفسه تقريبا الذي أطلق علينا في 50 يوما من الجرف الصامد. إسرائيل ستصمد في الجولة التالية أيضا، وإذا ما تطلب منها الأمر -ففي جولات كثيرة أخرى تجاه غزة. السؤال هو كم جولة أخرى سنضطر اليها الى أن نجرب طريقا آخر.