Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Jan-2021

“سارس-كوف- 2” يتبع كتاب القواعد التطورية

 الغد-تقرير خاص – (الإيكونوميست) 2/1/2021

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
الانتخاب الطبيعي قوة جبارة. وفي ظروف ما تزال غير واضحة، أخذ هذا الانتخاب فيروس كورونا من خفاش وكيّفه مع البشر. وانتشرت النتيجة في جميع أنحاء العالم. والآن، في حدَثين مستقلين، وإنما صادف أنهما متزامنان، قام بتعديل هذا الفيروس أكثر أيضاً، فخلق تنويعات جديدة منه، والتي تحل محل النسخ الأصلية. ويبدو من المحتمل أن يصبح أحد هذه الفيروسات الجديدة نفسها في القريب شكلاً مهيمنًا من “سارس-كوف- 2”.
أصبحت المعرفة بهذين النوعين منتشرة على نطاق واسع في منتصف كانون الأول (ديسمبر). وفي بريطانيا، قامت مجموعة من الباحثين تسمى “جمعية جينوم كوفيد- 19” بنشر التسلسل الجيني للنوع المتحوّر b.1.1.7، وأخبرت مجموعة “نيرفتاغ” nervtag، وهي مجموعة تدرس التهديدات الفيروسية الناشئة، الحكومة بأن هذه النسخة من الفيروس قابلة للانتقال بنسبة 67-75 في المائة أكثر من تلك المنتشرة مسبقاً في البلد. وفي هذه الأثناء، في جنوب إفريقيا، أطلع سالم عبد الكليم، عالم الأوبئة الرائد، البلد على جميع القنوات التلفزيونية الثلاث على متغير من الفيروس يسمى501.v2، والذي كان مسؤولاً، بحلول ذلك الوقت، عما يقرب من 90 في المائة من الإصابات الجديدة بفيروس “كوفيد- 19” في مقاطعة كيب الغربية.
ردّت بريطانيا في 19 كانون الأول (ديسمبر) بتشديد القيود المفروضة مسبقاً. وجاء رد جنوب إفريقيا في 28 كانون الأول (ديسمبر)، في أعقاب تسجيل الحالة المليون من الإصابة بالمرض في البلد، بإجراءات مدّدت حظر التجول الليلي لمدة ساعتين وأعادت فرض حظر على بيع الكحول. وردت دول أخرى بوقفها بحزم أكبر من السابق أي سفر بينها وبين بريطانيا وجنوب إفريقيا. ومع ذلك، كانت هذه الإجراءات، على الأقل في حالة b.1.1.7، بمثابة إغلاق باب الإسطبل بعد أن خرج الحصان مسبقاً. فقد تم اكتشاف هذا التنويع من الفيروس الآن في عدد من البلدان إلى جانب بريطانيا -وسوف ينتشر أكثر، من هذه المواقع الجديدة أو من بريطانيا. كما تم الإبلاغ عن حالات معزولة من الفيروس المتحوّر 501.v2 خارج جنوب إفريقيا أيضًا، في أستراليا وبريطانيا واليابان وسويسرا.
حتى الآن، تشير الدلائل إلى أنه على الرغم من قابليتها الإضافية للانتقال، فإن أياً من هذه النسخ الجديدة لا يعد أكثر خطورة على أساس كل حالة على حدة من النسخ الموجودة من الفيروس. وفي هذا، يتبع كلاهما المسار الذي تنبأ به علماء الأحياء التطورية، والذي يؤدي إلى نجاح طويل الأمد لعامِل مُمْرِض جديد -أن يصبح أكثر عدوى (ما يزيد من فرصة انتقال المرض) بدلاً من أن يكون أكثر فتكًا (ما يقلل من فرص الانتقال). وكانت السرعة التي انتشر بها النوعان الجديدان مذهلة.
