Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Nov-2017

أطفال يرفضون الذهاب للمدارس بسبب الضرب.. و"التربية" تؤكد جديتها بمكافحته ‘‘تربية‘‘ بالعصا: عقاب مدرسي يهز شخصية الطفل ويشرعن للعنف

 

نادين النمري
 
عمان -الغد-  "كفّي إذا ما وصّلك البشير بوصّلك المقبرة"، كانت هذه العبارة التي استقبل بها معلم في أحد المدارس الحكومية طلبة الصف الرابع في اليوم الأول من العام الدراسي.
ينقل هذا التهديد، عبدالله (اسم مستعار) وهو طالب في الصف الرابع في إحدى مدارس طبربور، وهو يروي تجربته في مدرسته الجديدة، بعد أن أنهى دراسة 3 أعوام في المدرسة الأساسية المختلطة. وقد اعتقد عبدالله ورفاقه، بداية، أن ما قاله الأستاذ "مجرد تهديد وكلام عابر"، لكنهم اكتشفوا لاحقا، أن "البرابيش والعصي هي الرفيق الدائم للمعلمين لضبط الغرفة الصفية والانتظام في الساحة"، وفق قولهم.
وتعرض عبدالله للضرب بـ"البربيش" مرتين مرة بسبب عدم التزامه بالوقوف مستقيما في الطابور المدرسي، والمرة الثانية لأنه تحدث مع زميله في الصف.
"الأساتذة بضربوا لأنهم بيقولوا عنا بنغلّب، يعني المدرسة منيحة بس لو ما بيضربوا بالبربيش بصير أحبها أكثر"، يقول عبدالله.
أما والدته من ناحيتها، "فلا ترى ضيرا في الضرب بحد ذاته باعتباره وسيلة لضبط الصف"، لكن احتجاجها هو على استخدام "الضرب المبرح". وتقول: "هدول ولاد صغار الضرب بالبربيش بوجع وبترك أثر حرام".
وتتابع الأم: "بالمدرسة الأساسية كان في ضرب من قبل المعلمات، بس يعني عالخفيف، قرصة خفيفة أو ضربة على الإيد، يعني الوضع كان مقبول، لكن من لما انتقل عبدالله على المدرسة الجديدة صار الوضع أصعب، الضرب مؤلم وعم بأثر على رغبته بالذهاب للمدرسة، علما إنه ابني نوعا ما أكثر التزاما من غيره، والطلاب الآخرون ينضربون أكثر".
واختارت والدة عبدالله عدم التقدم بشكوى لإدارة المدرسة أو مديرية التربية والتعليم التي تتبع لها المدرسة، مبررة ذلك "بخوفها من ردة فعل معاكسة من المعلمين تجاه ابنها".
وعلى العكس من والدة عبدالله، اختارت أم يزيد مواجهة المعلمة والمديرة في حادثة الضرب التي تعرض لها ابنها، وتقول "ابني اليوم في الصف الثالث، كانت أول حادثة تعرض لها في الصف الأول من قبل معلمة، والسبب عدم التزامه بالطابور، ضربته كف على وجهه".
وراجعت الأم مديرة المدرسة، التي اتخذت إجراء مع المعلمة وطلبت منها عدم تكرار ذلك السلوك العنيف مع الأطفال.
وتقول أم يزيد: "ما رجع انضرب الولد، بس شعرت إنه المعلمة كانت تتقصد إهماله، نقلته من المقعد الأمامي إلى الخلفي، وما كانت تتابع معه، كانت تعامله كأنه مش موجود بالصف".
والعام الماضي تعرض يزيد لجرح في أذنه، حيث تقول الأم: "كان في علامة إظفر على أذنه، رفض يحكي شو صار معاه، بعد إلحاح والده قال إنه المعلمة شدته من أذنه وجرحته".
راجع الأب المدرسة وطلب لقاء المديرة، فأنكرت المديرة أن تكون الإصابة من المعلمة، وبعد فترة أقرت المعلمة للأم أن شدتها في التعامل "الهدف منها تحقيق مصلحة الطلبة ولضمان تحصيل علمي أفضل لهم".
وفي بداية العام الحالي، دعت مديرة المدرسة التي يدرس فيها يزيد، الأمهات إلى اجتماع لمناقشة مسألة الضرب في المدرسة، وشاركت أم يزيد وغيرها من الأمهات في الاجتماع، معتقدات أن الغاية منه إعلان عن سياسة جديدة في التعامل مع المدرس او إعلان المدرسة "خالية من العنف"، لكن فوجئت الأمهات بما ورد على لسان المديرة.
