Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    15-Jun-2019

“تيانانمين” سوداني؟ المتظاهرون المؤيدون للديمقراطية يُذبَحون في الخرطوم

 الغد-تقرير خاص – (الإيكونوميست) 6/6/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
ربما يكون لجوء الطغمة العسكرية السريع إلى استخدام العنف قد زاد من خطر نشوب حرب أهلية في البلد. وربما كان بوسعها أن تترك زخم الاحتجاجات ينفد تدريجياً. لكنها عمدت بدلاً من ذلك إلى إطلاق العنان للموت قبل بداية عيد الفطر مباشرة. ويقول طبيب من الخرطوم: “لن تسامحهم البلاد مطلقاً على قتلهم الأبرياء في اليوم السابق للعيد”.
 
* *
الخرطوم، السودان – حيث كانت رائحة الحرية تعبق في الهواء قبل أسابيع فحسب، حلت الآن رائحة الدخان ومخلفات الذخائر. وأخلت أصوات الأغاني المبتهجة مكانها لأصوات البنادق الأتوماتيكية وصرخات الاحتضار. في الساعات الأولى من يوم 3 حزيران (يونيو)، تحركت القوات المسلحة السودانية ضد المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية، الذين كانوا يقيمون اعتصاماً مستمراً منذ شهر نيسان (أبريل) خارج مقر قيادة الجيش في الخرطوم؛ عاصمة السودان. وأطلق الجنود النار على المعتصمين وقتلوا أكثر من 100 شخص، بمن فيهم بعض الأطفال. وكان كل ما تبقى من كرنفال الديمقراطية الذي أزهر هناك مجرد خيام محترقة وكوام من النفايات والأنقاض.
كان هذا أسوأ عنف يشهده البلد منذ أن أطاحت المظاهرات الشعبية بالدكتاتور الوحشي في السودان، عمر البشير، في نيسان (أبريل). وكان المشهد هو الأكثر بشاعة على الإطلاق أيضاً. فقد تعرض الناس للجلد والاغتصاب والنهب. وتم قذف جثث القتلى في النيل. وتعرض الأطباء الذين كانوا يحاولون معالجة الجرحى للضرب وإطلاق النار. وفي أم درمان، عبر النهر، قام رجال الإنقاذ بالتقاط جثث الأشخاص الذين تم إلقاؤهم في الماء، وهم يصرخون، من على ظهر جسر.
شبَّه سكان العاصمة السودانية المذبحة بالفظائع التي ارتكبتها القوات الحكومية وميليشياتها خلال الحروب الأهلية الطويلة في السودان. وليس من قبيل الصدفة أن يكون الجزء الأكبر من إراقة الدماء التي حدثت الأسبوع الماضي من عمل قوات الدعم السريع، وهي قوة شبه عسكرية مرتبطة بالجنجويد، الميليشيا المسؤولة عن عمليات الإبادة الجماعية في دارفور. والآن، يقوم يذرع الآلاف من عناصر هذه القوات شوارع الخرطوم بلا توقف. 
في 3 حزيران (يونيو)، قام المجلس العسكري الانتقالي، الذي تولى السلطة بعد سقوط البشير، بإغلاق شبكات الإنترنت والهاتف. وقال رئيسه، عبد الفتاح برهان، إن المجلس العسكري سيشكل حكومة مؤقتة وسوف يجري انتخابات في غضون تسعة أشهر. وقد رفضت جمعية المهنيين السودانيين، التي قادت الانتفاضة منذ بدئها في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، هذه الخطة.
كانت المتاعب تختمر منذ أسابيع. وكان المتظاهرون والمجلس العسكري يتصارعون حول من سيحكم انتقال البلاد إلى الديمقراطية. وقد اتفق المفاوضون على بعض القضايا، مثل إنشاء برلمان وحكومة بقيادة مدنية، وبدء مرحلة انتقالية مدتها ثلاث سنوات قبل إجراء انتخابات. لكن المحادثات توقفت عند القضية الصعبة والخلافية بعمق: مَن سيكون مسؤولاً عن أعلى هيئة لصنع القرار في البلاد، المجلس السيادي.
في محاولة لكسر الجمود وتحريك المأزق، أعلن المتظاهرون إضراباً وطنياً، بينما تحولت أنظار المجلس العسكري إلى نائب رئيسه القوي، محمد حمدان دقلو (المعروف على نطاق واسع باسم حيمدتي) وقوات الدعم السريع التابعة له. وكان دقلو، الذي عمل سابقاً في تجارة الإبل وترك الدراسة في المرحلة الابتدائية، قد برز بعد أن حول عشيرته من البدو العرب في دارفور إلى عصابة من الجنجويد. وقام راكبو الخيول من تلك الميليشيا بقمع تمرد حدث قبل 15 عاماً عن طريق حرق القرى، وقتل المدنيين واغتصاب النساء اللواتي لم يتمكنَّ من الفرار.
