Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Feb-2018

حاخام مستوطن دعا إلى "قتل شعب"، ما الجديد؟ - دانييل بلتمان

 

هآرتس
 
الغد- عمليتا القتل الاخيرتان في السامرة، قتل الحاخام رزئيل شيفح من حباد جلعاد والحاخام ايتمار بن غال من مستوطنة هار براخا، أعادتا إلى جدول العمل الصراع الذي يجري بين الإرهاب الفلسطيني والمستوطنين. العمليتان هما ظاهرتان تمثلان نمط عنف الواقع الكولونيالي: مجموعة من المستوطنين تطمع بالارض والمناطق التي يعيش فيها شعب آخر، وبمساعدة الدولة تشن الحرب ضد السكان المحليين. السكان المحليون من ناحيتهم يردون بإرهاب قاتل ضد مواطنين يصنفون مع الذين يسلبونهم ارضهم.
شيفح وبن غال سكنا في مستوطنتين من المستوطنات الأكثر تطرفا في المناطق، حباد جلعاد التي هي موقع استيطاني اقيم بصورة غير قانونية، هي من المستوطنات العنيفة في الضفة، والتي فيها يتم رعاية الفكرة التي تسمى "شارة الثمن". مؤسس هذه المستوطنة، ايتي زار، دافع بشكل علني عن شبيبة التلال، ويوجد له تاريخ من أعمال العنف ضد الفلسطينيين. زار وزملاؤه في الموقع غير القانوني هم مجموعة خطيرة من الزعران، الذين كانت دولة سليمة ستهتم بوضعهم وراء القضبان. في المحاولة التي قامت بها الدولة في 2002 لاخلائهم اصيب عشرات الجنود ورجال الشرطة. رزئيل شيفح كان حاخام هذه المجموعة.
هار براخا معروفة بسبب المدرسة الدينية التي توجد فيها والتي يقف على رأسها الحاخام اليعيزر ملماد، من الحاخامات الأكثر تطرفا في المناطق. ملماد أيد رفض الأوامر في زمن الانفصال عن غزة وكتب امور صريحة دعما لشبيبة التلال: "يجب مدح شبيبة التلال الاعزاء، الذين يضحون بحياتهم من اجل اسكان البلاد واحياء الخراب". سوية مع مستوطنة يتسهار وحباد جلعاد، فإن هار براخا تصنف مع النواة العنصرية والمتطرفة لمستوطني السامرة. ايتمار بن غال اختار العيش مع عائلته في هذا المكان والعمل فيه كمربي.
هذه أرض محكوم عليها بالعنف، التي فيها أحد الزعماء الروحانيين، حاخام يتسهار دافيد دودفيتش، لا يخشى من الدعوة لابادة الشعب الفلسطيني. في جنازة ايتمار بن غال قال دودفيتش: "نحن أصحاب البيت هنا، لا يوجد محمد واحد، هذه أمة تعيش على حد السيف مقابل أمة تقدم الخيرات للعالم. هم ليسوا شركاء في هذه البلاد، بل هم غرباء تماما، نحن الذين عدنا إلى البيت بعدل ورحمة. يحق لنا أن نقوم بابادة هذه الأمة القاتلة". هذه اقوال صريحة تحرض على ابادة شعب، حسب ميثاق الأمم المتحدة "منع ومعاقبة جريمة ابادة شعب" من العام 1948.
في تحقيق مثير للصدمة تناول المسيحانية الاستيطانية في المناطق المحتلة منذ 1967 وحتى الآن، تبين الباحثة البروفيسورة نعمة برزيل بأن شرعية طرد وقتل الفلسطينيين في المناطق التي احتلت في حرب الايام الستة كانت موجودة منذ البداية. وحسب بحثها الذي نشر مؤخرا في كتاب "المستوطنون في القلوب" (اصدار الكيبوتس الموحد)، منظرون في حركة الاستيطان للصهيونية الدينية وغوش ايمونيم، بمن فيهم الحاخام تسفي يهودا كوك، اطلقوا اقوال (بشكل عام أو بطابع ديني) بأنه لا يجب اعطاء العرب حقوق مواطنة، ويجب تشجيع هجرتهم، وهناك شرعية لقتلهم دون تمييز اثناء الصراع العسكري.
