Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    21-Jan-2019

الثابت والمتحول في الانتخابات الرئاسية الجزائرية* ناصر جابي

 القدس العربي

لم تخرج الانتخابات الرئاسية التي نظمتها الجزائر، منذ الاستقلال، عن المنطق السائد في المنطقة العربية، والكثير من دول العالم الثالث. فقد كانت أقرب لمنطق الاستفتاء الأحادي المغلق، بمرشح رسمي واحد، لغاية رئاسيات 1995 التعددية. انتخابات تكون معروفة النتيجة مسبقا، وبنسب عالية جدا ومتقاربة بشكل مريب، لصالح مرشح السلطة، تعلق الأمر بالرئيس بن بلة 99.60 % أو بومدين 99.50% أو الشاذلي 99.40%.
نسب تصويت تراجعت في أول انتخابات تعددية، فاز بها وزير الدفاع ليامين زروال 61.34% حقق فيها الشيخ نحناح كمرشح من خارج السلطة أعلى نسبة تم تسجيلها حتى الآن 25.6% من قبل منافس للمرشح الرسمي. تأكيدا لحالة الاضطراب التي عاشها النظام السياسي خلال تلك المرحلة، والتي أدت إلى التشويش على ثوابت تسييره للعملية الانتخابية، كما بينته نتائج محليات وتشريعيات 90/91. انتخابات سيطرت على تنظيمها تاريخيا وزارة الداخلية ومؤسسات الدولة العميقة الأخرى. لتشهد الجزائر عودة من جديد للمنطق الأحادي، خلال فترة حكم الرئيس بوتفليقة، التي وصلت فيها نسب التصويت المعلنة لمرشح السلطة إلى 81.49% وقُزمت فيها النسب المحصل عليها من قبل المرشحين المنافسين إلى مستوياتها الدنيا، كما حصل في آخر انتخابات رئاسية نظمت في 2014. لنكون بذلك أمام عدة ثوابت ميزت ومازالت الانتخابات الرئاسية التي يمكن أن تتكرر في 18 إبريل/ نيسان المقبل. وهي الانتخابات التي كادت أن تؤجل بعد أن راج الكثير من السيناريوهات في المدة الأخيرة حول إمكانية التمديد للرئيس بوتفليقة، بدون المرور بمحطة الانتخابات، بسبب وضعه الصحي، الذي مازال يثير الكثير من الشكوك حول إمكانية ترشحه أصلا، حتى بعد دعوته للهيئة الناخبة وتحديد تاريخ يوم الاقتراع. ناهيك عن استمرار عهدته الخامسة التي ستجعل منه الرئيس الأكثر مكوثا على رأس السلطة في الجزائر، منذ الاستقلال 1999/2019.
هشاشة صحة الرئيس التي تربك أكثر من طرف وطني ودولي، وهو يتعامل مع هذه الانتخابات الغريبة التي قد تغري الكثير من السياسيين للمشاركة فيها، عكس ما قد يعتقد البعض. المرشحون المحتملون الذين يتعاملون معها كعملية «تسخين» فقط، قبل دخول المنافسة الفعلية التي ستكون بعدها مباشرة. بكل ما يميزها هذه المرة من ضبابية لدى العصب الرسمية التي قد يفوت عليها الرئيس بوتفليقة، بتشبثه بالسلطة بهذا الشكل، إمكانية التدخل والتأثير في تحديد خليفته على رأس السلطة وهو حي يرزق. وهو ما قد يفسر حالة الاضطراب التي يعيشها الطرف الرسمي كما فهمته مبادرة مقري التي ماتت في المهد.
 
البعد الدولي ما زال يركز على استقرار الأوضاع في الجزائر حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ المعلنة كالديمقراطية وحقوق الإنسان
 
