Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    30-Oct-2020

وزارة الثقــافـــة والفلسفــة

 الدستوور-د. محمد عبدالله القواسمة

أعلنت وزارة الثقافة الأردنية في العشرين من تشرين الأول عن تبني سياسة نشر جديدة تقوم على إصدار سلسلة من الكتب تحت عنوان «الفلسفة للشباب»، ودعت الكتاب والمفكرين إلى إنجاح مشروعها الثقافي بتأليف كتب صغيرة الحجم موجهة للشباب في موضوعات فلسفيةأساسية، مثل: المعرفة، الوجود، المنطق، الأخلاق، الجمال. وكذلك إعداد كتب تتناول المدارس الفلسفية، مثل: مدرسة الفلسفة الإسلامية، والفلسفة القديمة، والفلسفة الحديثة، وتيارات الفلسفة الغربية المعاصرة وغيرها.
يأتي الإعلان عن هذا المشروع مع دخول الدولة الأردنية مئويتها الثانية، وبمناسبة اليوم العالمي للفلسفة الذي اعتمدته منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) منذ عام 2002. وقد قررت الاحتفال به هذا العام في التاسع عشر من تشرين الثاني القادم. ويهدف مشروع وزارة الثقافة إلى تحسين قدرة الشباب على الوصول إلى المعرفة، وإدراكهم معنى الحياة، وتهيئتهم ليكونوا مواطنين فاعلين بعيدين عن العنف والتطرف والاغتراب الثقافي، من خلال تزويدهم بالمفاهيم الأساسية في الفلسفة وتعليمهم التفكير المستقل الناقد للتمييز بين الخير والشر والخطأ والصواب وسط كثرة المعلومات السطحية والمضللة في عصر التكنولوجيا.
إن في توجه وزارة الثقافة إلى طرح مشروعها الفلسفي دلالة واضحة على إدراكها أهمية الفلسفة ودورها في فهم الوجود، وطبيعة العصر، وتكوين المواطن الفاعل، ومعرفة المشاكل التي يواجهها المجتمع والطرق الناجحة لحلها. كما في هذا التوجه إعادة الاعتبار للفلسفة، وإظهار أهمية تدريسها في مدارسنا في سن مبكرة،وتقديمهامرتبطة بالحياة ومشكلاتها، وجعلها ممارسة يومية، بإقامة حوارات بين أفراد المجتمع،وخلق نقاش فلسفي يحترم التنوع وكرامة الإنسان، ويشبع روح التسامح والمحبة.
لا شك أن الحرص على نجاح هذا المشروع الثقافي لا يغيب عن بالنا الصعوبات التي تعترض طريقه؛ فهو لا يأتي ضمن منظومة فكرية وتربوية متكاملة؛ فأجيالنا الشابة، التي يتوجه إليها المشروع في الأساس لم تعتد على التفكير الفلسفي، ولم تتلق التربية الفلسفية اللازمة منذ عام 1976 عندما منعت وزارة التربية والتعليم تدريس مادة الفلسفة ضمن مناهجها التعليمية. والصعوبة الأخرى تتمثل في أن المهتمين بالفلسفة والمشتغلين بها في بلدنا، والذين دعتهم الوزارة للتأليف لم يعتادوا على إعداد هذا النوع من الكتب التعليمية الفلسفية البسيطة. ثم إن ثمة من سيقف في وجه هذا المشروع بحجة واهية وهي مخالفة الفلسفة لقواعد الدين الإسلامي الحنيف، وهي وجهة النظر نفسها المعارضة للفلسفة والتي كانت وراء منع تدريسها سابقًا.
إن هذه الصعوبات يمكن تخطيها بعودة تدريس مادة الفلسفة إلى مدارسنا، وتأسيس نظام تعليمي متكامل يتبنى الفلسفة في مراحل الطفولة المبكرة؛فالفلسفة تبدأ مع الطفل وتتجلى في طبيعته التي تميل إلى التساؤل والاندهاش.فنجد الأطفال لديهم المرونة والقدرة على التفكير، وطرح أفكار جديدة، وتطوير مهارات التواصل كالإنصات والمحادثة وامتلاك أدوات التفكير: الملاحظة والتخيل والشك والاستنتاج،والاستدلال المنطقي في بعض الأحيانثم الحكم. أما عن صعوبة تأليف الكتب الموجهة للناشئة فيمكن الاستعانة في المرحلة الأولى بالكتب الفلسفية المترجمة إلى أن يكتسب مؤلفونا الخبرة في هذا المجال. ولا ننسى ضرورة أن تتعاون المؤسسات الثقافية والإعلامية الأخرى مع وزارة الثقافة في التوعية، بأهمية الفلسفة، وضرورتها في استخدام أسلحتها لتدمير الفكر الظلامي والمتطرف.
في النهاية نرى أن المشروع الذي طرحته وزارة الثقافة تحت عنوان «الفلسفة للشباب» جاء في الوقت المناسب حيث تتكالب فيه المشاكل النفسية والاجتماعية والاقتصادية على الناس بسبب جائحة كورونا؛ فليس غير الفلسفة لمعرفة هذه المشاكل، ومواجهتها بالفكر الناقد. كما نرى أن المشروع قفزة مهمة أو خطوة رائدة على طريق تطوير الحياة الثقافية في بلدنا، وإثرائها بأفكار جديدة، ورؤى مستنيرة، تستند إلى الفلسفة سيدة الحكمة، وأداة الكشف عن حقائق الأشياء، ومعرفة السلوك.