الغد-هآرتس
عاموس هرئيل
28/10/2024
خلافا للانطباع الذي كان من شأنه أن يتولد من جزء من التقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن هجوم سلاح الجو في إيران ليس وبحق هو نهاية الأمر. المعضلة تنتقل الآن إلى يد النظام في طهران: فهم يتساءلون هل يجب علينا الرد، بأي قوة ومتى؟. التصريحات الأولية التي تسمع من هناك تدل كما يبدو على نية إيران العمل ضد إسرائيل. الإيرانيون يجب عليهم التقرير إذا كانوا سيقومون بذلك بقوة محدودة من خلال الرغبة في أن ينهوا رغم ذلك فيما بعد المواجهة، أو أنه يجب العمل حتى قبل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة بعد ثمانية أيام.
من خلال الإدراك بأن إيران يتوقع كما يبدو أن ترد فإن المستوى الأمني في إسرائيل، الدفاع والهجوم، بقي مستعدا. أيضا القوات الأميركية في المنطقة وبطارية صواريخ الاعتراض "ثاد" التي نشرت في البلاد ووحدات ووسائل قتالية أخرى توجد في المنطقة، ما زالت في مستوى عال من الاستعداد. الجنرال احتياط تمير هايمن، رئيس معهد بحوث الأمن القومي، بحث أول من أمس مع الـ "بودكاست" (البث المسموع لهآرتس) بأن التصريحات التي أسمعها النظام في طهران استهدفت إعطاء الزعيم الأعلى في إيران علي خامنئي أقصى درجة من المرونة في القرار. هايمان قال أيضا، الذي كان رئيس شعبة الاستخبارات السابق في الجيش الإسرائيلي، إن الضباب يحافظ على الاحتمالات التي توجد لدى الزعيم مفتوحة.
وحسب قوله فإن جزءا كبيرا من الاعتبارات في بلورة الرد يتعلق بالصورة المأسور فيها النظام في الساحة الداخلية في يد الجمهور الإيراني. المواطنون يقلقون من الصعوبات الاقتصادية وقمع حرية التعبير، لكن حتى الآن هم يعتبرون إيران دولة قوية تدافع عن نفسها بنجاح أمام أعدائها. إطلاق الصواريخ، الأول من نوعه الذي شهدته إيران منذ نهاية الحرب مع العراق في نهاية الثمانينيات، يقوض الشعور بالأمان في أوساط المواطنين، وهو يمكن أن يدفع خامنئي إلى قرار بشأن الرد الذي قوته غير معروفة في هذه الأثناء.
في جهاز الأمن ما زالوا ينشغلون في محاولة تقدير الأضرار التي تكبدتها إيران بسبب الهجوم. الانطباع حتى الآن إيجابي: يبدو أن سلاح الجو الذي اعتمد على معلومات دقيقة وتخطيط دقيق، نجح في ضرب بشكل قوي منظومة صواريخ أرض – جو الإستراتيجية لإيران، وشل وسائل الكشف في غرب الدولة وتشويش لأشهر كثيرة قادمة منظومة إنتاج الصواريخ والمسيرات. ضمن أمور أخرى، نشر عن تدمير 12 "خلاطات كوكبية"، وهي جزء مهم لإنتاج الصواريخ البالستية. مع ذلك، تطرح إمكانية أن تختار روسيا تزويد إيران قريبا بمنظومات مضادة للطائرات من نوع متقدم أكثر، اس 400، في محاولة لإصلاح الانطباع بأن منظومات الدفاع الروسية تمت هزيمتها في مواجهة الطائرات الغربية التي استخدمتها إسرائيل.