في البداية دار هذا النقاش في الغرف المغلقة في المدارس الدينية وفي الاوساط الدينية. معظم الجمهور الإسرائيلي الذي كان مفتونا من تحمس الطلائعية الجديدة مع الغرة الجميلة والقبعة المنسوجة، لم يلاحظوا ذلك على الاطلاق. الآن هذا الخطاب يجري علنا، بل يعتبر مشروع. لذلك، يجب عدم الدهشة من الاقتراحات التي تطرح علنا "حل نهائي" لمشكلة الفلسطينيين: بدء من ضم المناطق ومرورا بخطة المراحل لعضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش (البيت اليهودي) وانتهاء بالتطهير العرقي وابادة شعب، حسب اقتراح دودفيتش الصريح. وحسب عالم الاجتماع ماكس بيبر، في الدولة الحديثة الحكام المحليين لفترة ما بعد الحداثة، الذين وجدوا انفسهم فاقدين للقوة التي كانت لهم في السابق، من شأنهم تحدي صلاحيات الدولة. في الواقع الكولونيالي في بداية القرن العشرين، فإن بارونات المستوطنات واصلوا التصرف بصورة مختلفة عن التي قامت باملائها الدولة الحديثة في أوروبا.
المستوطنون البيض في افريقيا وفي وسط أميركا تصرفوا وكأن استمرار وجود الوطن والامبراطورية مرتبط بهم، وحسب رأيهم فقد كان لهم بسبب ذلك الحق في تجنيد الدولة لخدمة جميع نزواتهم. أيضا بعد الغاء العبودية حسب القانون الأوروبي، استمر مستوطنون في المانيا وفي فرنسا باعتبار السود في ناميبيا أو غينيا عبيدا، وإن كانوا لا يقومون بالاتجار بهم.
الاهانة والسلب والاستغلال الاقتصادي، كل ذلك كان من نصيب السكان الاصليين. وعندما بلغ السيل الزبى ردوا بعنف، وطلب بارونات المستوطنات المساعدة من الجيش الذي رد بعنف وقتل عشرات آلاف بني البشر. في إسرائيل لا ينقصنا هنا ساسة يؤيدون المستوطنين، والذين سيدفعون الدولة إلى طريق مشابه.
لا يوجد نقاش حول أن الإرهاب الفلسطيني قاس وعنيف، وأنه يجب الكفاح ضد اعمال قتل المدنيين. ولكن عنف الفلسطينيين يجب اعتباره أكثر من قضية اخلاقية. في واقع كولونيالي يتحول العنف إلى سلاح اجباري.
الفيلسوف فرانس فانون أكد على ميزة العنف الذي ينبع من القمع. العنف الموجه ضد الكولونيالية هو عمل يطهر فيه مجتمع السكان الاصليين نفسه من الفساد والعفن اللذان يفرضهما عليه المستوطنون. النضال العنيف حسب فانون هو علاج مهم للمرض الذي سببه الاستعباد الكولونيالي. تحرر حقيقي واعادة الاعتبار والاحترام الذي أصيب ممكن فقط عندما ترد الكولونيالية بالعنف على المس بها. والسكان الاصليون يقدمون ضحيتهم في هذا النضال.
الفلسطينيون في قطاع غزة وفي المناطق المحتلة يعيشون في هذا الواقع، حيث تتم اهانتهم وسلبهم أو حبسهم في الغيتو المكتظ الذي ظروف الحياة فيه هي من الظروف الاسوأ في العالم، وتذكر بالظروف التي سادت في غيتوات بولندا التي احتلها النازيون. الجنود يطلقون النار عليهم احيانا مثلما تطلق النار على الكلاب الضالة، ويداهمون بيوتهم في الليل ويفزعون الاولاد. مشاعر الدونية تطاردهم ومجتمعهم مفكك وهم يوجدون في وضع اعتماد مطلق على إسرائيل، وأيضا على العالم العربي والغرب، وكل ذلك يتركهم لمصيرهم. هذا العنف التراجيدي في هذه الحالة له تأثير محرر.
الاستعباد الكولونيالي هو نوع من العبودية الحديثة، الخضوع له هو فقدان الايمان بالحرية الاساسية واليأس من الأمل بالتحرر. أمة في وضع تحت انساني كهذا، لا تستطيع الخروج منه بدون نضال عنيف. عبد الكريم عادل عاصي، الذي قتل الحاخام بن غال، هو شخصية نمطية تقريبا للتراجيديا الفلسطينية: شاب منقسم في شخصيته بين إسرائيلية والدته وفلسطينية والده، ابن لأمة محطمة بين الاحتلال الكولونيالي وبين حياة أمة يتم التمييز ضدها في دولة يهودية. وهو شاب بلا عائلة يتأرجح بين الهوية الشخصية وبين المؤسسات العلاجية، وتأكله مشاعر الاضطهاد والضائقة والاهمال.
أيضا ضحيته، الحاخام ايتمار بن غال، هو شخصية نمطية للحلم الكولونيالي – المسيحاني من انتاج حرب 1967، تراجيديا إسرائيلية تدهوره نحو التحطم. طالما استمرت قبضة الضحية للشعبين الواحد بالآخر، فإن هذا التراجيديا لن تنتهي.