Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Jan-2020

المعاداة الجديدة للأميركانية: كيف تخلي المخاوف من الهيمنة مكانها للقلق من التراجع الأميركي

 الغد-ريتشارد ويك* – (فورين أفيرز) 8/1/2020

 
ترجمة: علاء الدين أبوزينة
 
تصاعدت اتجاهات المعاداة للأميركانية anti-Americanism في معظم أنحاء العالم منذ تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهام منصبه. ويظهر استطلاع جديد أجراه مركز “بيو” للأبحاث أن التصنيفات العالمية لقبول ترامب تماثل تلك التي حققها الرئيس جورج بوش قرب نهاية فترة ولايته الثانية (وهي أقل بكثير من أرقام التأييد العالية التي تمتع بها الرئيس باراك أوباما طوال فترة ولايته). وكما هو الحال في أعوام بوش، أدى انخفاض شعبية الرئيس ترامب إلى انخفاض حاد في معدلات التأييد الكلية للولايات المتحدة.
في العام 2007، بلغ متوسط النسبة المئوية للمستجيبين الذين قالوا إن لديهم ثقة في أن بوش سيفعل الشيء الصحيح في الشؤون العالمية 21 في المائة في سبع دول أوروبية تشملها استطلاعات مركز “بيو” بانتظام: فرنسا؛ وألمانيا؛ وإيطاليا؛ وبولندا؛ وإسبانيا؛ والسويد والمملكة المتحدة. وفي استطلاع العام 2019، أعربت نفس النسبة، (21 في المائة)، عن ثقتها في أن يفعل ترامب الشيء الصحيح، مقارنة بـ79 في المائة من الذين قالوا إنهم يثقون بأوباما في العام 2016. ولا يقتصر تراجع حقبة ترامب على أوروبا: فعبر 24 دولة شملها الاستطلاع خلال العامين الأخيرين من رئاسة أوباما، قال ما بلغت نسبتهم 74 في المائة من المستطلَعين إن لديهم ثقة في أن أوباما سيفعل الشيء الصحيح في الشؤون العالمية. وفي هذه الدول الأربع والعشرين نفسها، قال 31 في المائة فقط الشيء نفسه عن ترامب في العام 2019. وقد انخفضت النسبة المئوية للمتوسط (بمعنى أن نصف الدول كانت أعلى من هذه النسبة المئوية والنصف الآخر كان أدنى منها)، مع تراجع الرأي العام المؤيد للولايات المتحدة من 64 في المائة إلى 53 في المائة خلال الفترة الزمنية نفسها.
أصبحت المخاوف التي تدفع المواقف العالمية السلبية تجاه الولايات المتحدة مختلفة الآن عما كانت عليه أثناء فترة رئاسة بوش. فعندما وصلت معاداة الأميركانية أعلى مستوياتها خلال إدارة بوش، كان يُنظر إلى الولايات المتحدة كقوة عظمى غير منضبطة وغير خاضعة للمساءلة، والتي تتابع تحقيق مصالحها من جانب واحد، غير مقيدة بالمعايير والمؤسسات الدولية التي كانت قد لعبت هي نفسها دورا رئيسيا في بنائها. أما في عهد ترامب، على النقيض من ذلك، فإن النقاد أصبحوا أقل اهتمامًا بممارسة القوة الأميركية غير الخاضعة للمساءلة من اهتمامهم بالانسحاب الأميركي -من كل من القيادة العالمية والديمقراطية الليبرالية.
أصبح يُنظَر إلى الولايات المتحدة، التي هزتها الآثار طويلة الأمد للأزمة المالية 2007-2008، والمنهكة من الحروب في العراق وأفغانستان، والتي تواجه تحدياً من “صعود البقية”، أصبَح يُنظر إليها الآن على نطاق واسع كمُهيمِن سابق متلاشٍ، غير مهتم بالتحديات العالمية، ولا بتهديد الصين التي قد تضعه في الظل. وفي حقبة موسومة بالقلق إزاء النظام العالمي الليبرالي المتصدع والمتهالك، يريد الكثير من بقية العالم مشاركةً وقيادة أميركية -لكنه يرى الولايات المتحدة وهي تتحول إلى الداخل بدلاً من ذلك.