مثلما في مراحل سابقة في الحرب فإن الأجسام الأكثر إهانة في الجيش الإسرائيلي على خلفية الاحتجاج ضد الانقلاب النظامي والمذبحة في 7 تشرين أول (أكتوبر) – سلاح الجو والاستخبارات العسكرية "أمان" – هي التي وقفت من وراء النجاح العملياتي المميز والأول في نوعه. الطيارون الذين تم وصفهم بمجموعة خطيرة من "الكابلانيين اليساريين" وقادتهم – الذي اتهموا بالتسامح المبالغ فيه تجاههم – قدموا مرة أخرى إسهامهم الذي لا يمكن الاستخفاف به بالنسبة لأمن الدولة. ومثلما أن الالتزام المدني لديهم أفشل في السنة الماضية خطة الحكومة للقيام بانقلاب ضد الديمقراطية، هكذا هم يساعدون في الدفاع عن الدولة الآن. في ذروة المواجهة حول الانقلاب يجب التذكر بأن رئيس الحكومة نتنياهو قال إنه يفضل التنازل عن سربين من الطائرات القتالية على خلفية تهديدات الطيارين في الاحتياط بوقف التطوع على التراجع عن خططه.
تشرين أول (أكتوبر)، الذي لم ينته بعد، يتميز بأنه الشهر الأكثر صعوبة بالنسبة لخسائر إسرائيل منذ بداية السنة الحالية. أمس سمح بنشر أن خمسة جنود احتياط قتلوا في مواجهة في جنوب لبنان في يوم السبت الماضي بعد الظهر وأصيب 14 جنديا، خمسة منهم في حالة حرجة. القتلى والمصابون هم من رجال لواء ألون (228)، وهو لواء مشاة في قيادة المنطقة الشمالية ويرتكز على خريجي الناحل. إضافة إلى ذلك الجيش الإسرائيلي أعلن أول من أمس بأن جنديا من لواء جفعاتي، الذي أصيب في بداية الشهر في شمال القطاع، توفي متأثرا بجراحه. في اليومين الآخيرين سجل عشرة قتلى من جنود الاحتياط في مواجهات مختلفة في لبنان. أول من أمس كذلك قتل مواطن إسرائيلي فيما يبدو عملية دهس قرب القواعد العسكرية في غليلوت، وعشرات المواطنين والجنود أصيبوا في هذه العملية.
الحكومة تعرض النجاحات العملياتية الأخيرة في غزة وفي إيران وفي لبنان كدليل لتبرير إستراتيجيتها والحاجة إلى الاستمرار في القتال في كل الجبهات. عمليا، لا يمكن تجاهل الثمن المقرون بمواصلة القتال طوال الوقت. الخطر الأكبر يكمن في لبنان، بالتحديد في الساحة التي فيها نشاطات الجيش الإسرائيلي تؤدي إلى نتائج جيدة. حزب الله يوجد الآن في منحى معين للتعافي بعد تعيين قادة جدد بدلا من الكثير من القادة الذين قتلوا في الهجمات الإسرائيلية. ربما هنا يحدث سفك مستمر للدماء، الذي سيغير بالتدريج ايضا نظرة الجمهور بالنسبة للحاجة إلى مواصلة القتال. في عدد غير قليل من الحالات السابقة، حرب لبنان الأولى والتواجد في المنطقة الأمنية في لبنان في التسعينيات والانفصال عن قطاع غزة في 2005، فإن الخسائر الكثيرة أوجدت الضغط على الحكومات (من بينها حكومات يمينية) وأدت إلى تغيير سياستها، بما في ذلك الموافقة على الانسحاب.
إيران ووكلاؤها يمكنهم إدارة حرب استنزاف ضد إسرائيل والتي ستشمل الازعاج المستمر أيضا للجبهة الداخلية، في شمال البلاد وفي المركز. رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، نجح في تحقيق استقرار سياسي عندما تم ضم جدعون ساعر وثلاثة أعضاء كنيست في قائمته. ولكن هذا الاستقرار سيقف في نهاية المطاف في الامتحان إزاء إطالة الحرب وارتفاع عدد المصابين. في الخلفية يقف غضب الجمهور المتزايد حول مسألة عدم المساواة في توزيع عبء الخدمة العسكرية. نتنياهو، بضغط من شركائه الحريديين في الائتلاف وأمام التهديد من قبل المحكمة العليا، يصمم على الدفع قدما بقانون الإعفاء الفضائحي، الذي سيعطي إعفاء ساحقا من الخدمة في الجيش الإسرائيلي للشباب الحريديين. عدد من قتلوا في الحرب وحقيقة عبء خدمة الاحتياط والتضحية، يقع على جزء مقلص جدا من السكان، الأمر الذي سيبرز الأزمة السياسية ويمكن أن يصعب عليه مواصلة إدارة الحرب كما يشاء.
