Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-May-2019

“فيسبوك” يصبح مقبرة رقمية هائلة – وهدية للمستقبل

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

روبرت غيبلهوف – (الواشنطن بوست) 8/5/2019
 
قبل نحو 30.000 عام، قبل اختراع الكتابة، كانت هناك طريقة واحدة يستطيع بها الناس ترك سجل خلفهم لأجيال المستقبل. كانوا يضعون أيديهم على جدار كهف ويقومون بنثر الأصباغ عليها، تاركين خلفهم طبعة يد. وكانت تلك استراتيجية ناجحة: ما تزال الكثير من تلك العلامات الآسرة موجودة حتى اليوم.
لكن البشر بعد 30.000 عام في المستقبل -إذا لم يكونوا قد أرسلوا أنفسهم مسبقاً إلى الفناء- ستكون لديهم بالتأكيد معلومات أكثر ليتصفحوها عنا. لقد أصبحنا بارعين بشكل مدهش في تسجيل تفاصيل حيواتنا. وقد بنينا الأضرحة والمكتبات؛ وكتبنا الكتب التاريخية وجمعنا سجلات متطورة ومعقدة عن الأجداد وتسلسل الأنساب.
ولعل الأهم من هذا كله، هو أن طالباً جامعياً يدعى مارك زوكربيرج طور عن غير قصد أفضل أداة تم تطويرها على الإطلاق لنقل تاريخنا الشخصي إلى الأجيال المقبلة: “فيسبوك”.
كافح علماء الأنثروبولوجيا والمؤرخون الاجتماعيون على الدوام لرواية قصص أسلافنا كل يوم، حتى أولئك الذين عاشوا قبل أجيال قليلة فقط. وتوفر لنا السجلات المكتوبة قدراً كبيراً من التبصر في حيوات حفنة من الأشخاص المهمين. أما تجميع المعلومات عن الأشخاص العاديين فكان أكثر تعقيداً.
لكن “فيسبوك” يغيِّر الآن كل ذلك. خلال ما يزيد قليلاً على عقد من الزمان، أسهم مستخدمو “فيسبوك” في إيداع هائل للمعلومات التي توثق كلاً من ردود أفعالنا على الأحداث وعاداتنا المتغيرة، بنطاق وسرعة لم يكن يمكن للمؤرخين السابقين أن يحلموا بها.
من الصعب التقليل من شأن مدى صعوبة فهم قاعدة البيانات هائلة الحجم التي يجري بناؤها. الآن، يوجد أكثر من ملياري شخص على “فيسبوك”، وأكثر من نصفهم يُعدون مستخدمين يوميين نشطين. وعلى افتراض أن الأشخاص سوف يستمرون في استخدام الموقع بانتظام، فإن هذا سيعني أن معظم هؤلاء المستخدمين سيوثِّقون الكثير من تفاصيل حياتهم، تاركين وراءهم الصور والصداقات، ومواطن إعجابهم وعدم إعجابهم، وردود أفعالهم على الأحداث الجارية.
اليوم، ترك عشرات الملايين من مستخدمي “فيسبوك” وراءهم مثل هذه البقايا الرقمية، لكن من المتوقع أن يزداد هذا العدد باطراد في العقود المقبلة. وقدرت دراسة جديدة لباحثين من جامعة أكسفورد أنه إذا توقف “فيسبوك” عن النمو غداً، فإن عدد المستخدمين المتوفين على الموقع سيصل إلى 1.4 مليار بحلول نهاية القرن. وإذا استمر الموقع في النمو كما يفعل الآن، فإن هذا العدد قد يصل إلى حوالي 5 مليارات مستخدم بحلول العام 2100.
