Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Apr-2019

اللاجئون السوريون في الأردن يبدأون رحلة العودة إلى الوطن

 الغد-ميكاه سبانغلر* – (فورين بوليسي) 4/4/2019 

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
بفضل معبر حدودي تم افتتاحه أخيراً بين الأردن وسورية، شرع اللاجئون السوريون في العودة إلى بلدهم. لكن محنتهم ما تزال بعيدة عن الانتهاء.
 
* *
“85 متراً”، قال الرجل في الزي العسكري، مشيراً في اتجاه الشمال على طول طريق معبد صغير يبدأ من حيث وقفنا. “سورية على بعد 85 متراً في هذا الطريق”. 
بالنسبة لأي أحد تقريباً، سوف تبدو فكرة السير لأقل من طول ملعب كرة قدم للدخول في بؤرة واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية مأسوية في العالم غير قابلة للتخيل تقريباً. ولكن، بالنسبة للبضع عشرات من العائلات السورية التي قابلتها في مركز جابر الحدودي الأردني في صباح مشمس قبل بضعة أسابيع، كانت تلك هي الفرصة التي ينتظرونها.
كانت العائلات قد شقت طريقها إلى هنا قادمة من عاصمة الأردن، عمان، ومن مخيمي الزعتري والأزرق للاجئين، حيث عاشت منذ دفعها الصراع الدائر في سورية إلى الهرب طلباً للنجاة بأرواح أفرادها. وهؤلاء هم المحظوظون –الناجون من أوار حرب قتلت أكثر من نصف مليون إنسان واحتدمت، حتى 15 آذار (مارس)، على مدى ثماني سنوات رهيبة.
خلال تلك السنوات الثماني، ساعدت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، بالعمل مع الحكومتين الأردنية والأميركية، على إبقاء الأمل حياً في نفوس ضحايا هذه المأساة التي لا توصف. وبتوفير الملاذ، والرعاية الطبية، والطعام، والمساعدات النقدية وأكثر، أبقت الأمم المتحدة وعمّان اللاجئين السوريين آمنين حتى اليوم الذي يتمكنون فيه من العودة إلى الوطن. 
بالنسبة لمشاهد خارجي، سيبدو اتخاذ قرار بالعودة صعباً للغاية –بل وربما مستحيلاً. ومع ذلك، فإنه يبقى خياراً تُرك أمره للسوريين أنفسهم، والذين يبدو البعض منهم مستعدين لتجريب حظوظهم. 
قبل بضعة أشهر فحسب، لم يكن هذا الخيار متاحاً أمام اللاجئين السوريين في الأردن، لكن البلد أعلن في أواخر العام 2018 عن إعادة فتح معبر حدودي واحد مع جارته السورية التي مزقتها الحرب إلى الشمال. وبعد أن ظل مغلقاً منذ العام 2015، سمحت إعادة فتح هذا المعبر بتدفق الناس والبضائع مرة أخرى بين البلدين، ومعها، عاد إحساس صغير بالطبيعية لما كان ذات مرة ميناء دخول محموم.
منذ إعادة افتتاح المعبر، قرر نحو 15.000 شخص -مجرد شذرة من مجموع 660.000 لاجئ سوري مسجلين لدى المفوضية العليا للاجئين في الأردن- أن يستغلوا فرصة هذه المبادرة الافتتاحية، وأن يروا أي نوع من الحياة هي التي تنتظرهم على الجانب الآخر من الحدود.
عندما زرت معبر جابر الشهر الماضي مع أول وفد أميركي يقوم بجولة في المركز منذ إعادة فتح الحدود، وجدت تفاؤلا حذرا بين المائة شخص أو نحو ذلك الذين وصلوا ليقطعوا الخطوات القليلة الأخيرة بينهم وبين صراع أجبر نحو 5 ملايين من مواطنيهم على طلب الأمان في الأردن ولبنان وتركيا وغيرها.
داخل المركز الحدودي، اصطف أسطول من الرجال بأدب أمام مكتب مخصص لهم فقط، وهم يقبضون بأيديهم على وثائق اللجوء الصادرة عن المفوضية العليا للاجئين، والتي أصبحت تعرِّف حياتهم. وفي الخارج، انتظرت عائلاتهم عودتهم في ثلاث حافلات بيضاء. 