قالت المديرة حرفيا: "حتى لو ابنك انضرب من معلمة، ما تنبهوا ولادكم إنه الضرب غلط أو ممنوع، هيك بتقوى عين الولد على المعلمة وبنفقد القدرة على ضبط الصف، وهذا الحكي مش بمصلحة ولادكم".
وكان من المفترض أن ينتقل يزيد العام المقبل إلى مدرسة للذكور، لكن تشعر أمه بقلق أكبر من المدرسة الأخرى، حيث تقول "الانضباط هناك أقل بكثير، العنف مش بس من الأساتذة، الأسوأ العنف اللي بمارسه الطلبة الأكبر سنا على الطلبة الصغار، وقصص التنمر".
والتحق نجل صفاء بذات المدرسة التي ينوي يزيد الالتحاق بها قبل ثلاثة أعوام، وهي تقول لـ"الغد": "يعاني ابني من فرط الحركة، وتم تقييمه في مؤسسة نور الحسين بأنه مصاب بفرط الحركة الشديد، رغم ذلك فمعدل ذكائه كان طبيعيا".
وتضيف: "كان ابني مصدر إزعاج للمعلمين، ولم يكونوا على دراية بالطريقة المناسبة للتعامل معه، فتعرض للضرب أكثر من مرة، إلى أن قامت المعلمة بمسكه من أذنيه وضرب رأسه بالطاولة عدة مرات، وكانت تلك الحادثة كفيلة بجعل ابني يكره المدرسة، وبعد أن أنهى الصف الرابع انقطع عن المدرسة تماما، ويرفض الذهاب لها، واليوم يفترض أن يكون في الصف السابع، وأنا أشعر باليأس".
وبحسب مسح العنف اللفظي والجسدي الذي يتعرض له طلبة الصفوف من الرابع الى التاسع، الصادر عن وزارة التربية والتعليم ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) للعام 2011، "بلغت نسبة العنف الجسدي في العام 2009 نحو 40.3 %، وترتفع هذه النسبة بين الطلبة الذكور لتصل إلى 62 %، وتنخفض بين الإناث لتصل إلى 21.7 %".
ووفقا لذات الدراسة، "انخفضت هذه النسبة في العام 2011 لتصل إلى 29.3 % بعد تنفيذ حملة (معا للحد من العنف في المدارس) التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم مع (اليونيسيف) العام 2009".
ولا تقتصر مسألة العنف على المدارس الرسمية، فللمدارس الخاصة أيضا نصيب، حيث تروي أم محمد التي التقتها "الغد" في مقر مؤسسة الرواد في جبل النظيف، التي أطلقت حملة (من أجلكم) قبل عامين، للحد من العنف في المدارس، تجربة ابنها مع "التعنيف الجماعي" في مدرسته الخاصة.
تقول أم محمد: "خلال الفترة بين الحصتين، خرج عدد من الطلبة من الصف وشاغبوا في الممر، وفور دخول المعلمة كانت ردة فعلها معاقبة الجميع بالضرب بالعصا".
وتتابع: "ميزة المدارس الخاصة بالنسبة لي كانت أنها أكثر أمنا وانضباطا، لكن مع غياب عنصر الأمن وتعرض ابني للضرب نقلته العام الحالي إلى مدرسة حكومية، صحيح توجد مشاكل في الانضباط لكن ابني متفوق، وعدم انضباط زملائه لن يؤثر عليه".
أيضا، كان وليد طالبا في المدرسة الخاصة ذاتها التي كان يدرس فيها محمد، و"تعرض للضرب مرتين، واحدة من المعلمة بسبب عدم انضباطه في الصف، والمرة الثانية من قبل سائق باص المدرسة"، وفي ذلك تقول الأم: "لا أعرف أين كانت مرافقة الباص، المفترض أنها مسؤولة عن ضبط النظام في الباص وليس السائق".
ومنذ بداية العام الدراسي الحالي، سجل عدد من حالات العنف المدرسي، بعضها وصل إلى الإعلام كقضية الطالب في الصف الثالث محمد الزيود، الذي "تعرض للضرب من قبل معلمة الصف في مدرسة بمنطقة وادي السير"، وأظهر التقرير الطبي "إصابة الطفل بجروح قطعية على خده تحت عينه اليسرى"، كما شهدت المدارس أيضا حالات عنف معاكسة، ومنها "حالات اعتداء طلبة في المراحل العليا على أساتذتهم، واعتداء أولياء أمور على الطلبة".
ودفعت هذه الحالات وزير التربية والتعليم عمر الرزاز إلى الدعوة لإطلاق حوار وطني معمق ومسؤول ينتهي بمنظومة أخلاقية قانونية لصيانة حرمة المدرسة وعدم المس بهيبة المعلم ومؤسسات الدولة. 
