Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Dec-2018

الهوية التراثية لـ «وسط البلد» بين الهدم والترميم
الرأي - سائدة السيد - عند التحدث عن الموروث المعماري لأي بلد، تبرز فكرة الحفاظ عليه، كمحاولة لمنحه الديمومة والاستمرارية، فمهما حاولنا إكساب المدن طابعاً عصرياً، تبقى الحاجة لتلك المعالم المعمارية التراثية، التي إذا ما أزيلت لن نستطيع استعادتها، فالأثر لا يمكن استرجاعه إذا تلف أو أزيل.
 
تتجلى في منطقة وسط البلد بعمان، البساطة والعراقة والأصالة، من البيوت القديمة والمعلقة من كل الجهات والزوايا والأسواق العتيقة، والحجارة المتعبة من كثرة المارة، والأروقة الضيقة جدا، والمقاهي الثقافية، وبسطات الكتب، إلى الأبنية المهمة كالمسجد الحسيني، والمدرج الروماني، وجبل القلعة.
 
قبل عقد ونيف تقرر إزالة عدد من المقاهي الثقافية و التراثية العريقة في وسط البلد، ورغم احتجاجات المثقفين آنذاك، إلا أن ساحاتها الخارجية المطلة على الأسواق والشوارع هدمت، واحتلت مكانها مبان تجارية.
 
إن المباني والعمارات التراثية ثروة كبيرة، فهي أبرز ما تتميز به وسط البلد، وتمتاز بطراز معماري خاص يمثل حقبة مهمة من تاريخ الفن، ولها قيمة تاريخية، اكتسبتها من ارتباطها بأحداث تاريخية أو من سكن شخصيات مهمة ومؤثرة، فضلا عن قيمتها المعنوية، وهي المعبّر المعبر الأوضح عن المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المملكة في القرن الماضي.
 
ولعل ما يخشاه كثير من المبدعين والمثقفين وحتى المواطنين ، ممن تربطهم علاقة عاطفية مع التفاصيل الإنسانية البسيطة في وسط البلد ، الزوال التدريجي للمعالم المعمارية فيها وإهمالها ، خصوصا أن بعض الأسواق والمباني حسب بعض أصحاب المحلات، تعرضت لامتداد الحداثة، واستبدلت بالأبنية الحديثة على حساب المعلم التراثي، وبالتالي شُوّه وجهها الشعبي.
 
عالميا، اتجهت بلدان عدة إلى سياسة ترميم المباني والمناطق الأثرية، بهدف المحافظة عليها من مرور الزمن والتغيرات الطبيعية، ودون إدخال مواد البناء الحديثة التي تفقدها عراقتها، والاهتمام بها كمناطق جذب سياحي، الأمر الذي يضيف على الجهات المختصة ليس فقط الترميم، ولكن الصيانة والعناية بالمحيط العمراني لها.
 
وتنبهت عدد من الدول المتقدمة إلى ضرورة استثمار المباني الأثرية، ليس فقط لزيادة الجذب السياحي لها، إنما لمشاركة المواطنين الاستعمال الذي يضمن استمرارها، ويصبح الأثر بعد ذلك جزءاً من المجتمع، وبالتالي إحياء القيم الاجتماعية والحضارية التي اندثرت على مر الأيام، ووصل الماضي بالحاضر، وعودة الحياة اليها.
 
في وسط البلد مجموعة من البنايات الأنيقة والعريقة ، تضم محلات ومقاهي وفنادق بعضها ذو شرفات صغيرة مميزة ، وأماكن أثرية مهمة ، بحاجة لمن يصقلها ويصلحها ويجدد زمانها ، ويجدد مرافقها التحتية ، بإعادة تأهيل علمية ، لتلافي زوالها وتلفها وهدمها ، وتعرضها للتغيير والتشويه سواء في بنيتها أو شكلها الخارجي ، وطمس طرازها المعماري القديم.
 
من انقطع عن زيارة منطقة وسط البلد فترة طويلة وعاد إليها ، لا بد أن يلحظ بعض التغييرات التي طرأت على ملامحها، ورغم ذلك تبقى صامدة وشاهدة على تجربة إنسانية وحقبة تاريخية، ولا تزال محورا للنشاط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، كما أن كثيرين يشعرون بالانتماء اليها ، والمساس بتلك الذاكرة من شأنه أن يلغي الهوية.
 
ما نحتاجه هو تغيير أعمق في السياسات، وتنظيم للمنطقة بحيث تنسجم مع المظهر القديم للمباني، وترميمها وجعلها أكثر جذبا للسياح، ودعم بعض المرافق السياحية فيها من مبان ومعارض ومحلات للحرف اليدوية ومتاحف، وإبراز وجهها التراثي الأصيل.