نزعة المشاركة في هذه الانتخابات التي قد تكون أكثر حضورا لدى قيادات الأحزاب الكبرى والمتوسطة، وحتى الشخصيات المستقلة، بمن فيهم العسكريون القدماء الذين ينتقلون إلى موقع أحسن لهم كـ»مرشحين للرئاسيات» بدل البقاء في موقع «العسكري المتقاعد» المعرض للعقوبة والتوبيخ. شخصيات تعودت على الاهتمام بالانتخابات منذ مدة طويلة، قد لا يسمح لها سنها بالطمع فيها مرة أخرى إذا ضاعت منها هذه الفرصة. فالسن والوضع الصحي يبقيان من ثوابت هذه الانتخابات، غير المتحكم فيها، إلا من العلي القدير. انتخابات تغري الكثير بالمشاركة فيها، رغم معرفتهم أنها محدودة المصداقية وغير نزيهة بشكل واضح، لكنها تمنح شرعية كبيرة مباشرة بعد التنصيب للرئيس «المنتخب» الذي عادة ما يطوي محطة الانتخاب بسرعة خارقة وينساها، مباشرة بعد نزع ما بقي من ملصقات الحملة في الشوارع، في انتظار عهدة جديدة، بعد خمس سنوات. فالرئيس الجزائري ومها كانت شروط انتخابه، يحصل لاحقا على شرعية كبيرة ويتحول إلى أول مؤسسة سياسية كيفما كان الشخص، ومهما كان مستواه التعليمي وتجربته السياسية. لما يميز النظام السياسي من تسيير ريعي وثقافة سياسية أحادية وسيطرة للسلطة التنفيذية، مازالت مترسخة، بقوة، رغم الإعلان الرسمي عن تعددية شكلية، منذ أكثر من ربع قرن.
انتخابات من ثوابتها ابتعاد المواطن عنها، الذي اقتنع، بعد تجارب عديدة بأنها ليست وسيلة تغيير سياسي وتداول سلمي على السلطة، وإفراز لنخب جديدة، وهو ما يمكن رؤيته بالعين المجردة، في مقاطعة سكان المدن الكبرى والمتوسطة ومنطقة القبائل، زيادة على الشباب الذين يكونون أغلبية الجزائريين، رغم ما قد تستفزه الانتخابات الرئاسية تحديدا من «صوت جهوي» يكون عادة أكثر حضورا في الانتخابات الرئاسية، مقارنة بالتشريعيات أو المحليات، وهي تقسم الجزائر عموديا، شرقا ـ غربا ووسطا. الثابت الآخر الذي يميز هذه الانتخابات هو طابع الأزمة السياسية الخانقة التي تنمو فيها والمرتبطة بالاتجاهات الثقيلة التي لازمت النظام السياسي منذ اول انتخابات رئاسية ترشح لها الرئيس بن بلة، في عز أزمة ما بعد الاستقلال مباشرة، تماما كما حصل مع الرئيس الشاذلي بُعيد أحداث أكتوبر/تشرين الأول، أو تلك التي ترشح لها ليامين زروال، أثناء سنوات البارود 1995، مضافا إليها هذه المرة ما أفرزته مسألة مرض الرئيس في ما يتعلق بهذه الانتخابات التي تؤشر إلى نهاية مرحلة صعبة وبداية أخرى غامضة.
من ثوابت هذه الانتخابات دائما ما ارتبط بها من بعد دولي مازال يركز على استقرار الأوضاع حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ المعلنة، كالديمقراطية وحقوق الإنسان، ليبقى المهم بالنسبة لفرنسا والغرب أن تستمر الجزائر سوقا تجارية مستقرة، حتى وهي راكدة سياسيا، خوفا من التغيير غير المضمون، بما له من تداعيات أمنية خطيرة على كل الوضع في المتوسط وشمال إفريقيا.
ليبقى المعطى المتعلق بدور الجيش هو المتغير النسبي الوحيد، ضمن هذه الثوابت الكثيرة التي تؤطر العملية الانتخابية في الجزائر. بعد أن استطاع بوتفليقة تحييده مؤقتا على الأقل، بالشرعية التي حصل عليها وطنيا ودوليا، مستغلا الهفوات الكثيرة التي ارتكبتها قيادته السابقة، في تسيير الحرب الأهلية بالأهوال التي عرفتها وأشكال الفساد التي تم الكشف عن بعض صورها في المدة الأخيرة، وغياب قيادات صاحبة كاريزما، كان يمكن أن تكون ندا له داخل وخارج المؤسسة العسكرية. الجيش الذي يمكن أن يعود بقوة من خلال مؤسسة المخابرات، إلى لعب دوره التقليدي في العملية الانتخابية في حالة اختفاء بوتفليقة من المشهد السياسي وعدم تجديد قواعد اللعبة السياسية، داخل نظام سياسي، ضعيف الإنتاج النخبوي، مازال يصر على تغييب أدوات العمل السياسي التقليدية كالحزب والبرلمان والانتخابات التي أصبحت مقرونة بالخوف لدى المواطن، عندما تحل عليه كل خمس سنوات.
كاتب جزائري