Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Sep-2021

ما يقوله الطريق السريع (1): رحلة من كابول إلى قندهار

 الغد-تقرير – (الإيكونوميست) 14/9/2021

 
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
قندهار- تنحرف السيارات من أحد جانبي الطريق إلى الآخر بينما تناور لتجنب الأخاديد العميقة المحفورة في الأسفلت المتحلل. وتمر المركبات العابرة بأشباح المواقع الأميركية بينما تتخذ مسارات متعرجة حول الفوهات والقنوات المحطمة التي خلفتها القنابل المزروعة على جانب الطريق.
كان الطريق السريع الذي يبلغ طوله 500 كيلومتر والذي يربط العاصمة الأفغانية كابول بثاني أكبر مدن البلاد، قندهار، موضع ترحيب ذات مرة باعتباره علامة على إحراز تقدم في الحملة الأميركية لتهدئة الأوضاع في أفغانستان. وعندما افتتح حامد كرزاي، رئيس أفغانستان آنذاك، المرحلة الأولى من الطريق في العام 2003، قال إن ذلك اليوم كان أحد أفضل أيام حياته. ومع ذلك، سرعان ما أصبح هذا الطريق مثالًا مقلقًا لما يحدث. كان مقاتلو طالبان يوقفون المركبات المارة، وينصبون الكمائن للقوافل ويقتلون موظفين حكوميين. وشهد البناء السيئ للطريق على انهيار أحد المقاطع. وعنى الفساد أن لا يتم إصلاحه كما يجب. ولأكثر من عقد من الزمان، تجنب أولئك الذين يستطيعون تحمل كلفة السفر جواً المغامرة بالتنقل على هذا الطريق السريع.
الآن، تراجعت أكبر الأخطار بعد أن أصبح نفس المقاتلين الذين هاجموا الطريق ذات مرة يقفون حراساً على طوله. وبعد شهر من استيلاء طالبان على السلطة، أصبحت الرحلة من كابول إلى قندهار تقدّم عرضاً لكيفية تغير البلد بين عشية وضحاها وللإخفاقات التي ساعدت على تسريع هذا التغيير.
قبل أسابيع قليلة فقط، كانت الرحلة على هذا الطريق غير واردة وغير قابلة لمجرد تأملها بالنسبة للعديد من الأفغان. كانت نقاط التفتيش المرتجلة لحركة طالبان توقف السيارات، وتفتش الحافلات وسيارات الأجرة بحثاً عن أفراد القوات المسلحة من أجل خطفم أو قتلهم. وكانت القوافل العسكرية تنفجر بفعل القنابل المخبأة تحت الطريق. واكتسبت بعض المناطق، مثل صيداباد في ولاية وردك، سمعة سيئة كمواقع خطرة.
وما تزال نقاط التفتيش التابعة لطالبان موجودة، لكنها أصبحت الآن رسمية، يلوّح أفرادها للمركبات لتنظيم المرور على الطريق. وعلى النقيض منها، أصبحت النقاط الأمنية التي شيدتها الولايات المتحدة والمصطفة على الجانبين في محاولة فاشلة لحماية الطريق، آخذة في الاضمحلال مسبقاً، بعضها ترفرف عليه راية طالبان البيضاء، وبعضها الآخر مهجور تماماً. وفي النقاط الأكثر قِدَماً، أزال تجار الخردة الأسلاك التي تحيط بأكياس الرمل العملاقة التي أحاطت ببؤر الحراسة. وأصبح كل ما تبقى مجرد مكعبات غارقة في الأرض توشك أن تبتلعها رمال الصحراء.
الآن، مع ذهاب خطر الهجمات، أصبحت نوعية الطريق هي المحنة الكبرى. عندما تم فتح الطريق المعاد تمهيده لأول مرة، كان يستطيع نقل السائقين من إحدى المدينتين إلى الأخرى في غضون ست ساعات. والآن، تستغرق الرحلة نفسها ما يقرب من ضعف الوقت. وقد دمرت القنابل بعض المقاطع. ونحتت الشاحنات الثقيلة شقوقًا عميقة في مقاطع أخرى. وكان بناء الطرق في يوم من الأيام ثاني أكبر هدف للمساعدات الدولية. ورأى فيه جنرالات “الناتو” وسيلة لكسب القلوب والعقول. واجتذب تدفق النقود، التي تجاوزت قيمتها 4 مليارات دولار، نوع الفساد الذي قوض معظم المساعدات الخارجية. وقام بناة الطرق بالتعاقد من الباطن على أعمالهم وأخذوا لأنفسهم أكبر قسط ممكن من الأرباح. وكانت الطرق السريعة الناتجة رديئة النوعية، وسرعان ما انهارت -ليس بسبب الانفجارات فحسب، ولكن أيضًا بسبب المشاكل الأكثر عادية والتي يمكن التنبؤ بها، مثل الفيضانات وحركة المرور الكثيفة. وثمة رموز أخرى لمخططات التنمية الفاشلة تصطف على الطريق، بما في ذلك العديد من محطات الكهرباء الفرعية، مكتملة بالأبراج، وإنما بلا كابلات الكهرباء.
بالنسبة لسكان الريف في مقاطعات ورداك، وغزنة، وزابول، كانت قيمة الجهود التي يبذلها الأجانب موضع شك، حسب ما قاله لي صحفي في مدينة قلعت في زابول. قال: “كان التركيز كله على المراكز ولم أستطع رؤية أي تطور في المناطق الريفية. كان هذا هو السبب في أن الناس بدأوا ينتفضون ضد الحكومة”. كما أدت الحرب من أجل السيطرة على الطريق إلى شن غارات ليلية وغارات جوية وحالات اختفاء للناس في المناطق المحيطة. وكان كلا الجانبين المتصارعَين قاسياً بلا رحمة.
وتنظر طالبان إلى الطريق على أنه مهم بالمقدار نفسه أيضاً. تمامًا مثل ما فعلت الحكومة الأفغانية وداعموها الأجانب من قبلها، تتباهى طالبان أيضاً ببناء الطرق. وفي 10 أيلول (سبتمبر)، أعلنت وزارة الأشغال العامة أنها بدأت “أعمال إعادة إعمار شاملة”، وأشركت شركتي إنشاءات لبناء ثلاثة جسور و40 قناة تحت الأرض. ومع تجميد المساعدات الخارجية، ليس لدى طالبان سوى القليل من المال لمثل هذه الأعمال، لكن لديهم الآن منافع الأمن.
الآن، يعود أولئك الذين قاتلوا ذات مرة على الطريق إلى حياتهم الطبيعية. في سوق لبيع الفواكه المجففة بالجملة في شوارع قلعت الخلفية، يزن العمال أكياس الزبيب. وقد عاد أحدهم لتوه إلى العمل بعد ثماني سنوات قضاها في الحقول مع طالبان. ويسأل صديقاً بينما ينظر بحذر إلى محدِّثكم: “هل تُركَ من آخر حمولة من الأجانب الذين انسحبوا، أم أن آخرين جدداً وصلوا الآن؟”.
 
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Highway 1 revisited: A journey from Kabul to Kandahar