تم اكتشاف العينة الأولى من b.1.1.7 في 20 أيلول (سبتمبر)، إلى الجنوب الشرقي من لندن. وتم العثور على الثانية في اليوم التالي في لندن نفسها. وبعد بضعة أسابيع، في بداية تشرين الثاني (نوفمبر)، كان فيروس b.1.1.7 مسؤولاً عن نسبة 28 في المائة من الإصابات الجديدة في لندن. وبحلول الأسبوع الأول من كانون الأول (ديسمبر) ارتفعت هذه النسبة إلى 62 في المائة. وربما تكون الآن أعلى من 90 في المائة.
وللفيروس المتحور الجنوب أفريقي، 501.v2، تاريخ مماثل. فقد بدأ في مقاطعة الكاب الشرقية، ويرجع تاريخ العينات الأولى إلى منتصف تشرين الأول (أكتوبر)، وانتشر منذ ذلك الحين إلى المقاطعات الساحلية الأخرى.
يثير الارتفاع السريع لنسختي الفيروس المتحوّرتين b.1.1.7 و501.v2 العديد من الأسئلة. أحدها هو السبب في أن هذه الأنواع المتحوِّرة بالذات كانت ناجحة إلى هذا الحد. وثمة سؤال ثان هو: ما الظروف التي نشأت فيها هذه الطفرات؛ وثالث هو ما إذا كانت ستقاوم أيًا من اللقاحات الجديدة التي يتم وضعها في هذا المستضيف الآن.
تكمن إجابات أول هذه الأسئلة في جينومات هذه الفيروسات المتحوّرة. ويوضح تحقيق “جمعية جينوم كوفيد-19” في b.1.1.7 أنه يختلف بشكل مهم عن الإصدار الأصلي لفيروس “سارس-كوف- 2” في 17 مكانًا. وهذا كثير. وإضافة إلى ذلك، توجد العديد من هذه الاختلافات في جين الشوكة، وهي البروتين الذي من خلاله تلتصق فيروسات كورونا بفريستها الخلوية. وقد لفتت ثلاث من الطفرات في الشوكة انتباه الباحثين بشكل خاص.
أولاً، n501y، الذي على الحلقة 501 في سلسلة الأحماض الأمينية في الشوكة. وهذا الرابط هو جزء من بنية تسمى “مجال ربط المستقبِلات”، والتي تمتد من الروابط 319 إلى 541. وهي واحدة من ست نقاط اتصال رئيسية تساعد على تثبيت شوكة الفيروس على الخلية المستهدفة، وهي بروتين يسمى ace2 والذي يوجد على الأغشية السطحية لخلايا معينة تبطِن الممرات الهوائية في الرئتين. وتشير الأحرف في اسم الطفرة إلى استبدال حمض أميني يسمى الأسباراجين (“n”، في الاختصار البيولوجي) بآخر يسمى التايروسين (“y”). وهذا مهم لأن العمل المخبري السابق أظهر أن التغيير في الخصائص الكيميائية الذي يسببه هذا الاستبدال يربط البروتينين معًا بإحكام أكثر من المعتاد. وربما تقول شيئاً حقيقة أن هذه الطفرة المعيَّنة (وإن لم تكن أي واحدة أخرى) مشتركة مع 501.v2.
الشوكة الذهبية
أمام الطفرتان الأخريان المثيرتان للاهتمام في b.1.1.7 فهما 69-70del، والتي تطرد اثنين من الأحماض الأمينية من السلسلة تمامًا، وp681h، التي تستبدل حمضاً أمينياً آخر، الهيستيدين، بواحد يسمى البرولين في رابط السلسلة 681. وقد لفت هذا الحذف المزدوج انتباه الباحثين لأسباب عدة، ليس أقلها أنه تم العثور عليه أيضًا في نوع فيروسي أصاب بعض حيوانات المنك المستزرعة في الدنمارك في تشرين الثاني (نوفمبر)، ما تسبب في مخاوف بشأن وجود خزان حيواني لتطور المرض. ويُعد هذا الاستبدال مهمًا لأنه يقع في أحد طرفي جزء من البروتين، يسمى موقع انشقاق الفورين (الروابط 681-688)، وهو ما يساعد على تنشيط شوكة الفيروس استعدادًا لمواجهتها مع الخلية المستهدفة. وهذا الموقع غير موجود في البروتينات الشوكية لفيروسات كورونا ذات الصلة، مثل “سارس” الأصلي، وقد يكون أحد الأسباب في أن “سارس-كوف-2” شديد العدوى كما هو.