لقد ولت الأيام التي هاجم فيها النقاد الولايات المتحدة على محاولتها أن تكون شرطي العالم. وأصبحوا الآن قلقين من قوة عظمى غير منخرطة، تفكر فقط في “أميركا أولاً”.
وحش ليبرالي؟
منذ الحرب العالمية الثانية، تشكلت وجهات النظر حول الولايات المتحدة -الإيجابية والسلبية على حد سواء- من خلال تصوُّرات القوة الأميركية والطرق التي تمارَس بها. وفي العام 1947، لاحظ الباحث والسياسي البريطاني، هارولد لاسكي، أن الولايات المتحدة “تمد ساقيها على العالم مثل عملاقٍ هائل. لم تتمتع روما في أوج قوتها ولا بريطانيا العظمى في فترة تفوقها الاقتصادي بنفوذ بمثل هذه المباشرة أو العمق أو سعة الانتشار”. وفي العقود التي تلت منذ ذلك الحين، استخدمت الولايات المتحدة هذا النفوذ -وخاصة قوتها العسكرية الهائلة- بطرق مختلفة، مستنبطةً طرائق مختلفة للغاية عن صناع السياسة والناس في بقية العالم.
جاءت المعارضة العالمية للقوة الأميركية عموماً في لحظات بدا فيها أن الولايات المتحدة تميل إلى استخدام القوة العسكرية في جميع أنحاء العالم مع القليل من ضبط النفس. وعلى سبيل المثال، أثارت كل من حرب فيتنام ونشر الرئيس رونالد ريغان صواريخاً متوسطة المدى في ألمانيا معارضة كبيرة. وفي الآونة الأخيرة، أثار غزو العراق معارضة كبيرة حول العالم، في وقت بدا فيه أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة تعكس إيمانا في واشنطن بأن الولايات المتحدة تستطيع أن تفعل ما تشاء وأن تتجاهل مخاوف حتى أقرب حلفائها.
بحلول العام 2007، كانت صورة الولايات المتحدة قد تلوثت بشدة في أجزاء كثيرة من العالم. ولدى مقارنة بيانات الاستطلاع في ذلك العام بنظيرتها في العام 2002؛ أي العام السابق لغزو العراق، سنجد أن حصة الجمهور الذين لديهم رأي إيجابي في الولايات المتحدة انخفضت إلى 26 من أصل 33 دولة شملها استطلاع أجراه مركز “بيو” في كلا العامين. وقد ارتفعت النسبة في خمس دول فقط، وبقيت على حالها في اثنتين. وكان استطلاع العام 2007 قد وجد أن متوسطاً من 41 في المائة فقط من إجمالي 47 دولة عبروا عن دعمهم للجهود التي تقودها الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب. وفي استطلاع سابق أجراه “بيو” للاتجاهات العالمية في العام 2004، قال حوالي نصف الأردنيين والباكستانيين أو أكثر، بالإضافة إلى 40 في المائة أو أكثر من الفرنسيين والألمان، إن الحرب على الإرهاب كانت بمثابة ستار دخاني لشن حملة ضد الحكومات والجماعات الإسلامية غير الصديقة.
وقالت أغلبيات في الدول ذات الأغلبية المسلمة بشكل ثابت إن الولايات المتحدة قد تشكل في يوم من الأيام تهديداً عسكريًا لبلدانهم. وفي فترة رئاسة أوباما، أثارت ضربات الطائرات من دون طيار ضد المنظمات والقادة الإرهابيين معارضة واسعة النطاق. وفي 44 دولة شملها استطلاع “بيو” في العام 2014، عارض 74 في المائة ضربات الطائرات الأميركية من دون طيار التي استهدفت المتطرفين في بلدان مثل باكستان واليمن والصومال. (ومع ذلك، قدم استطلاع أجراه مركز “بيو” في العام التالي تذكيرا بأن القوة الصلبة ليست دائماً غير مرحب بها: فقد أيد متوسط 39 دولة بنسبة 62 في المائة العمل العسكري الأميركي ضد مجموعة “داعش”.
