Monday 11th of November 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Oct-2024

الجولة الثالثة” بين باسم يوسف وبيرس مورغان… النقاش السياسي وقد أصبح ترفيهاً !
درج
 
 فراس دالاتي
 
بعد الحديث عن الإبادة كمفهوم وكفعل، والحق بالمقاومة، والإفراط في التدخل والابتزاز السياسي الإسرائيلي في السياستين الأميركية والبريطانية، اختُتم حوار باسم يوسف وبيرس مورغان بتبادل النصائح حول ما يمكن تقديمه في برامج المواهب التي وقّع الثنائي عقودها مؤخراً وتبجُّح مورغان بتفضيل بعض النساء إقامة علاقة معه بدلاً من براد بيت عندما ظهر على غلاف مجلة “التايم”!

مضى عام على مقابلة الـ “أحّا” التي ظهر فيها الكوميديان المصري الأميركي باسم يوسف مع الإعلامي البريطاني بيرس مورغان في برنامج “Piers Morgan Uncesored”، التي شكّلت، من بين أمورٍ عديدة، قبلة الحياة في مسيرة الأول الذي كان يتنقّل بين العروض الكوميدية المحلية ذات المستوى الثالث في الولايات المتحدة، وأصبح بعدها “نجماً” تستضيفه كبريات وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية وبرامج البودكاست، والمُحفّز للثاني على إطلاق قناة على يوتيوب تحوَّلت إلى مليونية خلال مدة قياسية.

أجرى الثنائي مقابلة أخرى حينها وجهاً لوجه في مدينة لوس أنجلس أخذت طابعاً أكثر جدية وهدوءاً و”عقلانية” من نقاش الـ “أحّا” الذي دار في المقابلة الأولى التي أُجريت عبر الإنترنت. ولم تحظ بنصف السمعة والانتشار اللذين حازتهما الأولى. والآن، ومن دون إعلانٍ مبكّر، نشر بيرس مورغان بوستر إعلاني أقرب ما يكون إلى إعلانات نِزالات المُلاكمة مُعلناً قرب “المواجهة الثانية وجهاً لوجه مع باسم يوسف”، بحسب وصفه.

بعد التحية والترحيب، يبدأ بيرس مقابلته بتوجيه حديثه إلى الجمهور، من خلال النظر إلى باسم يوسف وهو في الاستديو، أن هذه المرة سيحدث النقاش بين الثنائي في “مدينته” لندن، بعدما ما أجريا الجولة الأولى في “مدينة إقامة باسم يوسف” لوس أنجلوس. إذاً نحن أمام استعارة من جولات الدوريات الكبرى في كرة القدم، حيث يلعب كل من الطرفين جولة على “أرضه” وبين جمهوره في ذهاب وإياب.

أما الرقم الأهمّ، الذي استُهلّت به المقابلة وشكّل انطلاقة الحوار هو أنه “مرَّ عام على مقابلتنا الأولى التي حصدت 23 مليون مشاهدة على يوتيوب وما أزال أتلقّى أسئلة وتعليقات حولها”، بحسب مورغان. برغم وجود أرقام أخرى، كان بالإمكان الاستهلال بها على افتراض أنها محور الحديث؛ كما يروّج الثنائي، على سبيل المثال لا الحصر، مرور 481 يوماً على حرب الإبادة في غزة، أو سقوط 42792 ضحية بفعلها، حتى كتابة هذه الكلمات.

وفيما كان من الممكن أن تكون المقابلة مناقشة جوهرية حول حرب الإبادة نفسها، وحول حجم وكمّ التغيّرات التي طرأت على الخريطة والسياسة بعد مرور أكثر من عام على اندلاعها، انحدرت إلى ما يمكن اعتباره حديثاً يدور في الأسبوع الأول من الحرب حول هجوم السابع من أكتوبر نفسه؛ حيث يحاضر باسم بمفاهيم الاحتلال والحصار و”تصرّف الناس كحيوانات إذا عاملتهم على أنهم كذلك”، ويكرر بيرس السؤال الأزلي حول “ما هو الرد الإسرائيلي المناسب في رأيك؟”.

 وفي غضون ذلك، وبينما كان كل من الطرفين يجتزئ من تقرير الأمم المتحدة حول ادّعاءات العنف الجنسي في كل من الأراضي الفلسطينية والإسرائيلية خلال الحرب، في فقرة بدت كـ “فريستايل بيف” بين مُغنيَي راب، كان من الممكن رؤية وجه باسم يوسف وهو يضحك من عدم تصديق ردود بيرس، وهي الأدائية المثالية لهكذا “عرض”.

بالطبع، كانت النقاشات السياسية تنطوي دائماً على عنصر الأداء، وهناك العديد من التقاليد التي تجسّدت في التاريخ السياسي وُجدت لتوصيل رسالة أو قصة أكثر من كونها تؤدي غرضاً أو تحقق هدفاً أسمى، ومع ذلك، يهيمن “فن” وضرورة “الأداء  السياسي على المنصة” على الأجندة والأفكار السياسية نفسها، ولجملة من الأسباب.

