Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    29-Oct-2020

الانتخابات العراقية المبكرة قد لا تغير قواعد اللعبة في البلد

 الغد-د. منقذ داغر – (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 22/10/2020

 
لا تبدو النسبة المتوقعة للمشاركة في الإنتخابات البرلمانية العراقية المقبلة مشجعة، إذ لن تتجاوز بحسب الإستطلاعات التي أجريناها 35-40 في المائة ممن يحق لهم التصويت. والمؤسف أن الغالبية المطلقة المقاطعة للانتخابات (أكثر من ثلثي المقاطعين) هم من الشباب بين 18-35 سنة.
* * *
يسود اعتقاد واسع بين النخب العراقية بأن الانتخابات المقبلة في العراق ستكون انتخابات مفصلية، والتي ستؤدي إلى حصول تغيير كبير في خريطة القوى السياسية المتحكمة في المشهد العراقي منذ العام 2003. وقد تعززت هذه القناعة بعد إعلان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي عن مقترحه لإجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في 6 حزيران (يونيو) 2021. كما زاد الأمل في حصول تغيير حقيقي بعد تعديل قانون الانتخابات العراقي بشكل جذري وتعيين مفوضية مستقلة جديدة للانتخابات تتألف من قضاة (مستقلين). كل هذه التغييرات المرتقبة جعلتني أفحص عبر سلسة من استطلاعات الرأي العام العراقي لأتبين ما إذا كانت هذه الظروف قد أنتجت آراء أكثر تفاؤلاً في الرأي العام العراقي حول طبيعة السياسة العراقية خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وكنت آمل أن أحمل لكم أخباراً جيدة تتناسب مع هذه التوقعات المتفائلة بخصوص حصول تغيير كبير في الخريطة السياسية العراقية نتيجة الانتخابات، ولكن يؤسفني أن أحمل بعض الأخبار السيئة التي قد تقلل كثيراً من هذا التفاؤل وتكشف مرة أخرى عن فجوة عميقة بين ما تتوقعه النخب وما يفكر فيه الجمهور العراقي. فقد كشفت استطلاعات الرأي العام الأخيرة أن الشارع العراقي، وبالذات الشباب منه لديهم رؤية مختلفة عن تأثير الانتخابات المقبلة على تغيير الوضع السياسي.
وفي الوقت الذي أجريت فيه اثنين من هذه الاستطلاعات بواسطة عينة عشوائية احتمالية وطنية شملت 2000 و3000 مستجيب عراقي على التوالي وباستخدام الكومبيوتر بدلاً من الورقة والقلم، فإن الاستطلاع الثالث أجري باستخدام الهاتفCATI على عينة عشوائية بسيطة شملت 1300 مقابلة.
من البديهي القول أن الشرط الأول لتحقيق تغيير حقيقي في خريطة القوى السياسية العراقية المهيمنة على البرلمان والحكومة منذ مدة طويلة، هو تحقيق معدل مشاركة عال في الإنتخابات المقبلة يتجاوز ما حصل في انتخابات العامَين 2014 و2018. فمن المعلوم أن لدى القوى التقليدية المسيطرة على البرلمان جمهور وقاعدة صلبة ستخرج لتصوت لها في كل الأحوال ومهما كان حجم تلك القاعدة صغيراً. لذلك، كلما قل معدل المشاركة في الإنتخابات زادت فرص تلك الأحزاب، نظراً لالتزام قواعدهم الانتخابية بالحضور والتصويت.
للأسف، لا تبدو النسبة المتوقعة للمشاركة في الإنتخابات المقبلة مشجعة، إذ لن تتجاوز بحسب الإستطلاعات التي أجريناها 35-40 في المائة ممن لهم حق التصويت. والمؤسف أن الغالبية المطلقة المقاطعة للانتخابات (أكثر من ثلثي المقاطعين) هم من الشباب بين 18-35 سنة.