العملاق يتداعى
تظهر استطلاعات الرأي أيضاً أن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر عملاقاً يبسط سيطرته على العالم. الآن، تتحدى الصين وقوى ناشئة أخرى بشكل متزايد القيادة الأميركية في مختلف المجالات -وهو تحول يعترف به المواطنون العاديون وكذلك صناع السياسة والمحللون. وفي استطلاع أجراه “بيو” في العام 2018، قال متوسط بنسبة 70 في المائة في 25 دولة إنهم يعتقدون أن الصين تلعب دوراً أكثر أهمية في الشؤون العالمية مقارنة بما كانت عليه قبل عشرة أعوام مضت؛ وشعر 31 في المائة فقط بهذه الطريقة في ما يخص الولايات المتحدة. وفي العام 2015، كان متوسط بنسبة 48 في المائة من 40 دولة قد اعتبروا أن الصين ستحل يومًا ما -أو أنها حلت بالفعل- محل الولايات المتحدة كقوة عظمى رائدة، بينما اعتقد 35 في المائة فقط أن الولايات المتحدة ستظل في المقدمة. في أذهان الكثيرين، أصبحت القوة المفرطة في التمدد قوة متراجعة.
خلال الأعوام الثلاثة الأولى من رئاسة ترامب، ترافق تراجع وجهات النظر الإيجابية تجاه القيادة الأميركية مع شعور بأن التزام الولايات المتحدة بالقيادة العالمية آخذ في التراجع. ويعتقد الكثير من الناس في جميع أنحاء العالم أنهم يشهدون انسحابا أميركيا بقيادة ترامب من لعب دور نشط في الشؤون العالمية -وهم لا يحبون ذلك.
في الأعوام التي تلت الحرب العالمية الثانية، اعتقد عامة الناس في أوروبا بشكل خاص أن الولايات المتحدة تمارس قوتها بطرق حميدة نسبيا، والتي ساعدت في إرساء الأسس للنظام الليبرالي. (على سبيل المثال، أظهر الاستطلاع في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي وعيًا واسعًا بخطة مارشال ودعمها بين الجماهير البريطانية والفرنسية والإيطالية، وفقا للعالِم السياسي الإيطالي بييرانجيلو إيزرنيا). ويرى الكثيرون الآن أن الولايات المتحدة تتحمل بعضًا من اللوم عن انهيار النظام الدولي. ووجدت استطلاعات “بيو” في العام 2019 معارضة شديدة لسياسات ترامب بشأن التجارة (متوسط 18 في المائة فقط عبر 33 دولة أيدت قيام الولايات المتحدة بزيادة التعريفات)، والمناخ (14 في المائة أيدوا انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقات المناخ)، والهجرة (24 في المائة وافقوا على بناء الجدار على الحدود المكسيكية)، وإيران (29 في المائة أيدوا انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية) -أي جميع الحالات التي يبدو فيها أن الولايات المتحدة تتخلى عن التزاماتها الدولية وتقيم الحواجز بينها وبين بقية العالم. ويُرجح أن يعتقد الأوروبيون بشكل خاص بأن واشنطن تسهم بدرجة أقل في حل المشكلات العالمية. وفي استطلاع العام 2018، قال ثلاثة أرباع الألمان والسويديين أن الولايات المتحدة، مقارنةً بالأعوام القليلة الماضية، لا تفعل الكثير للمساعدة في مواجهة التحديات العالمية الكبرى، وشارك النصف أو أكثر هذا الرأي في هولندا، والمملكة المتحدة، وفرنسا.
الانحدار الديمقراطي
للدافع الرئيسي الآخر وراء صعود معاداة الأميركانية علاقة أقل بالجيوسياسة أو السياسة الخارجية، وعلاقة أكثر بالقلق الذي ينتشر حاليًا في المجتمعات الديمقراطية وسط “ركود ديمقراطي” عالمي، على حد تعبير العالم السياسي لاري دياموند. ووفقا لآخر تقييم للمعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية (IDEA) للحالة العالمية للديمقراطية، فإن “الديمقراطية مريضة ووعدُها يحتاج إلى إعادة إحياء”. وقد درس الباحثان، روبرتو ستيفان فوا وياشا مونك، اتجاهات الرأي العام بمرور الوقت، ووجدا تناقصاً في دعم الديمقراطية ودعماً متزايداً للأشكال غير ديمقراطية من الحكم في عدد من الديمقراطيات التي يُفترض أنها “راسخة”.