الخلافات حول مواصلة الحرب تنقسم حسب الخط الفاصل بين اليمين – اليسار – الوسط، لكن ربما يمكن وصف ذلك أيضا كنقاش بين المتفائلين والمتشائمين. نتنياهو ومؤيدوه يلاحظون وجود فرصة لتعميق التغييرات في الشرق الاوسط. فبعد الضربات التي تكبدها حزب الله وحماس، والهجوم الأخير في إيران، هم يعتقدون أنه يمكن الاستمرار في إضعاف المحور الشيعي الراديكالي في المنطقة إلى درجة المس بالمشروع النووي الإيراني، وحتى الدعوة (التي أسمعها أيضا مؤخرا رئيس الحكومة نفسه) إلى إسقاط النظام في إيران على يد الشعب. في المقابل، من يؤيدون إنهاء الحرب يخشون من أن إسرائيل آخذة في التورط في عدد كبير من الجبهات. هم يعتقدون أن معظم الإنجازات العملياتية التي كان يمكن تحقيقها تم استنفادها.
الدليل على هذا التوتر كان يمكن إيجاده في احتفال الذكرى بالمذبحة أول من أمس. وزير الدفاع يوآف غالنت، المؤشر اليقظ في حكومة اليمين المتطرفة والوزير الوحيد الذي تشير الاستطلاعات برأي ايجابي للناخبين حول أداءه، قال في الخطاب الذي القاه في الاحتفال بأن "حماس وحزب الله لم يعودا يشكلان أداة ناجعة في يد إيران. هذه الإنجازات المهمة تخلق تغيير في علاقات القوة.. لا يمكن تحقيق أي هدف بعملية عسكرية. القوة ليست كل شيء. عندما نأتي إلى تنفيذ واجبنا الأخلاقي والقيمي لإعادة المخطوفين إلى بيوتهم فنحن نحتاج إلى تقديم تنازلات مؤلمة".
نتنياهو في المقابل وعد في خطابه بالاستمرار في "العمل بزخم كبير إلى حين استكمال النصر". وعندما صعد لإلقاء خطابه قاطعه بعض أبناء العائلات الثكلى بهتافات الاستهجان. هذا العداء الذي يظهر ايضا في اوساط الجمهور الواسع يرتبط ايضا بمواصلة الحرب وتصميمه على احباط تحقيق رسمي في الاخفاقات ورفضه الحازم للتوصل إلى صفقة تبادل. المفاوضات مع دول الوساطة استؤنفت أول من أمس في قطر، وقادة كبار في حماس، اقترحوا إطلاق سراح جميع المخطوفين الموجودين في يد حماس، مقابل إطلاق سراح عدد كبير من السجناء الفلسطينيين والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من كل أجزاء القطاع.
هذا وقت حرج لاتخاذ قرارات حاسمة، ليس فقط في قضية المخطوفين. اليمين يقول إنه خلال "ثمانية أيام" سيكون بالإمكان معرفة إذا كان الجيش الإسرائيلي سيغرق للمرة الثالثة في الوحل اللبناني أو أنه سيقلص تواجده هناك، وإسرائيل ستسعى إلى اتفاق سياسي ينهي الحرب ضد حزب الله. نتنياهو، كما يبدو، غير متسرع في الذهاب إلى أي مكان، هو سيفضل انتظار نتائج الانتخابات الأميركية في 5 تشرين الثاني (نوفمبر)، قبل القيام بخطوة سياسية مهمة، وقبل ذلك ربما سيكون هناك هجوم آخر من إيران.