Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Dec-2017

النّافذة... - د. لانا مامكغ

الراي -  أن يُصرَّ رجلُ أعمال ثريُّ على الاحتفاظ بأكياسٍ بلاستيكيّة مستعملة في مخزنٍ خاص،لأمرٌ يثيرُ الاستغراب إن لم يكن الاستهجان، لكن هذا ما اعترف به الملياردير « كريستوفر جاردنر « في لقاء تلفزيوني سابقٍ له مع « اوبرا وينفري « ، أمّا دافعه لذلك فكان، حسب قوله، أنَّ لا قلبه، ولا ذاكرته يطيعانه على التّخلصّ من أشياء كانت بالنّسبة له مغنماً ثميناً في زمنٍ مضى... زمن الفقر والتّشرّد مع طفله الصّغير حين كانا يُضطران للمبيت في محطّات القطارات ، أو في الحمّامات العامّة... ولم يكن ثمّة وسيلة لحملِ ثيابهما الرّثة القليلة من مكانٍ لآخر سوى تلك الأكياس التي كان يتعبُ كثيراً في الحصول عليها !

السّيد « جاردنر « صرّح أيضاً أنَّ زوجته كانت قد هجرته بسبب فقره تاركةً الصّغير في رعايته وهو المتشرّد بلا تعليم ولا عمل... ثمَّ ليتدرّج من قاع الفقرِ إلى قمّة النّجاح والثراء في رحلةٍ شاقّة.
 
سيرةُ حياته تلك التي صدرت في كتاب حملَ عنوان « البحث عن السّعادة « سجّلت أعلى مبيعات، ثمَّ لتتلقفها إحدى شركات الإنتاج السينمائي فتحوّلها إلى فيلمٍ سينمائي بالعنوان ذاته Happiness of Pursuit The «”وتعطي البطولة للممثل العالمي « ويل سميث « فيؤدّي دورَ المتشرّد مع ابنه الحقيقي هو، فيتأهل بعدَها لنيلِ جائزة الأوسكار على أدائه الاستثنائي للدّور.
 
ما دفعني لاستذكار تلك الشخصيّة، كان الحديثُ العابر مع بعض الطّلبة الجامعيين، وفي سياق أحد الدّروس، عن تعلّق الإنسان بأشياء لا قيمة لها في نظر الآخرين، لكنّها تعني له الكثير... ثمَّ لأكتشف أنَّ أيّاً منهم لم يسمع بالفيلم... قلت في نفسي: « عادي، فليكن، فالفيلم كان قد أنتجَ قبل ما يقارب العقد من الزّمان.
 
أمّا الذي لم يكن عادّياً، فكان سؤالي الآخر الذي جاء في سياقٍ مختلف، وهو مناقشة أيّ الحوّاس أهمّ، فشرحتُ عن أهمّية حاسّة السّمع مقارنة مع حاسّة البصر، وأنَّ الأصم يتحوّل إلى أبكم بالضّرورة، وعلاقة تلك الحاسّة بتنمية الذّكاء... إلخ ، وبأنَّ واحدة من المحن العديدة التي يعاني منها الأشخاص حين يسجنون انفرادياً هي افتقادهم للأصوات البشرية، لأستشهدَ بتجربة « نلسون مانديلا «... فكانت الصّدمة، إذ لم يسمع بذلك الاسم إلا اثنان من أصل خمسةٍ وأربعين طالباً وطالبة !
 
هنا، لا فائدة من تكرار التّباكي على هذا الجيل كونه غير مهتمٍ بالقراءة، فالمشكلة من وجهة نظري أعمق وأعقد، فهذا الجيل في غالبيته يفتقدُ إلى الثّقافة الجماليّة والعاطفيّة، العواطف لديهم مختزلة في موضوع الانجذاب الفطري للجنس الآخر لا غير، في حين أنَّ الاطّلاعَ على سِيَر حياة الاخرين قد تشكّلُ رصيداً إنسانيّاً ثريّاً يحصّنهم من أعراض الانغلاق والعصبيّة للهوّيات الضيّقة، ويحميهم من مهاوي السّطحيّة واللامبالاة !
ما هو الحلّ؟ باختصار، السّينما هي الحلّ... ففي حين ارتبطَ معنى هذه الكلمة بالكثير من الانطباعات السّلبيّة في ثقافتنا، إلا أنَّ الوقتَ قد حانَ لإنصافِ ذلك الفنِّ وتلك الجهود العالميّة إذا أحسنّا انتقاء الأفلام ذات الطّروحات « النّظيفة « الموضوعيّة النّبيلة التي تحتفي بالجوامع الإنسانيّة بين البشر، فيدركُ أبناؤنا جمالَ التّوافق والاختلاف في آنٍ معاً، فالسّينما نافذةٌ على المتعة والدّهشة والمعرفة والمُثل العليا، إذ تنجحُ بعض الأفلام في تكريس قيمٍ جميلة لدى المتلّقي أكثر بكثير ممّا تفعله النّصائح والمواعظ، والمحاضرات الممّلة !
ماذا لو بادرت الجامعات لتخصيص ساعاتٍ لعرض مثل تلك الأفلام القيّمة ؟ لعلّها نافذةٌ رحبة يرون منها تجاربَ إنسانيّة غنيّة، بالصّوت والصّورة؛ بالّلون والإضاءة والموسيقى ، بالحوار والمشاعرِ والأفكار... وجماليّات ما سمّي بالفن السّابع !
فما فائدة أن نخرّجَ آلاف الطّلبة بشهاداتٍ صمّاء كلّ عام دون أن يكتسبوا الحدّ الأدنى من ثقافة الإحساس، وتذوّق الاختلاف، وفنّ التّعامل مع الحياة والانتصار لها... في زمنٍ يتفنّنُ في سحقِ إنسانيتنا كلَّ يوم !