Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    08-Apr-2020

إبراهيم السعافين: «كورونا» وضع النّاس أمام السؤال الكبير: ما المستقبل الذي ينتظر العالم؟

 الدستور– عمر أبو الهيجاء

 
جائحة كورونا التي اجتاحت العالم وفرضت حالة من الرعب على مرافق الحياة، هذا الوباء الخطير الذي شلّ حركة الإنسان وبات الشاغل الوحيد يتحكم بمصير البشرية، في ظل هذا الحدث الوبائي الكارثي جعل حالة من الجدل بين الشعوب وصراعات كان لها الأثر الكبير من نواح عدة سياسية واقتصادية وثقافية وحتى نفسية، هذه الصراعات بين الدول الكبرى.. صراعات لبسط السيطرة على مقدرات الدول من خلال حرب بيولوجية قذرة وبشعة.. حرب تدميرية لمعنى البشرية وحياتها.
 
«الدستور» هاتفت الناقد والعلّامة الدكتور إبراهيم السعافين وتساءلت معه: هل العلم قادر أن يحد من انتشار كورونا هذا الوباء الخطير.. وهل لك أن توضح لنا رؤيتك لما هو شاغل العالم والإنسانية من وجهة نظر ثقافية وفكرية وفلسفية..؟
 
د. السعافين أشار قائلا: هذه الجائحة التي تجتاح العالم تؤكّد بالفعل أن العالم قرية صغيرة، يتأثّر كل النّاس بآثار هذه الجائحة، بغض النّظر عن اللّون والجنس والمعتقد، وبصرف النّظر عن المكانة الاجتماعية أو الاقتصادية أو الفكريّة، وبمعزلٍ عن الفروقات المتعدّدة مثل الجنس والطّبقة، والتقدّم والتخلّف. وكأن هذه الجائحة جعلت النّاس أمام سؤال كبير: ما المستقبل الذي ينتظر العالم؟ لافتا بأن العالم انشغل من قبل بالعمل على تحقيق المصالح الذّاتيّة بعيدًا عن مصلحة الكوكب كلّه، وراح يقوم بنشاطاته العلميّة والاقتصاديّة والعسكريّة في خدمة التفوّق بروح أنانيّة، لا تأبه للأخرين. ولعلّ تأمّل فكرة الاستعمار الكولونيالي توضّح هذه النّزعة الأنانيّة التي تتسلّح بالقوّة والغطرسة والجبروت والعنصريّة لتحقيق هذا الهدف؛ وهو الاستيلاء على ما تنتجه البلاد المستعمَرة من مواد خام، لتصنيعها، ثم العودة لفتح أسواقٍ لها في هذه المستعمرات لمضاعفة ثرواتها على حساب الشّعوب المستعمرة والمنهوبة والمضطهدة من دون أن تأخذ بأيديها في ميادين التطوّر في مجال التعليم والصحة والصناعة والزّراعة.
 
وأكد د. السعافين بأن المرحلة الإمبريالية لم تتخلّ أو ما بعد الكولونياليّة عن هذا الهدف، فهي على استعداد لإشعال الحروب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لتحقيق هذا الهدف. ولسنا في حاجة إلى الاستشهاد حول الجرائم البشعة التي نجمت من خلال التفكير الكولونيالي والإمبريالي. ولعل شواهد لا حصر لها تثبت أن زرع الكيان الاستيطاني في فلسطين لم يكن لمصلحة اليهود الذين كانوا يعيشون آمنين في كثير من البلدان، بل لتعزيز السيطرة على العالم العربي وشقّ مشرقه عن مغربه حتّى لا تتحقّق له وحدة سياسية واقتصاديّة، تجعله قوّة أساسيّة في العالم.
 