من نواح كثيرة، تمر الديمقراطية الليبرالية بأزمة ثقة، كما تظهر بيانات “بيو” الحديثة. وقد توصلت دراسة استقصائية أجريت في العام 2017 إلى أن متوسط 78 في المائة عبر 38 دولة يقولون أن الديمقراطية التمثيلية هي شكل جيد من أشكال الحكومة، لكن أرقاماً عالية إلى حد مدهش كانت مفتوحة أيضاً على البدائل غير الديمقراطية، مثل حكم الخبراء (49 في المائة)؛ وحكم زعيم قوي لا يترتب عليه أن يأبه للبرلمانات أو المحاكم (26 بالمائة)؛ أو حتى الحكم العسكري (24 بالمائة). إن الديمقراطية هي فكرة تتمتع بالشعبية، ولكن درجة التزام الناس بالحقوق والمؤسسات الديمقراطية غالبًا ما تكون مُخيِّبة.
بالإضافة إلى ذلك، ثمة شكوك متزايدة حول مدى قدرة الولايات المتحدة على أن تعمل كنموذج للديمقراطية الليبرالية. فعبر 25 دولة شملها الاستطلاع في العام 2018، قال متوسط 51 في المائة إن الحكومة الأميركية تحترم الحرية الشخصية، بينما قال 37 في المائة إنها لا تحترمها. ولكن في العديد من الدول، انخفضت حصة الذين يعتقدون أن الولايات المتحدة تحترم الحرية الفردية في الأعوام الأخيرة. وقد انخفضت التقييمات حول هذا المعيار بشكل كبير في عهد ترامب، على الرغم من أن الانحدار بدأ في كثير من الحالات خلال رئاسة أوباما، متزامناً مع الكشف عن تنصت وكالة الأمن القومي على المواطنين وقصص أخرى مماثلة. وكان هذا الانخفاض حادًا بشكل خاص في أوروبا. ففي العام 2013، على سبيل المثال، قال 81 في المائة من الألمان إن الولايات المتحدة تحترم الحرية الشخصية، مقارنة بنسبة 35 في المائة فقط في استطلاع العام 2019.
القوة العظمى المعقّدة
سواء كان الأمر يتعلق بالتحول في توازن القوى، أو التحديات التي تواجه تعددية الأطراف، أو إغلاق الحدود، أو تراجع الثقة في صحة الديمقراطية، يبدو أن العلماء والمواطنين العاديين يتفقون على أن العناصر الرئيسية للنظام العالمي الليبرالي أصبحت تحت الضغط. وهم يرون في واشنطن الآن قائداً أقل التزاما من سابقيه بتقوية هذا النظام والحفاظ عليه.
ومع ذلك، يجدر بنا أن نتذكر أن صورة الولايات المتحدة قد ارتدت عائدة من التراجع من قبل. ومن الواضح اليوم أن الناس لم يفقدوا الإيمان تماماً بشأن الولايات المتحدة بعد. في العام 2018، سأل استطلاع “بيو” المشاركين في 25 دولة عما إذا كانوا يفضلون العيش في عالم مع الولايات المتحدة أو واحد مع الصين كقوة عظمى. وفضّل متوسط 63 في المائة الولايات المتحدة، بينما فضل 19 في المائة الصين. ويدرك الناس أن العالم يتغير، لكنهم ما يزالون يريدون أن يكون للولايات المتحدة مكان بارز فيه. وحتى إذا كان النظام الدولي يترنح، فإن العديد من عناصره ما تزال تحظى بشعبية كبيرة -وما يزال الناس يبحثون عن القيادة من القوة العظمى التي بنته، والتي تزداد تعقيدا باطراد.
 
*مدير أبحاث الاتجاهات والمواقف العالمية في مركز بيو للأبحاث. يجري أبحاثا ويكتب عن الرأي العام الدولي حول مجموعة متنوعة من الموضوعات، مثل صورة أميركا العالمية وصعود الصين والديمقراطية والعولمة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
The New Anti-Americanism: How Worries About U.S. Dominance Gave Way to Worries About U.S. Decline