وتبع تصريحات الوزير بفترة قصيرة، إطلاق الوزارة، بالشراكة مع نقابة المعلمين، ميثاق مدونات السلوك المدني التربوي للمؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة، الذي يهدف إلى بناء علاقات تفاعلية وإيجابية بين كافة أفراد المجتمع المدرسي من طلبة ومعلمين ومشرفين وإدارات مدرسية والمجتمع المحلي.
وركز الميثاق على رسالة تربوية مفادها "نحو علاقة تربوية، آمنة، خالية من العنف، ومحفزة للإبداع"، لكن خبراء يرون أن هناك حاجة ماسة لبرامج تطبيقية واسعة المدى تشمل أكبر عدد ممكن من المدارس وليس عينة مختارة لمعالجة تحدي العنف.
ويرى أولئك الخبراء أن "العنف المدرسي ليس سوى حلقة عنف ينتقل بها الطفل المعنف في مدرسته خلال سنوات الدراسة الأولى، إلى يافع عنيف في سنوات الصفوف العليا"، محذرين من أن "الاستمرار في استخدام الضرب كوسيلة تأديبية لن تكون له سوى آثار سلبية على الطفل، على المدى القصير، لجهة أدائه المدرسي، وكذلك على المدى الطويل بإكساب الطفل سلوك العنف باعتباره أسلوب التعامل في حل التحديات".
وفي هذا السياق، تقول أخصائية الطفولة والإرشاد الوالدي سيرسا قورشة، إن "الضرب تحت ما يسمى (التأديب) في المدراس، يعتبر نوعا من أنواع الإساءة والعنف الواقعة على الطفل"، مضيفة "قد يعتقد بعض المعلمين أن الضرب وسيلة تحقق نتائج، لكنه في الحقيقة وإن حقق تغييرا على المدى القصير، لكنه على المدى البعيد لن يعدل السلوك بل يزيده سلبية".
وتوضح أن "الدراسات تظهر أن الأطفال الذين يتعرضون للعنف في الصف، يصعب عليهم التركيز خلال الحصة، إلى جانب أن مشاركتهم تكون أقل من غيرهم".
وتتابع: "ما دام الطفل يقضي أغلب وقته في المدرسة، فإن لم تكن المدرسة آمنة وخالية من العنف، كيف نتوقع أن يدرس ويتعلم الطفل؟".
وتلفت قورشة من جانب آخر، إلى أن "المعلم قدوة ونموذج، فإذا عالج الإحباط والغضب المتكون لديه من الطلبة عن طريق الضرب، فهو بذلك يعلم تلاميذه درسا في الحياة بأن الضرب هو الوسيلة للتعامل مع الغضب والإحباط، وهذا يلغي كل الجهود السابقة في إكساب الأطفال قيما إيجابية في التعامل وإدارة غضبهم".
ويتفق القائم بأعمال عميد كلية اللغات والاتصال في الجامعة الأميركية في مادبا الدكتورة وفاء الخضرا مع قورشة في الرأي، بقولها إن "استخدام الضرب مع الطلبة في المراحل المبكرة لا يساهم سوى في تعزيز سلوكيات العنف لدى الأطفال، فالضرب ليس سوى دعوة للطلبة لتهميش العقل واستخدام العنف كوسيلة للتعبير عن ردات الفعل".
وتتابع الخضرا: "لذلك غالبا ما نجد الأطفال المعنفين أشخاصا عنيفين في محيطهم عند وصولهم سن البلوغ، وهذا سبب ما تعانيه بعض المدارس من تنمر، وغياب الانضباط، وحتى عنف الطلبة تجاه المعلمين، كل ذلك يرتبط بتعرض الطلبة أنفسهم في مرحلة سابقة للعنف"، مؤكدة أن "تعزيز ثقافة الحوار وسياسة الثواب والعقاب غير العنيف، هو الأداة الأنسب لإكساب الطلبة قيما أخلاقية وتربوية إيجابية".
وفي العام 2015، أطلقت مؤسسة رواد التنمية في جبل النظيف مبادرة بعنوان "من أجلكم"، للحد من العنف في المدراس.
وبحسب المديرة الإقليمية للمؤسسة سمر دودين، فإن الحملة تضم أهالي تعرض أطفالهم للعنف المدرسي، مؤكدة أن الحملة تمكنت منتصف العام الماضي من الوصول إلى 12 مدرسة، واستفاد منها 165 طفلا، بينما بلغ عدد التدخلات الناجحة التي أوقفت العنف في بعض المدارس إلى نحو 48 حالة.
ووفقا لدودين، "أوكلت الحملة 9 فرق ضاغطة من الأهالي والمتضامنين معهم، للتدخل الإداري والمساءلة القانونية في 48 قضية عنف واقعة على الأطفال بين عمر 6 إلى 12 مدرسة في منطقة جبل النظيف في عمان الشرقية عن طريق ممارسة الأهالي، لحق المساءلة الإدارية والقانونية".
