Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    19-Apr-2019

الديمقراطية في ثلاثين عاما* جميل النمري

 الغد-في مثل هذا اليوم قبل ثلاثين عاما كانت الاحتجاجات تنطلق من معان وتصعد إلى الطفيلة ثم الكرك وحتى مشارف عمان التي لم تشهد تظاهرات بل حراكا سياسيا نشطا من قبل النقابات المهنية والقوى السياسية استثمرت الفرصة لطرح مطالب سياسية تردد صداها في بيانات واعلانات باسم عشائر وتجمعات شتى توحدت على نفس المطالب، وتشكل بالاجمال برنامج اجماع شعبي يتلخص بإنهاء الأحكام العرفية واطلاق الحريات العامة واستعادة الحياة البرلمانية الديمقراطية 

هذا ما اطلق عليه اسم هبة نيسان التي يؤرخ بها للتحول الديمقراطي في الأردن. جلالة الراحل الحسين خرج باستنتاج استشرافي سبق الطبقة السياسية وكل مراكز القرار في البلد، وأيضا – في مصادفة تاريخية مدهشة – استبق بشهور قليلة الحدث العالمي الضخم بانهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الشرقية وانتهاء الاستبداد السياسي، وقرر التغيير ابتداء بحل مجلس النواب والدعوة لانتخابات برلمانية حرة شاركت بها القوى السياسية والشخصيات العامّة بكثافة واطلقت المسار التشريعي للتحول الديمقراطي. طبعا لم يخل الأمر من نظرية المؤامرة التي لا تصدق انها كانت هبة شعبية عفوية بل أمرا مخططا له لغاية في نفس يعقوب. وحتى بعض السياسيين المعارضين ظلّوا يفكرون انها “جمعة مشمشية” تستهدف استدراج الاحزاب لتكشف نفسها ثم لمّ اعضائها الى السجن! 
بالنسبة لي ما تزال تلك احداث الأمس القريب، لكن نصف الأردنيين الموجودين اليوم كانوا اطفالا او لم يولدوا بعد، ومن الصعب ان يتحسسوا الفارق بين قبل وبعد. الفارق بين الدولة العرفية ودولة القانون والمؤسسات والمواطنة المتساوية وحقوق الانسان وحرية الاعلام. ومن جهتي لم يكن لدي اي شك ان التحول كان نهائيا، وسيكون آمنا وناجحا. بل ان جلالة المغفور له الحسين العظيم قال مرة وكأنه يفكر بصوت عال لو كنت اعرف ذلك لفعلتها ابكر بكثير. لكن ما لم يكن متوقعا هو مدى الصعوبة في “مأسسة الديمقراطية ” وفق نموذج التعددية الحزبية البرلمانية والتناوب السياسي على السلطة التنفيذية. فما انجزته دول اوروبا الشرقية خلال ثلاثة اعوام من تطبيع للتعدية الحزبية البرلمانية وتناوب حكومات منتخبة على السلطة التنفيذية ما نزال نحن بعد ثلاثين عاما ندور حول انفسنا ونراوح في نفس المكان.
لا حاجة في هذا المقام لتفسير العلل وتشخيص الأسباب، فقد فعلنا ذلك آلاف المرات وما نزال في كل مناسبة نناقش الواقع السياسي. لكن يستحق التنويه ان التعثر والمراوحة لا يتعلق بالحياة السياسية فقط بل ايضا بالاقتصاد والمجتمع والمؤسسات. فقد بدأ مشوار ” التصحيح الاقتصادي من العام 90 وحققنا النتائج المطلوبة ماليا خلال عقد وكان يفترض خلال أو بعد ذلك ان نحقق نهوضا وازدهارا اقتصاديا جديرا ببلد كان سباقا في النهضة التعليمية والاجتماعية ولاحقا في استخدام تكنولوجيا المعلومات لكن ذلك لم يحدث بل كانت تحدث فورات وطفرات مدفوعة بتطورات اقليمية خصوصا في النشاط العقاري والسوق المالي تليها فترات ركود ومعاناة أيضا بتأثيرات خارجية لنكتشف ان الاقتصاد الحقيقي لا يتقدم ويبقى حبيس امراضه المزمنة وفي مقدمتها انخفاض انتاجية المجتمع وترهل الادارة واستشراء الفساد.
من بين العادات السيئة هي تعليق الفشل على مشاجب آخرين، يبدأ ذلك من المستوى الكوني بتعليق مآسي العرب على تآمر القوى الكبرى وينتهي في كل مكتب او ورشة او بيت حول صغائر الأمور وبينهما السجال الدائم حول اسباب ضعف الاحزاب السياسية ومجالس النواب والحكومات. ومن جهتي أصبحت شديد التواضع لادّعاء اي تفسير انما من الواضح ان فكرتنا عن انفسنا قد تكون غير واقعية وتقود الى استنتاجات غير موضوعية. وحتى الربيع العربي الذي رأى فيه جلالة الملك فرصة استثنائية تم التجاوب معها بتعديلات دستورية وتشريعية لتحقيق الاصلاح السياسي لم يوصلنا الى نتيجة. وعلى كل حال اذا نظرنا الى النصف الممتلئ من الكأس فقد عبرنا اخطر المراحل بأمن وسلام وما نزال قادرين أن ننزل الى الشارع للاحتجاج أو نجلس معا كل ساعة لبحث سبل التقدم للأمام.