واليوم، شجع المال والدعم الدبلوماسي من بعض الأنظمة العربية المناهضة للديمقراطية المجلس العسكري. وكان السيد دقلو قد أرسل في السابق ما لا يقل عن 3.000 من المرتزقة للقتال في اليمن. وتتمتع قواته بتجهيز جيد وبالصلابة التي تصنعها خبرة المعارك، ولديه أصدقاء أثرياء. وقد تمت بسرعة تلبية دعوة المجلس العسكري إلى تقديم المساعدة المالية، فأرسلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة 500 مليون دولار ووعدتا بتقديم مبلغ 2.5 مليار دولار لاحقاً. ويُعتقد أن قوات الأمن المصرية، التي ليست غريبة عن الانقلابات، قدمت له المشورة.
ومع ذلك، ربما يكون لجوء الطغمة العسكرية السريع إلى استخدام العنف قد زاد من خطر نشوب حرب أهلية في البلد. وربما كان بوسعها أن تترك زخم الاحتجاجات ينفد تدريجياً. لكنها عمدت بدلاً من ذلك إلى إطلاق العنان للموت قبل بداية العيد مباشرة، وهو الاحتفال الإسلامي بنهاية شهر رمضان. ويقول طبيب من الخرطوم: “لن تسامحهم البلاد مطلقاً على قتل الأبرياء في اليوم السابق للعيد”. ويقال إن الجنود ورجال الشرطة غير المنتمين إلى قوات الدعم السريع غاضبون من إراقة الدماء. وقد تمردت القوات في العديد من الحاميات وحاولت اقتحام مخازن السلاح من أجل الاستيلاء على الأسلحة لمحاربة قوات الدعم السريع.
تثير عمليات القتل الأخيرة السودان أسئلة حول المكان الذي تتواجد فيه السلطة بالضبط. ثمة اعتقاد بأن السيد قلو، الذي ينفي تنظيم أعمال العنف التي جرت في الخرطوم (تدّعي الحكومة أيضاً أن قوات الدعم السريع لم تكن متورطة)، لديه طموحات رئاسية. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه قد يسعى إلى تقويض أي عملية انتقال يمكن أن تضعف موقفه. ويقول مجدي الجزولي من “معهد ريفت فالي”، وهو مركز أبحاث، إن قلو “يحتاج إلى سلطة الدولة لحماية مصالحه. إنه يقوم فعلياً بإرهاب سكان الخرطوم من أجل إجبارهم على الخضوع”.
وهو ليس الوحيد الذي لديه حافز لإحباط الديمقراطية. فقد أبقى البشير نفسه في السلطة لمدة 30 عاماً من خلال تأليب الفصائل السودانية ضد بعضها بعضا. ويخشى الكثيرون في المجلس العسكري قدوم نظام جديد، خاصة إذا كان سيرسخ حكم القانون. ويخشى البعض من مواجهة العدالة ولمحاسبة على الفظائع التي ارتُكبت في دارفور أو في الأماكن الأخرى.
ومع ذلك، تعطي عمليات القتل الأخيرة كبار الضباط سبباً إضافياً للقلق. ويقول أحمد كودودة، المحلل السياسي، إن الطغمة العسكرية “هي أساساً في القارب نفسه بالضبط مع البشير”، الذي يواجه تهماً في المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.
في الوقت نفسه، يشعر المتظاهرون بالغضب الشديد من الخيانة التي تتعرض لها ثورتهم الديمقراطية. وترد التقارير من “الحاج يوسف”؛ أحد الأحياء النائية بالخرطوم، عن احتجاجات جديدة تم قمعها بقوة النار. وفي ممرات المستشفى المحلي، يردد الأطباء والمرضى على حد سواء أغاني الاحتجاج، متعهدين بعدم التخلي عن نضالهم.
قد يتطلب تجنب نشوب حرب أهلية في السودان إجراء مقايضات بين العدالة والسلام. وقد أدانت الأطراف الخارجية، بما في ذلك الحكومات الغربية والاتحاد الأفريقي، أعمال العنف الأخيرة في الخرطوم ودعوا إلى عملية انتقالية بقيادة مدنية. لكن الكثيرين، بما في ذلك بريطانيا، يصرون أيضاً على محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب وتسليمهم إلى المحكمة الجنائية الدولية. ومكمن الخوف هو أن السودان قد يحصل على واحد فقط من هذين المطلبين، أو أن لا يحصل على أي منها أيضاً.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Sudan’s Tiananmen?: Pro-democracy protesters are slaughtered in Khartoum