كانت نوافذ الحافلات مليئة بوجوه الأطفال السعيدة الباسمة -بعضهم يتحدثون القليل من الإنجليزية بينما يتواصل آخرون عن طريق مترجم. وأخبرني صبي، بشعر أحمر وشريط من النمش على خديه، أن اسمه حمزة، وأن عمره 7 سنوات. وكان حمزة قد هرب من سورية مع والديه عندما كان قد تعلم المشي للتو، بل وربما أصغر من ذلك.
وبينما تجاذبنا أطراف الحديث، هبط رفاق حمزة من الحافلات وشرعوا في استكشاف المعبر المفتوح. وشقت فتاة صغيرة ذات شعر بني طويل طريقها هابطة الأدراج، في سترة طويلة فضفاضة وأحذية ثلج أرجوانية، على الرغم من الطقس المشرق الدافئ. “مرحباً، أميركا”! هتفت وهي تتجول في المكان بنشاط، مادَّة يدها الصغيرة إلى أعضاء الوفد. “مرحباً، أميركا”!
وراءنا سارت بتثاقل سيارة صغيرة محملة بما بدا أثاث غرفة معيشة كامل. وكان الأثاث والبطانيات مكدسة بارتفاع عالٍ بما يكفي لمضاعفة ارتفاع السيارة تقريباً.
سرعان ما خرج الرجال من المركز الحدودي وتحدث إليهم أعضاء الوفد الأميركي. وأعرب الرجال عن الأمل في أن تعود الحياة أخيراً إلى طبيعتها وكرروا شكرهم للأمم المتحدة والأردن على استقبالهم والعناية بهم. وبينما توقف الرجال اللطيفون ليتفكروا بكَم هم قريبون الآن من استكمال رحلة استمرت سنوات، تحدث إليهم أحد المسؤولين وزودهم ببعض كلمات الثقة الإضافية باللغة العربية.
وبذلك، انطلقوا جميعاً عائدين إلى متن الحافلات وشرعت المحركات في الهدير. وبعد دقيقة أو دقيقتين، نظر موظف من المفوضية العليا للاجئين يقف بجواري في هاتفه. وقال وهو يريني الشاشة: “حسناً… إنهم في سورية. لقد أرسلوا إليّ هذا للتو”.
كانت تلك صورة للجانب السوري من الحدود، في لقطة لعلَم حكومي يؤطر نقطتي تفتيش صغيرتين. وبقيت الصورة في ذاكرتي حتى بعد أن سحب الرجل هاتفه. كان ذلك المشهد قريباً منا جداً –أمامنا فقط- لكنه بدا على بُعد عالَم كامل.
ما تزال الحياة التي تنتظر هؤلاء اللاجئين السابقين والعائدين الذين سيتبعونهم بعيدة كل البعد عن اليقين. وفي حين أن الحكومة السورية تدعو مواطنيها علناً إلى العودة، فإن جذور الصراع ما تزال بعيدة عن الحل. ومع أن تنظيم “الدولة الإسلامية” قد مُني بالهزيمة، فإنه لم يُدمَّر بالتأكيد. ولهذه الأسباب وغيرها، فإن الغالبية العظمى من السوريين الذين هربوا إلى الجنوب سوف يظلون على الأرجح في الأردن في المستقبل المنظور، غير واثقين مما إذا كانت مقترحات الحكومة السورية ستؤدي إلى أي إصلاح يعتد به، بينما تخالطهم مخاوف جدية تماما إزاء أي فرص اقتصادية –إذا كان ثمة فرص- تُركت لهم في بلد اهتز تماماً حتى أعمق أعماقه.
مع ذلك، ولأول مرة منذ وقت طويل، شهد حمزة وعائلته الذكرى القاتمة لبدء الحرب الأهلية السورية وهم في بلدهم -في المكان الذي لم يكفوا أبدا عن الرغبة في العودة إليه. وليست هذه مناسبة يمكن أن يحتفلوا بها، لكن فيها بعض السلوى مع ذلك. الآن، أصبحوا في الوطن. ومن الممكن أن يكون كابوسهم المستمر منذ ثماني سنوات قد وصل أخيراً إلى نهاية.
*مدير الدفاع عن الحقوق والشؤون الإنسانية في مؤسسة الأمم المتحدة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Syria’s Refugees Begin Their Journey Home