وتقول دودين: "من الحالات التي تعاملنا معها، لمسنا إخفاقا وعدم دراية لدى المعلمين في أساليب التعامل مع الأطفال، وخصائص نموهم وتطورهم، فالطفل يجب أن يتعلم عبر التفاعل الاجتماعي والبحث والتقصي، لكن الواقع أن غالبية الطلبة يتلقون علومهم عبر التلقين والصراخ".
وتزيد: "تقع غالبية حالات العنف على الطلبة في الصفوف الدنيا، ولا يبدو أن هناك معرفة في التعامل مع الاحتياجات الفردية للطلبة أو أساليب إدارة الغرف الصفية".
وتلفت كذلك إلى "الآلية المعقدة للتبليغ عن حالات العنف، فالتقدم بشكوى يتطلب مراجعة المستشفيات للحصول على تقرير طبي، فضلا عن الشكوى في المخفر، ولذا فإن آلية التبليغ عن حالات العنف في المدارس غير صديقة للطفل، ولا تراعي احتياجاته".
لكن الناطق السابق باسم نقابة المعلمين التربوي أيمن العكور، فيدعو إلى "النظر إلى مشكلة العنف المدرسي من منظور أكبر وهو العنف المجتمعي".
ويقول العكور: "العنف ليس مسألة مقتصرة على المدارس، لكنه ظاهرة مجتمعية موجودة في كل المؤسسات والأحياء والأسر نفسها".
ويقر العكور بأن "المؤسسات التعليمية يجب أن يكون لها الدور الأكبر في كسر ظاهرة العنف المجتمعي، على اعتبار أن جزءا أساسيا من التنشئة الأجيال تكون في المدراس، لكن من غير المنصف إلقاء المسؤولية كاملة على المعلمين".
ويتابع: "بشكلها الحالي فإن تعليمات الانضباط المدرسي ليست كافية، والمسألة ليست في التعليمات بحد ذاتها، إنما أيضا بمدى تطبيقها على أرض الواقع والالتزام بها".
ويلفت كذلك إلى "غياب برامج تأهيل المعلمين بالطريقة الصحيحة للتعامل مع الطلبة في المراحل العمرية المختلفة"، حيث يقول: "غالبا تكون حالات استخدام العنف عند الأساتذة الجدد، وهي أقل بين نظرائهم الأقدم بحكم الخبرة في التعامل مع الطلبة".
ويتابع: "تنص تعليمات الوزارة على منع الضرب كوسيلة للتأديب، لكن في المقابل تغيب برامج التأهيل المعرفي والميداني، وبرامج التدريب على طرق التعامل، والعلاقات بين المعلمين والطلبة"، مضيفا: "لا يكفي أن نقول للمعلم لا تضرب أو لا تمارس العنف، أو نهدده بالعقوبات إذا لم يسبق ذلك تأهيل وتدريب كافيان بصورة حقيقية وليس شكلية".
ويتفق الناطق الإعلامي لوزارة التربية والتعليم وليد الجلاد مع العكور في الرأي، لافتا إلى ميثاق مدونات السلوك المدني والتربوي التي أطلقتها الوزارة الأسبوع الماضي لمعالجة هذا التحدي.
وأكد الجلاد في ذات الوقت، أن "الميثاق ليس مجرد وثيقة إنما سيتبعه تطبيق عملي لمعالجة العنف المدرسي"، موضحا أن الوزارة شكلت فريق عمل لإعداد برنامج تدريب يتعلق بمدونة السلوك والقواعد السلوكية، كما أن هذا الفريق سيتابع تنفيذ المدونة ويقدم الدعم والتوجيه الفني واللوجستي، ويعد خطة للمتابعة وإعداد وتنفيذ المدونات في الميدان".
ويزيد: "سيعمل الفريق كذلك على تطوير الدليل الإجرائي اللازم، بما يسهم في إيجاد بيئة مدرسية آمنة خالية من العنف، إلى جانب تضمن الدليل بدائل العقاب البدني والعنف بكل أشكاله".
ويوضح أن "لدى الوزارة سياسة حازمة تجاه رفض العنف في المدارس"، لافتا إلى الخط الساخن للتبيلغ عن حالات الإساءة ضد الأطفال.
ويتابع أنه "خطة الوزارة تتضمن كذلك، زيادة عدد المرشدين التربويين وتفعيل دورهم وتأهيلهم وتدريبهم"، مبينا أن "الوزارة تأخذ ملف العنف المدرسي بجدية، وهي تعمل حاليا على مكافحته بالتعاون مع شركائها، وتحديدا نقابة المعلمين و"اليونيسيف".