Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Dec-2021

كوكبنا المصفد

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

 
روبرت كويلر* – (أحلام مشتركة) 3/12/2021
 
“ماذا لو سمحنا لأنفسنا بتخيل عالم بلا حدود؟ ماذا لو استطعنا أن ننظر إلى الحدود ليس كدروع حامية، وإنما كأغلال تحتجز الكوكب في حالة غير مستدامة من عدم المساواة، والانقسام العرقي، والكارثة المناخية؟”
* * *
“حماية الحدود” هي في الأساس الشيء نفسه مثل حماية ممتلكاتك، أليس كذلك؟ عليك أن تحميها من الغزاة، واللصوص -الحمقى الخارجين عن القانون الذين يريدون أخذ ما لديك.
إذا كنت غنيًا ومصابًا بجنون الارتياب أو العظمة، فلا شك في أن تكون لديك مثل هذه النظرة عن ماهية اللاجئين، خاصةً في الأسفل هناك على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. أو إذا كنت في الاتحاد الأوروبي، أو الطرف الشمالي من إفريقيا، حيث “مكسيك” الاتحاد الأوروبي هي الدولة الفاشلة في ليبيا التي لا يمكنها، بفضل الغزاة الاستعماريين السابقين، أن تفعل شيئًا يعتد به لإيقاف الجحافل اليائسة من الناس الفارين من الفقر والعنف والآثار الشرسة لتغير المناخ عن عبور البحر الأبيض المتوسط للعثور على حياة أكثر أمانًا في أوروبا.
كيف ننتقل إلى ما وراء عالم تمزقه حدود غير مرئية متخيلة إلى جيوب لا نهاية لها من “نحن” و”هُم”؟ كيف نعتنق كوكب الأرض ككل عضوي واحد، والذي نحن جزء منه فحسب؟ وكيف نحكم بما ينبغي من الإجلال هذا الكل؟
يسأل تود ميللر في كتابه “ابنوا الجسور، وليس الجدران” Build Bridges, Not Walls: “ماذا لو سمحنا لأنفسنا بتخيل عالم بلا حدود؟ ماذا لو استطعنا أن ننظر إلى الحدود ليس كدروع حامية، وإنما كأغلال تحتجز الكوكب في حالة غير مستدامة من عدم المساواة، والانقسام العرقي، والكارثة المناخية؟”.
هذا هو السؤال الذي ينبغي أن يحوم فوق جغرافيانا السياسية؛ فوق هذا الكوكب الذي نعتقد أننا نتحكم فيه. ولا أقصد أن أقترح -حتى للحظة- أن هناك إجابة بسيطة هنا. بدلاً من ذلك، “الإجابة البسيطة” هي تلك المعمول بها حاليًا. إننا نجد أنفسنا، ونحن نخرج إلى اللحظة الحالية الراهنة من اضطراب التاريخ وصراعاته، تحت سيطرة المؤسسات التي تطالبنا بأن نعيش في خوف من بعضنا بعضا. والنتيجة الأساسية لهذا الخوف -هذه العقيدة شبه الدينية من “نحن” مقابل “هُم”- هي قدرتنا على تجريد كبش الفداء، “هم”، لهذه اللحظة، من إنسانيتهم.
ويصبح التجريد من الإنسانية أسهل وأسهل، كلما زاد انخراطنا فيه. وهذه العملية تسمى الحرب؛ وتسمى الاستغلال الاقتصادي؛ وهي تُسمّى السيطرة على الحدود.
يروي إيان أوربينا، في حكاية وثائقية رائعة في مجلة “النيويوركر” قصة كادت أن تكلفه حياته، والتي يصف فيها جحيم المهاجرين الذي يحدث حاليًا في ليبيا، بتحريض وتمويل من الاتحاد الأوروبي الذي غمره في النهاية تدفق المهاجرين الفارين إلى أوروبا من أوطانهم في الشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء. وقد انتهى الأمر به إلى “شراكة” مع دولة ليبيا المكسورة للسيطرة على هذا التدفق، وهو ما خلق في العملية:
