Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Dec-2019

كيف استغلت تركيا حلف شمال الأطلسي؟

 الغد-ديميتار بيشيف* – (أحوال تركية) 6/12/2019

 
حملت قمة حلف شمال الأطلسي الأخيرة التي عُقدت في لندن الكثير من الدراما في طياتها. فقد بذل كل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتركي رجب طّيب أردوغان، كل ما في وسعهم لزيادة سقف التوقعات، عبر التراشق باستخدام لغة الخطاب قبل الاجتماع المهم.
لجأت تركيا إلى دبلوماسية براغماتية، من خلال تعطيل مراجعة خطط الطوارئ التي وضعها الحلف للدفاع عن البلطيق وبولندا، مهددة بمنع حلف شمال الأطلسي من مساعدة الأوروبيين الشرقيين ما لم يرضخ التحالف لمطلب ظلّت تركيا تنادي به منذ فترة طويلة، وهو اعتبار وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرقي سورية منظمة إرهابية.
وترى أنقرة أن وحدات حماية الشعب هي امتداد لحزب العمّال الكردستاني، الذي تصنّفه تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كمنظمة إرهابية. لكن هذه الجماعة الكردية السورية لعبت دوراً مهمّاً في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم “داعش”.
يبدو أن الخط المتصلب الذي يتبعه أردوغان أغضب ماكرون على وجه الخصوص. فقد بدا الرجل غير مستعد للاعتذار، بل وذهب إلى أبعد من ذلك، فحمّل تركيا مسؤولية إقامة قضية مشتركة مع الجماعات المتطرفة. وقال: “آسف لأننا لا نملك تعريفاً واحداً للإرهاب على الطاولة. إذا نظرنا إلى تركيا، فإنها الآن تحارب من حاربوا معنا، من حاربوا معنا كتفاً بكتف، ضد تنظيم ’داعش’. وهي في بعض الأحيان تعمل مع وكلاء ’داعش’”.
ولم تكن تلك بداية طيبة لمنتدى كان من المفترض أن يُظهر وحدة الإرادة والهدف. وقد بات تبادل مثل تلك الانتقادات اللاذعة هو العرف السائد بصورة متزايدة بدلاً من أن يكون هو الاستثناء. وتستنكر تركيا حلفاءها، بداية من واشنطن، لتجاهلها مخاوفها ومصالحها.
تُذكرنا الاتهامات التي وجهتها تركيا إلى الولايات المتحدة بالتحالف مع انفصاليين أكراد في سورية بالاتهامات التي وجهتها على مدى عقود إلى الدول الأوروبية، التي قالت إنها آوت حزب العمال الكردستاني.
لدى الولايات المتحدة والأوروبيين أيضاً قائمة شكاواهم الخاصة بشأن تركيا. وقد كرر ماكرون ما جاء من قبلُ من البنتاغون والكونغرس الأميركيين من ضغط مورس على أردوغان بشأن صداقته المزدهرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والصفقة التي أبرمتها تركيا لشراء صواريخ من طراز إس-400 من روسيا على وجه الخصوص. فكيف يمكن لتركيا أن تبقى في حلف شمال الأطلسي بينما تشتري أسلحة متقدمة من خصوم للحلف، وتفتح الباب على مصراعيه أمام أجهزة مخابرات تلك الدول؟
يقول الرئيس الفرنسي “إن هذا غير ممكن من الناحية الفنية”. غير أنه لا تلك الكلمات، ولا مغادرة ترامب المفاجئة للقمة، أخرجا هذه القمة عن المسار الذي رُسم لها. ويبدو أن زعماء الدول الأعضاء توصّلوا إلى حل وسط بشأن مطالب أردوغان. وخلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد في ختام القمة، أعلن ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، أن تركيا سحبت الفيتو الذي استخدمته بشأن مراجعات خطة الطوارئ.
ولا يسعنا سوى التكهن بما حصل عليه أردوغان في المقابل. وينص إعلان القمة على أن “الإرهاب بكافة أشكاله ومظاهره ما يزال يشكل تهديداً لنا جميعاً”. وفي المقابل، لا بد وأن يكون الأتراك قد قدموا المزيد من التنازلات أيضاً.
بالأحرى، كان إقناع ترامب بسحب القوات من الحدود في شمال شرقي سورية، والتخلي عن وحدات حماية الشعب وتركها تدافع عن نفسها، قد حقق المُراد لأردوغان الذي أنهت عمليته العسكرية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي سيطرة تلك الجماعة على المناطق المتاخمة للحدود التركية. وإذا كانت لديه أي مخاوف أخرى، فيتعين عليه أن يُعبّر عنها للروس الذين حلّوا محل الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين كشركاء لخيارات المسلحين الأكراد.
ويتكشف سلوك تركيا في حلف شمال الأطلسي على عدد من المستويات. فقد صارت إثارة الشجار مع القوى الغربية على الملأ ركيزةً أساسيةً من ركائز السياسة الخارجية التركية. ولا يُنمّق أردوغان كلماته، وكذلك لا يفعل نظراؤه، والكثيرون منهم سئموا من تكتيكات الرئيس التركي. وكان رد فعل ماكرون عرَضاً لمرض في العلاقات، ولا شك أن المناوشات من هذا النوع ستتكرر في المستقبل.
أما في ما يتعلق بكل ما يثار حول مغادرة تركيا حلف شمال الأطلسي والارتماء في أحضان روسيا، فقد أظهرت القمة أيضاً أن مثل هذا السيناريو ليس مطروحاً على الطاولة. ويعتقد أردوغان أنه يستطيع أن يحصل على كل شيء: أن يستفيد من ضمانات الدفاع الجماعي التي يوفرها الحلف، وأن يستمتع في الوقت ذاته بدفء العلاقات مع بوتين.
ولكن، من يستطيع أن يلومه؟ لقد نجح بالتأكيد في إيجاد سبيل لتحقيق هذا حتى الآن. فترامب يبذل كل ما بوسعه لتوفير الحماية للرئيس التركي في مواجهة موجة غضب منه في واشنطن. أما ماكرون، الذي يدعو إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، فليس في وضع يسمح له بانتقاد الأتراك بسبب العلاقات الخاصة التي يؤسسونها مع موسكو. ولا يمكن لألمانيا أيضاً أن تتحمل ثمن لعب دور الشجاع -فخط أنابيب “ترك ستريم”، الذي سيفتتحه بوتين خلال زيارة سيقوم بها إلى تركيا في غضون أسبوعين، ينقل ثلث الكمية التي تستوعبها خطوط أنابيب “نورد ستريم”، التي تنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا.
وفي المقابل، تبقى بريطانيا؛ البلد المضيف للقمة، هي القوة الوحيدة تقريباً التي ما تزال لديها مصداقية، لكن هيبتها ونفوذها تلاشيا بشدة بسبب موضوع الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. وبمعنى آخر، فإن الولايات المتحدة هي الطرف الوحيد القادر على وضع الخطوط الحمراء ومعاقبة أنقرة. وقد بات واضحاً في أي خندق سيقف أردوغان في انتخابات الرئاسة الأميركية المقررة في العام المقبل.
 
*عضو في مركز يورواسيا ضمن مجلس الأطلسي، متخصص بالشأن الروسي والتركي.