اليوم، توفر حسابات الأشباح هذه مكاناً رقمياً للحِداد والذاكرة. لكنها يمكن أن تكون في المستقبل نعمة للبشرية. يمكن أن تكون هذه الصفحات ذات قيمة لا تقدر بثمن للمؤرخين والباحثين الاجتماعيين الذين سيكونون قادرين على النظر إلى الوراء ليروا، على سبيل المثال، كيف كان رد فعل المجتمع على احتراق كاتدرائية نوتردام. وسيرون انتخاب دونالد ترامب والحروب الثقافية عبر الإنترنت التي سهلت انتخابه وأعقبته. وسوف يرون الكثير من القطط والجراء وميميات “لعبة العروش” التي اعتدنا على صرف انتباهنا بها عن المناخ السياسي الطاحن.
للأجيال المقبلة، سوف يحفظ “فيسبوك” صوراً لحياتنا، والتي تتسم بدرجة من الوضوح والدقة أكبر من أي سجل موجود للأنساب. وسوف يوفر هذا لأحفادنا فهماً شاملاً للتاريخ، وبالتالي، لأنفسهم. وهكذا، يشكل “فيسبوك”، كما يقول مؤلفو ورقة البحث المذكورة، “تراثنا الثقافي الرقمي”.
يقول كارل ج. أومان، المرشح لنيل درجة الدكتوراه في معهد أكسفورد للإنترنت والمؤلف المشارك لورقة البحث: “لأول مرة في التاريخ، أصبحت لدينا فرصة لدمقرطة التاريخ حقاً. أخيراً، أصبح لدينا أرشيف يضمُّنا جميعاً معاً -على نطاق عالمي”.
هذه الإمكانية التاريخية تعقد، بدلاً من أن تحل، الأسئلة التي تعصف بـ”فيسبوك” مسبقاً: ما مقدار الخصوصية التي يستحقها الموتى؟ وما مقدار الاستقلالية التي يجب أن نتوقعها من الأشخاص حول كيفية إدارة حساباتهم بعد وفاتهم؟ من الذي سيكون قادراً على تنسيق مثل هذه البيانات والإشراف عليها، وإلى أي درجة؟ كيف نضمن السماح لأولئك الذين يرغبون في أن يُنسَوا بأن يسلكوا ذلك الطريق؟
وأيضاً، ماذا ينبغي أن نفعل إزاء محاسبة “فيسبوك” عن مسؤولية الحفاظ على هذه البيانات؟ هل لديه التزام بالتأكد من الحفاظ على “تراثنا الرقمي”؟ أم هل ينبغي عليه تسليم بياناتها التاريخية إلى منظمة مستقلة من أجل البحث، كما حاول “تويتر” أن يفعل عن طريق تسليم بياناته إلى مكتبة الكونغرس في العام 2010؟
ليست هذه أسئلة افتراضية. فقد قام موقع “ماي سبيس” بحذف محتوى المستخدمين، بما في ذلك بعض السمات التي استخدمها النادبون على الموتى، في محاولة لتحديث الموقع في العام 2013. ماذا يحدث إذا فقد موقع “فيسبوك” مكانته بالمثل باعتباره عملاقاً ثقافياً؟ إذا كنا مهتمين بالحفاظ على هذا الاتساع المذهل للتاريخ البشري الذي سجلناه على الموقع حتى الآن، فإننا نحتاج إلى استراتيجيات ملموسة لتجنب تكرار ثقب الذاكرة الذي حدث في “ماي سبيس”.
وهذا مهم لأنه، لأول مرة، أصبح لدى البشر القدرة على أن يتركوا وراءهم تواريخ أكثر شخصية بكثير من أي جيل آخر قبلهم. لم يعد يتعين علينا الاعتماد على تذكُّر ذريتنا لنا حتى تبقى ذاكرتنا حية، وليس علينا أن نقبل بأن تتلاشى تجاربنا الجماعية مع مرور الوقت. هذه هي فرصتنا لترك ما هو أكثر بكثير من مجرد طبعات الأيدي على الجدران الرقمية للتاريخ.
 
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Facebook is becoming a vast digital graveyard – and a gift to the future