“… نظام هجرة شبحي يوقفهم قبل وصولهم إلى أوروبا. وقد جهزت (أوروبا) ودربت خفر السواحل الليبي، وهو منظمة شبه عسكرية مرتبطة بميليشيات في البلاد، للقيام بدوريات في البحر الأبيض المتوسط، وإعاقة عمليات الإنقاذ الإنسانية، واعتقال المهاجرين. وبعد ذلك يُحتجز المهاجرون إلى أجل غير مسمى في شبكة من السجون الهادفة إلى جلب الربح والتي تديرها الميليشيات. وفي أيلول (سبتمبر) من هذا العام، تم احتجاز حوالي ستة آلاف مهاجر… وقد وثقت وكالات الإغاثة الدولية مجموعة من الانتهاكات، منها تعرض المعتقلين للتعذيب بالصدمات الكهربائية، وتعرض الأطفال للاغتصاب من الحراس، وابتزاز العائلات من أجل الحصول على فدية، وبيع الرجال والنساء للعمل بالسخرة”.
ونقل أوربينا عن مسؤول ليبي قوله: “لقد فعل الاتحاد الأوروبي شيئًا فكر فيه بعناية وخطط له لسنوات عديدة. خلق حفرة من الجحيم في ليبيا، على أساس فكرة ردع الناس عن التوجه إلى أوروبا”.
وأشار أوربينا إلى أن الاتحاد الأوروبي ضخ نصف مليار دولار في المشروع، والهدف منه، وفقًا للمسؤول الليبي، واضح: “جعل ليبيا الشخص الشرير؛ جعل ليبيا قناعًا لتغطية سياساتهم بينما يقول ’الناس الطيبون‘ في أوروبا إنهم يعرضون الأموال للمساعدة على جعل هذا النظام الجهنمي أكثر أمانًا”.
علينا أن نعترف، خاصة إذا كنا من جماعة “الناس الطيبين” الذين يعيشون خلف حدود آمنة: إن هذا كوكب مقيد بالأغلال. لن تؤدي النوايا الحسنة ولا الغضب الإنساني، في حد ذاتها، إلى تغيير سياسة التجريد من الإنسانية والتصفيد بالأغلال. إن بعض الوعي الإضافي ضروري قبل أن تبدأ الإنسانية في إعادة تنظيم نفسها -وهو وعي سيُفرض علينا بلا شك إلى حد كبير بسبب الأشياء التي تغلي والتي تتجاوز حدودنا الوطنية الخيالية. فكما تعلمون، ثمة تغير المناخ، والانهيار البيئي، والوباء الحالي وأشياء أخرى ستأتي.
كتبت جوليا كونلي في مجلة “أحلام مشتركة”: “عندما حذرت منظمة الصحة العالمية من خطر عالمي ’كبير جدًا‘ يمثله متغير ’أوميكرون‘ الجديد من ’كوفيد -19‘، اجتمع ممثلو الدول الأعضاء في المنظمة البالغ عددها 194 دولة في جنيف لصياغة معاهدة تهدف إلى تحضير العالم للوباء القادم -مع تحذير مسؤولي الصحة العامة من أن ظهور ’أوميكرون‘ يجب أن يدفع الحكومات إلى اعتناق التضامن العالمي لتجنب أزمة صحية عامة أخرى كارثية”.
وكما كتب مايكل ماردير، فإن “… الحدود نفاذة يسهل اختراقها-بالتعريف؛ وبغض النظر عن مدى تحصينها، فإنها تشبه الأغشية الحية أكثر مما تشبه الجدران غير العضوية. إن الفرد أو الدولة الذين يتمكنون من عزل أنفسهم بشكل فعال عن الخارج سيكونون في عداد الأموات فعلياً”.
وهكذا، بينما نفصل أنفسنا عن الفقراء واليائسين، قد تقول إننا نسد الطريق على النهر البشري، الذي هو جزء من تدفق الحياة. وثمة تريليونات الدولارات التي يتم استثمارها في هذا الانسداد، دفاعًا عن شيء غير موجود في الواقع -خطوط فاصلة عشوائية تم رسمها إلى حد كبير خلال حقبة الاستعمار، عندما سُرقت الأرض وتم تقسيم الكوكب إلى كيانات عشوائية تسمى الدول (أو المستعمرات). وهي أموال يمكن إعادة استثمارها بشكل عقلاني سليم لبناء عالم أفضل للجميع.
على أقل تقدير، يجب أن نبدأ في الحديث، بشكل جماعي، عما قد يعنيه هذا. وما قد يعنيه ليس بالأمر البسيط -الاختفاء التدريجي للحدود التي نعبدها الآن، وظهور أنظمة حاكمة تحترم وتجل كوكب الأرض بأسره.
 
*صحفي ومحرر حائز على جوائز في شيكاغو.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Our Shackled Planet