إن تشجيع العراقيين، والشباب منهم على وجه الخصوص على المشاركة في الانتخابات المقبلة ليس مهماً لإحداث تغيير في المشهد السياسي فحسب، بل هو بالغ الأهمية لمنع الإنزلاق نحو العنف والمجهول. ولكي يشارك الناس في الإنتخابات ينبغي أن يكونوا واثقين من شيئين مهمين، وهما أن أصواتهم لن يتم تزويرها أو السطو عليها، وهذا يقتضي ثقة بنزاهة الانتخابات؛ وأن أصواتهم ستؤدي إلى التغيير الذي يريدونه ولن تكون جولة أخرى من جولات خيبة الأمل التي اعتادوها سابقاً.
تشير أرقام الإستطلاعات إلى أن أكثر من 60 في المائة من العراقيين عموماً (وفي بعض المناطق أكثر من ذلك بكثير) لا يثقون بنزاهة الإنتخابات، وتبلغ نسبة الذين يثقون بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات أقل من 30 في المائة. ومن جانب، آخر فإن أقل من 15 في المائة من العراقيين يعتقدون أن تصويتهم في الإنتخابات المقبلة سيؤدي إلى تغيير المشهد السياسي والخريطة السياسية الحالية للقوى المؤثرة في القرار!
هذه النتائج تؤكد أن الانتخابات المقبلة، إذا أجريت في ظل الظروف الحالية، وما لم يحصل تغيير في عامل مؤثر على معتقدات الجمهور العراقي، فإنها سوف لن تحدث التغييرات التي يأملها كثير من العراقيين، وبخاصة أولئك الذين خرجوا إلى الشوارع منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2019 ليتظاهروا مطالبين بالتغيير. ومما يزيد الأمر سوءاً هو فجوة عدم الثقة في مؤسسات الدولة العراقية، على الرغم من حصول تحسن ملموس في مستوى رضا العراقيين عن تلك المؤسسات وعن رئيس الوزراء مؤخراً. وبالمقارنة مع أعلى درجة تفضيل بلغها رؤساء الوزراء الذين سبقوه، فإن درجة التفضيل الحالية للكاظمي هي الأعلى. ومع ذلك، ما يزال أكثر من 55 في المائة من العراقيين لا يثقون بالحكومة. كما أن أكثر من النصف أيضاً لا يثقون بالقضاء، في حين لا يثق بالبرلمان العراقي أكثر من 15 في المائة ولا بالأحزاب السياسية أكثر من 10 % ولا ينتمي لتلك الأحزاب أكثر من 2 في المائة من شباب العراق.
فجوة الثقة بمؤسسات الدولة العراقية والتي تتزامن مع إيمان واسع بوجود ما يسمى بدولة الأشباح أو سيطرة الدولة العميقة (غير الرسمية) على الدولة الرسمية، جعلت كثير من العراقيين -وخاصة الشباب- يفضلون التغيير خارج الإطار المؤسسي. كما أن الفهم العراقي للدولة العميقة هو أن الميليشيات المتحالفة مع إيران تسيطر على صناعة القرار السياسي في العراق. وحتى لو كانت هناك تغييرات في هيكل سلطة الحزب السياسي، فإن الدولة العميقة ستستمر، وبالتالي لن تتغير طبيعة المجال السياسي العراقي، وهو ما يهم حقًا.
إن الشعور العميق بالتهميش بين الشباب العراقي وعدم ثقتهم بالمؤسسات السياسية وحاجتهم الطبيعية كبشر إلى الشعور بالأهمية Needs for Significance هي التي جعلت انتفاضة تشرين الأول (أكتوبر) 2019 في بغداد وجنوب العراق هي الأطول والأشد قوة وتأثيراً منذ تأسيس الدولة العراقية في العام 1921.
ما لم تتمكن مؤسسات الدولة العراقية من استعياب واستقطاب هؤلاء الشباب فسوف لن يكون سوى العنف هو البديل عن الديمقراطية المعوقة التي حاولت الولايات المتحدة زرعها في العراق بعد العام 2003.
إن قيام الحكومة العراقية بتوفير الضمانات الحقيقية والمقنعة للمجتمع الدولي ولشباب العراقي بأن الإنتخابات المبكرة المقبلة ستكون مختلفة هذه المرة، وأنها ستتميز بالنزاهة والشفافية، هو المخرج السلمي الوحيد والمتاح حالياً لتجنب سيناريو العنف والانزلاق إلى المجهول. ويبدو أن النافذة المتاحة لذلك تنغلق تدريجياً ما لم يتم إنجاز عمل حقيقي في هذا الصدد.
 
*مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وعضو مجلس إدارة مؤسسة غالوب الدولية.