Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Apr-2018

الوجه الرابع للتعليم:توظيف التعليم للارتقاء بالمجتمع - د. فيصل غرايبة

الراي -  إن مدخل المواطنة يجعل الجميع يتمسكون بوطنهم. وهذا هو غاية تعني ارساء وممارسة تربية وطنية سليمة، مما ينبغي أن يستقر في منظومة التعليم، وفي النسق الفكري والقيمي للمتعلمين. لذا نجد أن المفكرين والمثقفين أكثر حساسية ورفضا للبيئة السياسية غير الديمقراطية، واكثر استعدادا للخروج من الساحة الوطنية اعتزالا وابتعادا او هجرة واغترابا، في الوقت الذي غرقت معظم الدول العربية في التركيز على بناء السلطة لا مكونات الدولة، ولم تستطع اغلبها أن تكون دولا ديمقراطية،اما الناشئة فان ما يتسرب الى عقولها وتفكيرها هو أن للاجراءات مبررات ماضية حتى لو كان فيها قتل أوتكفير، فيتلاشى التحليل المنطقي والتفكير النقدي لديها.

إن رفض الحاضر من أجل الماضي، ومحاربة الواقع من أجل الخيال يؤديان الى النتيجة المؤسفة التي تحول الوطن الكبير الى دول ودويلات تعاني من الانقسام والصراع على أسس دينية وطائفية ومذهبية وقومية وعرقية، مما لا ينبغي أن يتسرب الى عقول الطلبة في المدارس والجامعات، ومما ينحدر بالتعليم والثقافة ليصبح الهدف والغاية. اذ أن استرداد التاريخ للماضي يعني رجوعا كليا الى الخلف بالعقل والتفكير والثقافة والقيم، والرجوع الى الخلف لا يتم الا بالاكراه والتدمير.
ثمة عوامل سالبة تضعف من منظور الوطن وتماسك الدولة بالعقل العربي والمنظومة التعليمية، مثل:
القومي مقابل الوطني، والديني مقابل الوطني والقومي، والموقف من الآخر، وأولويات النظام، وضعف ميزان العدالة، والديمقراطية مقابل الفردية، وتهميش الأرياف والأطراف، أوغياب الشرعية، أو تغييب المشاركة الشعبية.
إن الاهتمام ببناء الدولة الوطنية العربية يخدم الهدف البعيد، وهو تقارب المنطقة العربية وتمازجها في
كتلة حضارية واحدة، غير أن العرب وخلافا لغيرهم من الأمم لم يعرفوا غير نوعين من الحياة، هما: الانقلاب أو الانحطاط، وان أرتقاءهم لن يكون بالنمو أو التطورالطبيعي، ولا بد من الانقلاب حتى يتحقق الارتقاء. لقد فهم الفكر الانقلابي النهضة بأنها السياسة والحكم، وبهذا الفهم تسطيح ساذج، ونزعة تسلطية لا تعترف بالعلم والأقتصاد والتعليم والتكنولوجيا كاعمدة للنهضة، فزعيم الانقلاب وحزب الانقلاب هو كل شيء، والحكم هو النهضة والضرورة، في حين يجري تهميش العلماء والخبراء، ويتقدم أهل الولاء.
ان ثمة أسباباً لهذا الاخفاق العربي تتمثل بالممارسات المشوشة أو المشوهة التي يصاحبها تفسير
أيديولوجي زائف، يفتعل البدائل من النظام أو التراث، ويحدد كيفية ممارسة حقوق الانسان، تحت وهم الخصوصية، بالاستفادة من النزعة العربية نحوالترؤس والتحكم والسلطة. لهذا لم تتكرس الديمقراطية كأسلوب حكم مستقر فكرا وثقافة وقيما اجتماعية عليا، وظل الأداء الاقتصادي للمجتمعات العربية يتحرك ببطء شديد ولم تستطع العديد من الدول العربية التحول الى دولة ناهضة بالغة النمو، كما استمرت ولفترات طويلة محكومة بقوة السلطة، اذ أن الانتخابات نادرا ما تكون نزيهة، وأن الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية غالبا ما يكون شكليا ومحدودا، كما أن قدرات الادارات الحكومية العربية وامكاناتها على استشعار التغيرات الأقتصادية الأجتماعية الجارية محدودة ومتقاعسة.
واختم بالنتيجة ان الأمن الوطني لا يتحقق الا من قوة الساحة الداخلية، ومن حس المواطنة والتفاعل
المتواصل بين أفراد المجتمع ومؤسساته باتجاه الأنتاج واتجاه الأبداع والأبتكار. فمن يدافع عن وطنه ومجتمعه ونظامه هو الأنسان الحر الذي يشارك في صنع الوطن، ويساهم في تقدم المجتمع، والذي يشعر أن الأمن الوطني يتيح له فضاء أرحب ويشارك في صنعه، وهو يقتنع أن مفردات الأمن الوطني في مجتمعه تتناسب مع الحرية وحقوق الانسان، ولا يصاحبها أي أنفلات مجتمعي. وعلى العكس من ذلك تلك الحالة القلقة غير المستقرة في بعض اقطار وطننا العربي، والتي تركت أثرها على العلم والتعليم والعقل العربي والثقافة المجتمعية، وواصلت ترك أثرها السيئ على الوجه الرابع للتعليم، أي توظيف التعليم في الارتقاء بالمجتمع.
*استشاري اجتماعي- باحث بقضايا المواطنة
*عضو المكتب التنفيذي لحزب الاصلاح
 
hotmail.com