Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Aug-2018

الحاجة أم الابتزاز - د. صلاح جرّار

الراي - عندما يكون شخص ما في حاجة إلى خدمة يقدمها له شخص آخر، فإن هذه الخدمة في الغالب لا تكون مجانية، حتى لو قابلها من يتلقاها بكلمة شكر أو عبارة امتنان، إلا أن من الناس من يقدم خدماته مجانا لوجه االله وهو ينتظر الثواب لاحقا من االله تعالى لقاء هذه الخدمة.

أما الخدمة التي تكون مقابل خدمة أخرى أو أجر نقدي فالأصل أن يكون من يتلقاها ومن يقدمها محتاجا كل منهما للآخر، فالأول بحاجة للخدمة والثاني بحاجة للمال، وبعبارة أخرى فإن الثاني يقدم جهده والأول يقدم ماله الذي حصله بجهده أيضا، لكن إذا رأى أحدهما أن ما يقدمه أهم مما يقدمه الطرف الآخر وأنهما غير متساويين في حاجة كل منهما للآخر فمن هنا يأخذ الابتزاز طريقه إلى الظهور. ولذلك يطلب أحدهما من الآخر زيادة على ما يستحقه مستغلا حاجة الطرف الآخر الماسة أو العاجلة للخدمة التي يطلبها في ظرف محدد أو لحظة حساسة، كأن تكون منقطعا في ساعة متأخرة ليلا في مكان موحش ثم يأتي سائق ويساومك على أن يوصلك إلى مكان آمن مقابل مبلغ مالي باهظ، أو أن يقوم أحد المهنيين بإصلاح أنابيب المياه في منزلك وهو يعلم حاجتك الماسة للماء في لحظة ما ولا يوجد غيره في مهنته في مكان قريب ويخيرك بين أمرين: إما أن تدفع له أكثر مما يستحقه بكثير وإما أن يتركك بلا ماء.
ومن أمثلة ذلك أيضا أن يقوم موظف في إحدى المؤسسات الخدمية بتخييرك بين أن تدفع له أكثر من الرسوم أو التكاليف المقدرة والمقررة أو أن تنتظر شهورا أو سنوات حتى تأتيك الخدمة المطلوبة.
وتنشأ الرغبة في الابتزاز أحيانا عندما يدرك من تطلب منه خدمة أو سلعة مقدار تلهفك لخدمته أو إعجابك بسلعته، أو عندما يدرك من يقدم لك الخدمة مدى إقبال الناس على خدمته أو سلعته وأنه يمكن أن يستغني عنك ما دام هنالك آخرون يحتاجون إليه، فيزيد عليك ما تدفعه له مقابل خدمته أو سلعته وفق مبدأ العرض والطلب.
وما يحدث بين الناس في ذلك يحدث أيضا بين الدول، فالدولة التي تقدم لدولة أخرى خدمات اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية أو حتى مواقف سياسية قد ينشأ لديها في لحظة ما عوامل وأسباب لممارسة الابتزاز، كالذي تفعله الولايات المتحدة الأميركية مع كثير من الدول العربية والإسلامية وغيرها من ابتزاز علني ومكشوف عندما تحاول أن تفرض على تلك الدول مواقف سياسية معينة لقاء ما تقدمه لها من خدمات ليست مجانية بالتأكيد، بحيث تتجاوز قيمة هذه المواقف ونتائجها قيمة الخدمات التي تقدمها الدولة التي تمارس الابتزاز.
ولكي يتجنب الناس، سواء أكانوا دولا أم أفرادا، مخاطر التعرض للابتزاز المالي والسياسي وغيره، لا بد من العمل على تقليص الاحتياجات للآخرين والسعي إلى توفير ما أمكن من تلك الاحتياجات من مصادر ذاتية عن طريق كسب العلم والمعرفة وعن طريق العمل والسعي الجاد وعدم الاعتماد على الآخرين.
salahjarrar@hotmail.com