إقرأوا أيضاً:


هذه الحرب التي لا يمكن أن نقاومها بالسخرية

نهب المساعدات في غزة… عصابات منظّمة بغطاء إسرائيلي!
“الأداء السياسي”
تعود ظاهرة “الأداء السياسي” لعقود، لكنها بدأت باتخاذ شكلها الصارخ مع قدوم دونالد ترامب، الذي كان رجل أعمال ونجم “تلفزيون واقع” قبل كل شيء، وقد حقّق فوزه الرئاسي في عام 2016 جزئياً، لأنه كان “مسلياً” أكثر من نظيرته هيلاري كلينتون. لقد تجنب التقاليد، واستفز خصومه وأثارهم، وتصدّر عناوين الأخبار مراراً وتكراراً بتصريحات شنيعة صُممت للترفيه وجذب الجمهور، وتماهى مع ذلك الخط الفاصل عند المتلقّين بين السياسة والترفيه و”الإفّيهات”.

وعلى نحو مماثل، يستحوذ الهوس بالمظهر والأرقام على المقابلات والبرامج التي يُفترض بها أنها سياسية. وهذا ما تحدّث به الثنائي في مقابلتهما الأخيرة عندما واجه بيرس باسم بأن الأخير قال إن الأول لا يهتم سوى بالمشاهدات وإشعال التريندات، ليردّ عليه بـ “هذا عملك، بيرس، ومن حقك ملاحقة ذلك”، وربما هنا نصل إلى لبّ القضية، فكما غيّرت المناظرات الرئاسية التلفزيونية السياسة، فإن وسائل التواصل الاجتماعي، والأخبار على مدار الساعة، ووسائل الإعلام الجديد كانت لها حصّتها من المساهمة في ذلك التغيير أيضاً.

بفضل تلك الوسائل، صار الوصول إلى السياسة والتأثير فيها والتأثّر بها أكبر من أي وقت مضى. وبفضل تلك الوسائل أيضاً، لم يعد هناك نهاية للضوضاء والتشتيت. لقد منحتنا وسائل التواصل الاجتماعي ومجمع الترفيه وصولاً غير مسبوق وتأثيراً كبيراً في السياسة لا يمكن التشكيك في حجمه. 

وفي نهاية المطاف، هذا هو السبب الذي يجعل مُعدّي هذا النوع من المقابلات يعتمدون تحضير الأسئلة القصيرة والسريعة، مع ترك تعليمات لدى الضيوف بأن تكون الإجابات كذلك أيضاً؛ حتى يُصار لاحقاً إلى تقطيعها إلى “رييلز” قصيرة، يمكن بعد ذلك لفرق التسويق استخدامها في عملية الترويج، مع ترك نهايات مشوّقة (Cliffhanger) من الحوار في نهاية الإعلان كما في الإعلانات التي سبقت المقابلة الأخيرة ونشرها الثنائي على صفحاتهما.

 سطوة الـReels
عندما يتحوَّل كل شيء إلى صنفٍ جديد من الترفيه، حيث كل شيء مصمم لاستهلاك الجماهير، وحيث يمكننا أن نتابع كل التصرفات على الشاشة ونشاهد أصغر خطأ يتم ارتكابه من قبل الظاهرين عليها، يصبح بإمكاننا أن “نسلّط الضوء” على كل شاردة وواردة تُقال وتظهر، فتتضخَّم الضوضاء وترتفع الأرقام. يبدو الوصول سهلاً وسريعاً، ويبدو التأثير في متناول أيدينا من خلال اجتزاء “الرييلز” والتعليق عليها، ومع ذلك، تبقى كل هذه الضوضاء مجرّد ضوضاء.

إن “الرييلز” السياسية (أو ربما سياسة الرييلز) باعتبارها زاوية ترفيهية تقوم بجوهرها على التشتيت، وعلى التصفح الذي لا نهاية له للأخبار والاستهلاك المستمر للمعلومات، والمؤدية بالتبعية إلى الانجراف المتزايد نحو الميمات والسخرية السياسية، وإلى التقييم القاسي والمفرط للشخصيات العامة بصفتهم “مشاهير” عوضاً عما يقدّمونه من أفكار، وفي نهاية المطاف إلى إفراغ حياتنا السياسية والعامة.

بعد الحديث عن الإبادة كمفهوم وكفعل، والحق بالمقاومة، والإفراط في التدخل والابتزاز السياسي الإسرائيلي في السياستين الأميركية والبريطانية، اختُتم حوار باسم يوسف وبيرس مورغان بتبادل النصائح حول ما يمكن تقديمه في برامج المواهب التي وقّع الثنائي عقودها مؤخراً (إذ انضمَّ يوسف إلى لجنة تحكيم Arab’s Got Talent وعاد مورجان إلى لجنة تحكيم Britain’s Got Talent) وتبجُّح مورغان بتفضيل بعض النساء إقامة علاقة معه بدلاً من براد بيت عندما ظهر على غلاف مجلة “التايم”!