Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Aug-2017

المستقبل العربي.. كثر اللاعبون وغاب الفاعلون - د. محمد القضاة
 
الراي - يولد العربي إنساناً مثل كل البشر، ويكتشف في مراحله العمرية أنه ليس مثل باقي البشر، وحين تقرأ تاريخ العرب الحديث منذ الاستقلال الى الان تشعر بالغثيان، لكثرة اللاعبين وغياب الفاعلين، وكأن العرب حجارة شطرنج على موائد اللئام، يحركونها وقتما شاءوا وكيفما أرادوا، وتعرف ان ثمنهم لا يتجاوز حفنة مواقف لا تغني ولا تسمن من جوع... مسكين هذا العربي المخدوع بالحضارة الغربية وديمقراطيته، والموهوم بثوراته وعروبته وقوميته! وحين تتابع يوميا سجالات الاخوة، ومواقفهم الغريبة من بعضهم بعضا، تستعجب لهول ما ترى وتسمع، وحين تتعمق المشهد ترى ما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت ولا يخطر على قلب بشر، وتعالوا لنبدأ بقراءة المشهد حين زار وزير الخارجية الامريكي عام 2001 المنطقة العربية وأعلن عن ديمقرطة المنطقة، كانت كونزاليزا رايس مندوبة الولايات المتحدة في الامم المتحدة يومذاك تتوالى تصريحاتها عن أهمية دمقرطة المنطقة والفوضى الخلاّقة، وكانت الرؤية أن تبدأ الديمقراطية بالعراق وتنتهي بالمملكة العربية السعودية، هكذا بدأ المشهد حينذاك، كان العربي يعيش احلام فروسيته وأيام تاريخه القديم، وهو لا يعرف أن الديمقراطية الغربية بمجملها لها مقاساتها وشروطها وأفقها عندهم، وقيودها وحدودها عندنا، كان العرب يظنون انهم سيحصدون ديمقراطية كاملة، ولكن الأفق الغربي تجاه العرب انهم أعراب وقبائل متناحرة ولا يستحقون الديمقراطية، ورغبة الغرب للديمقراطية العربية لا تتجاوز سواد الحبر الذي تصاغ فيه مصطلحاتها، ولذلك نشطت يومذاك المعارضة العراقية، وقدمت تقاريرها لرعاة حقوق الانسان في الغرب والولايات المتحدة! والنتيجة احتلال العراق لنشر الديمقراطية، غير أنها جاءت مرهونة بالدم والقتل والدمار والخراب، وها هو المشهد العراقي امام الجميع بكامل تفاصيله، ولا يحتاج الكتابة فيه، ويوم بدأت المقاومة العراقية طريقها تحركت العروبة في شرايين بعض العرب لزيادة رقعة المقاومة في المناطق السنية، وكان الهدف البعيد ابعادهم وعدم اشراكهم في الانتخابات لأحداث الخلل الذي دُبر في ليل من قبل أعداء العراق، وها هو العراق يجنيه اليوم من دماء ابنائه على اختلاف ألوانهم وأعراقهم، والنتيجة تأخر تعامل العرب مع العراق مما افسح المجال للتغلغل الإيراني، وانتهى المشهد عام 2014 الى الغوغاء والتطرف والقاعدة والدواعش وغيرهم، وتدمير مدن غرب العراق وشماله، وزيادة عدد المهجّرين واللاجئين العراقين العرب في كل أنحاء العالم، ولم يجن العرب لا الحرية ولا الديمقراطية ولا حتى حقوق البشر! وانما جنى الفوضى غير الخلاقة؟!
 
وجاء الربيع الدموي ممنهجا بقوى التطرّف والغطرسة وبدعم اورامريكي وكانت نتائجه كوارث لا حصر لها بفضل الفوضى غير الخلاّقة التي اخذت في طريقها احلام الصغار، ودمرت الوطن العربي كله، واختلط الحابل بالنابل، والنتائج اليوم على الارض سوريا -الدولة المكتفية والمستقلة- مدمرة ونهباً للأغراب، وشعبها بين مهجّر ومفقود وقتيل، وعصابات أكلت الأخضر واليابس حتى غدت في مهب الريح، وها هي الفوضى تأخذ طريقها بكل تفاصيل الحياة في سوريا وليبيا واليمن والمنطقة برمتها، والعربي من تيهٍ لآخر وليس له مثيل، ومشهد الفوضى لا يكتمل أمام الغرب دون زراعة بذور الفرقة من جديد، بهدف نشر مزيد من الفوضى والتناحر، والأزمة الخليجية الأخيرة واحدة من افرازات الرؤية الغربية التي تتناول الازمة بازدواجية واضحة، فضلا عن ما يحاك للاقصى من محاولات اسرائيلية مكشوفة تهدف إلى زيادة الفرقة بين الاخوة العرب ومحاولاتها سرقة الجهود الفلسطينية الأردنية وتجييرها بطريقة درامية لغيرهما، إضافة إلى رغبة اللاعبين في زيادة حجم المآسي العربية العربية تحت ذرائع لا تمت للواقع العربي بأي منطق ولغة، وها نحن أمام مشهد عربي غرائبي يعيد العرب للوراء عشرات السنين، والحبل على الجرار ولا يدري العربي كيف السبيل للخلاص من هذا الوضع المزري الذي كثر فيه اللاعبون من كل حدب وصوب ولم يعد للعرب فيه أي فعل يذكر، وترك المشهد برمته للمجهول!
 
وبعد، لقد اعتاد اللاعبون على سرقة استقرار المنطقة بكل الوسائل المتاحة أمامهم، وهم لا يراعون صديقا ولا عدوا، حتى وصلت المنطقة برمتها امام حصاد مر، والأمة في حالة فقدان الوزن لا تعرف رأسها من قدمها لكثرة تخبط النظام العربي وانعدام المسؤولية الجماعية وكثرة اللاعبين الذين يرغبون في إعادة المنطقة الى حقبة ما قبل الاستعمار وما رافقها من تخلف وضعف وغياب حقيقي لمفهوم الدولة والأمة والعروبة والإسلام، وها هي استراتيجية الخارجية الامريكية تعيد تصنيف دول المنطقة من جديد للبحث عن دول صديقة تعتمد عليها ودول ستخرج من رعايتها، والهدف عدم الاعتماد على العرب؛ لأن ثرواتهم وظروفهم السياسية وضعفعم وعدم قدرة النظام العربي برمته على اتخاذ مواقف واضحة بات مغريا لتجاوزهم والبحث عن غيرهم، وها هي المنطقة تدور في حلقة مفرغة فقدت فيها البوصلة ضرورة وجودها واتجاهاتها. وبالتالي نشطت الأفكار الهلامية والاراء المعلبة، وصارت الدول الواثقة من نفسها عالة على المتنطعين الجدد الذي لا هم لهم غير مصالحهم ورغباتهم الدفينة في اهتبال الفرصة.
 
mohamadq2002@yahoo.com