Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Jan-2020

المهيمِنُ الذي لا غنى عنه..؟!*علاء الدين أبو زينة

 الغد

قرأت في نهاية الأسبوع أكثر من مقال في أماكن متفرقة، تتقاسم ثيمة واحدة تقريباً: أن نفوذ المهيمن الأميركي في العالم في تراجع. واستشهد المؤلفون بالفعل ورد الفعل الأميركي في مسألة قاسم سليماني والعلاقة مع إيران. وهذه المقالات جزء من سياق طويل نسبياً من جدل المنظّرين حول الأدوار المتغيرة للولايات المتحدة وعلاقتها بما يدعى “النظام العالمي”. ومن الواضح من هذا الربط المُجمع عليه بين الولايات المتحدة والنظام العالمي أن السلوك الأميركي بالتحديد هو الذي عرَّف إلى حد كبير نوعية العالَم الذي نعيش فيه الآن منذ الحرب العالمية الثانية –أو ربما منذ انتهاء الحرب الباردة والاستفراد الأميركي بالهيمنة العالمية.
لعل من أهم مُخرجات هذا السلوك هو الارتباك السائد في النظرة العالمية إلى الولايات المتحدة نفسها، والمنطوي على تناقض بنيوي. ففي حين أن هناك انتقاداً لاستغلال الهيمنة على النظام العالمي لتحقيق المصلحة الأميركية على حساب مصالح الآخرين، فإن هناك مطالبات أيضاً بألا تتخلى الولايات المتحدة عن دورها العالمي، على أساس أن انسحابها سيترك فراغات يغلب أن تحكمها الفوضى أو جهات يفترض أن تكون شريرة بالضرورة.
يكتب ريتشارد ويك، مدير أبحاث الاتجاهات والمواقف العالمية في مركز “بيو”: “عندما بلغت معاداة الأميركانية أعلى مستوياتها خلال إدارة بوش، كان يُنظر إلى الولايات المتحدة كقوة عظمى غير خاضعة للضبط والمساءلة، والتي تتابع مصالحها من جانب واحد، غير مقيدة بالمعايير والمؤسسات الدولية التي كانت قد لعبت هي نفسها دورًا رئيسا في بنائها”. ثم يضيف: “ويعتقد الكثير من الناس في جميع أنحاء العالم أنهم يشهدون انسحابًا أميركيًا بقيادة ترامب من لعب دور نشط في الشؤون العالمية –وهم لا يحبون ذلك”.
إن “دور أميركا النشط في شؤون العالمية” الذي لا يحب الناس رؤيته يتراجع، هو بالتحديد التصرف غير المنضبط والمتجاهِل للمؤسسات والمعايير الدولية. فما الذي يريدُ الناس بالضبط؟ هل للمسألة علاقة بالاعتياد، على اعتبار أنه ما تعرفه أفضل من المجهول؟ كان بعض المسحورين بالحضارة الغربية قد دافعوا ذات مرة عن الاستعمار، على اعتبار أن خروجه من بلدانهم تركها يتيمة، وحرمها من “التطور” الذي جلبه الفاتحون. وكذلك، ربما يفضل الناس –ونحن في مقدمتهم- الفوضى المعتادة التي أسستها أميركا أصلاً في بلادنا، على “الفوضى” العشوائية التي ربما تنشأ عن انسحابها.
يكتب سايمون جينكينز في صحيفة “الغارديان” البريطانية: “لم يكن للإمبراطورية البريطانية الحق -ولا الحاجة إلى غزو الأجزاء القصية من آسيا وأفريقيا. وقد هزمتها تلك الأنحاء. وقد ادَّعت الولايات المتحدة لنفسها الحق في التدخل في مسارح متنوعة، مثل أميركا الجنوبية والشرق الأقصى وشرق أفريقيا ومجموعة من الدول الإسلامية. ويتفاوت التبرير، من الانتقام والردع إلى “الدفاع عن النفس” وغرس الديمقراطية”.
هذه هي الذرائع التي تتدخل بها الولايات المتحدة في كل مكان، وفي بلادنا من بينها. وفي تجلٍّ لمنتهى التناقض الناشئ عن ارتباك “النظام العالمي” الأميركي، فإن الكثير من بلداننا تستجدي التدخل الأميركي مثل “القط الذي يحب خنّاقه”: العراق يحتاج إلى وجود القوات الأميركية خوفاً من “داعش”، دول الخليج تحتاج إلى الوجود الأميركي خوفاً من إيران. ليبيا تحتاج إلى أميركا “لإعادة الاستقرار”. السودان والجزائر تحتاجان أميركا لدعم مطالب المحتجين.
وكأن أحداً لا يريد رؤية أن التدخل الأميركي لم يكن في أي مكان عاملاً إيجابياً. وللنظر فقط إلى تدخلاتها في أفغانستان، وسورية، والعراق واليمن. إنها تتدخل لتدمر مقدرات هذه البلدان وتقتل مواطنيها، ثم تنسحب منها وتتركها لتواجه الفوضى. وحيث تتدخل الولايات المتحدة، فإنها لن تتسامح مع صعود أي حكومات وطنية تسعى إلى استقلال قرارها والتحكم في مواردها وتحقيق رغبات مواطنيها وكرامتهم، لأن هذا يتعارض مبدئياً مع شروط إدامة الهيمنة الخارجية الممثلة في الولايات المتحدة.
قد تفكر أميركا –مالكةُ أدوات القوة- بأنها إذا لم تبسط نفوذها يميناً وشِمالاً فإن غيرها سيستأثر بالمناطق المتاحة للنفوذ على حساب حصتها. لكن نظام تنافس الأقوياء على إخضاع الضعفاء هو بالضبط “النظام العالمي” الذي يدافع مُنظرّون فوقيّون عن بقائه. ولا ينبغي أن نكون نحن مرتبكين أمام سؤال “النظام العالمي” والدور الأميركي. في الحقيقة، إلى حيثُ ألقت… فلن يكون أسوأ مما هو كائن.