للمتحوّر الجنوب أفريقي، 501.v2، ثلاث طفرات مهمة فقط، وكلها في مجال ربط مستقبلات الشوكة. وهي، إلى جانب n501y، كل من k417n و e484k، (حيث (k وe هما حمضان أمينيان يسميان حمض ليسين وحمض الجلوتاميك). ويخضع هذان الرابطان الآخران الآن لفحص كثيف.
حتى ثلاث طفرات كبيرة تبقى كثيرة جدًا على متغير فيروسي. وسوف تكون طفرة واحدة فقط أكثر عادية. وبالتالي، فإن الـ17 تغييراً الموجودة في طفرة b.1.1.7 تشكل في الواقع شذوذًا كبيرًا جداً عن القاعدة. أما كيف اجتمعت هذه المجموعة الكبيرة من التغييرات في فيروس واحد، فهو السؤال الثاني الذي يحتاج إلى إجابة.
لدى ورقة “جمعية جينوم كوفيد-19” اقتراح. وهو أنه، بدلاً من أن يكون تراكمًا لتغييرات حدثت بالصدفة، قد يكون b.1.1.7 في حد ذاته نتيجة لعملية تطورية -لكنها واحدة حدثت في إنسان واحد ولم تحدث في مجموعة سكانية كاملة. ولاحظوا أن بعض الأشخاص يصابون بعدوى مزمنة بفيروس “كوفيد-19” لأن أجهزتهم المناعية لا تعمل بشكل صحيح، وبالتالي لا يمكنها التخلص من العدوى. وهم يفترضون أن هؤلاء الناس سيئي الحظ ربما يعملون كحاضنات لتنويعات متحوّرة جديدة من الفيروس.
وتسير النظرية على هذا النحو. في البداية، يؤدي مثل افتقار المريض للمناعة الطبيعية على هذا النحو إلى تخفيف الضغط على الفيروس، ما يسمح بمضاعفة الطفرات، والتي كان يمكن للجهاز المناعي أن يتخلص منها بخلاف ذلك. ومع ذلك، غالبًا ما يتضمن علاج “كوفيد- 19″ المزمن ما يعرف بـ”بلازما النقاهة”. ويتم جمع هذا المصل من مرضى كوفيد المتعافين، ويكون بالتالي غنياً بالأجسام المضادة لـ”سارس-كوف-2″. وكعلاج، ينجح هذا النهج في كثير من الأحيان. لكن إعطاء مثل هذا المزيج من الأجسام المضادة يفرض ضغطاً انتخابياً قوياً على ما هو الآن مجموعة فيروسية متنوعة في جسم المريض. ويعتقد الباحثون أن هذا قد يؤدي إلى نجاح التوليفات الطفرية التي لم تكن لترى النور بخلاف ذلك. ومن الممكن أن يكون b.1.1.7 واحداً من هذه التوليفات.
أما الإجابة عن السؤال الثالث -ما إذا كان أي من التنويعات الطفرية الجديدة سيقاوم اللقاحات التي يتم طرحها الآن- فهي “على الأرجح لا”. وسوف تكون مصادفة بعيدة الاحتمال إذا كانت طفرات تنتشر في غياب لقاح ستحمي الفيروس الذي يحملها من الاستجابة المناعية التي يثيرها ذلك اللقاح.
لكن هذا ليس ضمانًا للمستقبل. ويظهر الظهور السريع لهذين التنويعين الجديدين قوة التطور. وإذا كانت هناك مجموعة من الطفرات التي يمكنها الالتفاف على الاستجابة المناعية التي يحرضها اللقاح، فإن هناك احتمالاً معقولاً لأن تعثر الطبيعة عليها.
 
*نشر هذا المقال تحت عنوان: SARS-CoV-2 is following the evolutionary rule book