Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Feb-2018

زمنٌ آخر... - د. لانا مامكغ

 الراي - هذا ما كان يحدثُ داخلَ دورِ السّينما في وسط عمّان ذات زمن: النّساءُ كنَّ يخرجن من الصّالة وهنَّ يمسحن دموعهن، ومنهنَّ من كنَّ يُغطين الوجوه بالمناديل حتى لا يُسمع نحيبُهنَّ الخافت... فيما كان بعضُ الرّجالِ يقاومون للاحتفاظ بملامحَ محايدة قدْرَ الإمكان... فالعيون في الطّرف المقابل كانت ترقبُ وترصد، ثمَّ ليتبادل الطّرفان نظراتِ مواساة... حتى ليقتربَ أحدُهم من آخر فيسأل بفضول: « «الفيلم مُحزن جداً على ما يبدو... آه ؟ « وحين يهزُّ الآخرُ رأسَه بالإيجاب، يمتلىءُ الطّابور الواقف أمام شبّاك التّذاكر بالحماسة، وبغبطةٍ من نوعٍ ما وهكذا حتى يحينُ موعدُ العرض التّالي، فتندفعُ الجموعُ الجديدة إلى الصّالة، ليتولّى مسؤولُ التّذاكر إرشادَ كلٍّ منهم إلى مكانه، وبالنّسبة لنا نحنُ الصّغار، فقد كان صاحبَ شخصيةٍ باهرة، إذ كنّا نُعجبُ بسرعته على قراءةِ التذكرة، وتحديد مواقع المقاعد، وكانت صورتُه تزدادُ ألقاً في عيوننا حين كان بعضُ الرّواد يصلون متأخّرين بعد بداية « المناظر» وإطفاء أنوار الصّالة، فيمسك « الّلوكس « لإنارة الطّريق أمامهم، ويرشدُهم به إلى أماكنهم بدقّة !

ذلك الزّمان لحظةُ فتح السّتارة الباذخة... كان لكلِّ دار عرضٍ ستارة بتصميم خاصّ غاية في الأناقة والإدهاش ** وللتّوضيح للأجيال الجديدة: المناظر كانت عبارةً عن بعض الإعلانات والمشاهد التّرويجيّة للعروض القادمة... ولعلَّ الأهمَّ منها في بعد بداية الفيلم بقليل، كانت تنتشرُ في المكان نداءاتُ البائعين المتجوّلين، بائعي ساندويتشات الفلافل والمشروبات الغازية، وبائعي بذورالبطيخ المحمّص كذلك، فتتم عمليّة ُالشّراء بصعوبة؛ بين رغبةِ الحضور بمتابعة الحوار، وبين حرصِ البائع على عدّ النّقود، هذا في حين كانت بعض العائلات تحتاط فتشتري لوازم َالفيلم من مطعم « فؤاد » في إحدى دخلات شارع بسمان، و«البزرِ» الطّازج من محمص « بسمان » في الشّارع نفسه، إذ كان رائحته تجذبُ المارَّة من كلِّ صوب...
وهذا يعني أنَّ صالة َالعرض كانت مليئة طوال النّهار بروائحِ تلك الأشياء، ولم نكن نعترض أو نضيقُ بها، ولا بوجود بقايا المخلّفات أحياناً على الأرض... الأمرُ الوحيد الذي كان يدفعُ الحضورَ لرفع ِالأصوات بالاعتراض، كان ارتفاعُ بكاءِ أحد الأطفال الرّضع في المكان أثناء عرض الفيلم !
كانت البساطةُ والبراءة في المواقف كلّها شديدتي الحضور آنذاك...
ذهابُ النّساء إلى دور السينما في عمّان كان أمراً طبيعيّاً، الشّابات والمتقدّمات في العمر والصّغار أمثالنا، لمّا كان « عبد الحليم حافظ » و« فريد الأطرش » و« كمال الشّنّاوي » و« محرّم فؤاد » و « رشدي أباظة » حُلُم الكثيرات... في الوقت الذي كانت فيه « فاتن حمامة » و«نادية لطفي» و « زبيدة ثروت » و « مريم فخرالدّين » و« شادية » الحُلُم الوردي للشّباب قاطبةً
وفي الوقتِ الذي كانت ترتفعُ فيه الضّحكاتُ في بعض المشاهد على أداء « زينات صدقي » أو « عبد المنعم ابراهيم »... كانت شهقاتُ البكاء تعودُ لتسودَ الموقف فيما إذا افترقَ الحبيبان، وحالت الظّروف دون زواجهما... أو إذا توفّى أحدُهما في نهاية الفيلم !
أمّا الذي دفعني لاستحضارِ تلك الذّكريات، فهو أمرٌ واحدٌ فقط ، إنّه الحنينُ الجارفُ إلى زمنٍ كان البكاءُ فيه قريباً وسهلاً ومُتاحاً... والضّحكُ كذلك !
زمنٍ آخر كانت فيه مشاعرُنا حيّةً نابضةً بالدّفء والصّدقِ والعنفوان...