وأضاف د. السعافين: لقد حقّقت دول العالم المتقدّم نموًّا هائلاً في البحث العلمي ومنتجات التكنولوجيا، والتقدم الصناعي والاقتصادي والاجتماعي، وهيّأت أنظمة سياسيّة تقوم على التقدّم الرأسمالي، جنبًا إلى جنب مع سيطرة إعلاميّة بوصفها النّموذج الأمثل في العالم، حتى تسرّبت المقولات الإعلاميّة إلى الدّوائر الثّقافيّة، فلم يعد للمفكّرين والفلاسفة وأصحاب العقول الرّاجحة في الغرب دور أساسي في قيادة الأمم، وأصبح الإعلام التّجاري هو الموجّه والمثقِّف. وأصبح العالم الثّاني أو النّامي أشبه بنسخة مشوّهة عن هذا العالم الافتراضي الذي يصوّره عالم الإعلام الافتراضي. وأصبحت الدّول النّامية تلهث راضية أو مضطرّة لمجاراة نموذج العالم المتقدّم، من غير أن يُسمح لها باللّحاق بركب العالم المتقدّم، لأنها ببساطة يجب أن تبقى سوق استهلاك، وساحة نفوذ، وإن تمرّدت، فثمّة أكثر من وسيلة لثنيها عن هدفها وجرّها إلى طريق الصّواب.
 
وبيّن السعافين: بأن الجميع الآن يُدرك أنّ العالم قرية واحدة، وأنّ الإعلام لا ينجح حتّى السّاعة في تسويق مقولاته الكبيرة، لأنّه أمام جائحة غير مسبوقة على هذا النّحو. الجائحة تضرب في أعتى مراكز الاقتصاد العالمي: الولايات المتّحدة، والصّين، وأوروبا، وتجد هذه المراكز نفسها أمام أسئلة وجوديّة كبيرة: الموت والحياة، والعدالة والحرية وصعوبة الاختيار، وعدم القدرة بسهولة على اتخاذ القرار. كم تغنّت بحقوق الإنسان، وكم أعطت من ميزات لكبار السن أو ذوي الإعاقة في التشريعات، وتفاجأ الآن أنّ كلّ شيءٍ على المحكّ.
 
وقال: في رأيي أن أشياء كثيرة ستتغيّر بعد أن تزول هذه الجائحة، سواءٌ أكانت الخسائر محدودة أم جسيمة، سيكتب الفلاسفة والمفكّرون، وسيجتهد علماء الاجتماع والسّياسة والاقتصاد، وسيعاد النّظر في المنظومات الصحيّة في العالم، وربّما يدعو العقلاء إلى ترشيد الاستهلاك، وعدم البذخ ربّما في ما ينفق بحق أو بغير حق على الملاهي، وربّما أيضًا على الرّياضة. ولكن من المؤكّد أنّ لعبة الاقتصاد ستتغيّر، وربّما نشهد بالتدريج سقوطًا لإمبراطوريّات سياسيّة أو اقتصاديّة. كلّ هذه الأمور ظنيّة لا يمكن أن يكون حدوثها حاسمًا. وكلّ ما نرجوه أن تفيد الحكومات والشّعوب العربيّة من هذه الجائحة لتفكّر بعمق في رؤية المستقبل.
 
وخلص إلى القول: أما الأمر الذي لا يدعو للتّفاؤل، فهو ما يترتّب على هذه الجائحة من عنف اجتماعي خطير نتيجة للاختلال المرعب في حياة الناس الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وأخطر من ذلك سيطرة النزعة الفرديّة العنصريّة الأنانيّة التي ستتشبّث برؤيتها للمعادلة في الحياة على هذا الكوكب، هذه المعادلة التي تقوم على ثنائية القوّة والضّعف، من دون أن تؤثّر هذه الجائحة الكونيّة العابرة للقارات في ميزان الأخلاق. فليس من المتوقّع أن تعيد القوى الكبرى النّظر في تهيئة هذا الكوكب ليكون مكانًا آمنًا، يعمل الباحثون والعلماء يدًا واحدة لدرء الأمراض والأوبئة، يتّسع لكلّ من فيه بعيدًا عن تكديس أسلحة الدّمار الشّامل النوويّة والبيولوجيّة، والتّهديد بالحروب والقوّة الغاشمة.