Friday 26th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Feb-2018

الارتقاء إلى مستوى التحدي - د. نبيل الشريف

 الراي - رغم أن بلدنا عاش دائما على حد السيف إلا أن المرحلة التي نعيشها حاليا تحفل بتحديات غير مسبوقة وأعباء مفروضة على الجميع لم يسبق لها أن اجتمعت علينا كلها بهذا الشكل المتزامن.

 
فهناك أولا الأوضاع الإقتصادية الصعبة والمؤشرات غير المريحة في مجالي العجز والمدديونية والتي دفعت بالحكومة لإتخاذ إجراءات شديدة الوطأة على الكثير من المواطنين. ورغم أن أوضاعنا الإقتصادية كانت دائما غير مريحة، إلا أن ظروفنا الحالية تزامنت أو ربما تفاقمت بسبب توقف الدعم من أشقائنا وحلفائنا التقليديين نتيجة لما يمرون به هم أنفسهم من ظروف غير مسبوقة وخلافات بينية.
 
كما أن وجود الإدارة الأميركية الحالية وإصدارها قرارها المتهور باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل يشكل أحد المتغيرات الرئيسة في واقعنا السياسي، فقد كنا لعقود طويلة جزءا من دائرة الإهتمام الأميركي المباشر، ولكن الأمور تغيرت في الشهور الماضية ويمكن أن نشهد مزيدا من الضغوط من قبل الإدارة الأميركية لثنينا عن مواقفنا المبدأية خصوصا فيما يتعلق بالقدس ، ومحاولة تمرير» صفقة القرن» المشبوهة التي سيعلن عن تفاصيلها قريبا.
 
لقد وصلت إدارة ترامب والحكومة الإسرائيلية إلى قناعة مفادها أن اللحظة التاريخية الراهنة مؤاتية لفرض الأمر الواقع على الفلسطينيين وإخراج القدس من معادلة التفاوض وإنهاء ملف اللاجئين بإعادة التوطين وإعطاء السلطة الفلسطينية إدارة حكم ذاتي لبعض المناطق الفلسطينية مع عاصمة في رام االله أو أبو ديس! والعجيب أن الإدارتين الأميركية والإسرائيلية مقتنعتان تماما أن الفلسطينيين سيقبلون كل ماهو معروض عليهم دون أية معارضة!
 
اور عاقل أدنى شك أن كل هذه التصورات الخيالية التي تراود إدارتي ترامب ونتنياهو ستبوء بالفشل الذريع في نهاية الأمر وأن لانصيب لها من النجاح على أرض الواقع، ولكن المنطقة كلها ستتعرض لزلزال سياسي حقيقي في المرحلة القادمة في محاولة لفرض هذه الخطوات على الفلسطينيين. إذا كانت هذه هي أبرز ملامح المرحلة القادمة والتي تحمل في طياتها تحديات جوهرية وغير مسبوقة لنا، فماهو السبيل للإرتقاء إلى مستوى التحدي لتجاوز هذه المرحلة الصعبة القادمة بأقل الكلف؟ إن أولى الخطوات الواجب اتخاذها هي تعزيز التواصل مع الناس وشرح هذه الظروف والأوضاع بشكل مقنع يصبح فيه المواطن شريكا حقيقيا في تجاوز تلك التطورات القادمة وتبعاتها. فالمشكلة الآن تكمن في إعتقاد عدد من الناس أنه كان بالإمكان إتخاذ خطوات اقتصادية غير التي اتخذت والتي تحمل فيها المواطن أعباء جديدة تفوق قدرات الكثيرين على تحملها.
 
وأحسب أن هذا راجع لعدم وصول الرسالة بشكل واضح حول الأسباب الموجبة لإتخاذ تلك القرارات. والمطلوب ليس فقط تقديم المزيد من الشرح عن أسباب ماتم إتخاذه من خطوات ولكن تزويد الناس أيضا بمعلومات وافية حول التطورات السياسية المحتملة في المرحلة القادمة وإنعكاساتها علينا والتأكيد على ضرورة إبداء أعلى درجات الوعي والتماسك ورص الصفوف. وقد أثبت مواطننا على الدوام أنه على درجة كبيرة من الوعي وتغليب الصالح العام إذا ماشرحت له الظروف والأخطار شرحا مقنعا. وإذا كان الأردن يتعرض لضغوط نتيجة تمسكه بموقفه الوطني والقومي بالقدس ، فإن كثيرين سيعذرون صانع القرار لإتخاذ هذه الخطوات والإجراءات الإقتصادية الصعبة ، فمبادئنا وقيمنا ومقدساتنا لاتدخل ضمن دائرة المساومة والمقايضة.
 
أما الجانب الآخر المطلوب تفعيله فهو زيادة ترشيد الإنفاق الحكومي. وقد أحسن رئيس الوزراء صنعا عندما سافر إلى الولايات المتحدة على نفقته الخاصة لتلقي العلاج. والجميع يدرك أن التوفير هنا لن ينقذ الإقتصاد ولكنه يرسل رسالة في غاية الأهمية للجميع أن رئيس الحكومة بدأ بنفسه في ترشيد الإنفاق، والمطلوب أن يحذو حذوه الجميع. فالحكومة، بمعنى آخر، لاتطالب المواطنين بشد الأحزمة على البطون بينما تواصل هي الإنفاق كالمعتاد ولكنها تبدأ بنفسها قبل مطالبة الآخرين بذلك.
 
ومن الضروري أيضا تفعيل قيم التكافل والتضامن داخل المجتمع، فسكان الشارع الواحد أو الحي الواحد في المدينة أو البلدة أو القرية أوالمخيم هم الأدرى بأصحاب الحاجات من الأسر المستورة بينهم. ومن المهم تفعيل هذه القيم الإجتماعية الحميدة في هذه الظروف بعيدا عما يمكن أن تقدمه المؤسسات والصناديق والجمعيات الرسمية، فالمعاناة أكبر من أن تتحملها جهة أو جهات بعينها والمطلوب أن يسهم كل المقتدرين في تلمس وتلبية حاجات أبناء الوطن في هذه الظروف.
 
لايساورنا شك في قدرة بلدنا على تجاوز المرحلة الحالية والقادمة، فلديه قيادة هاشمية حكيمة مستنيرة وحريصة على مصالح الوطن، كما أن شعبه معروف بوعيه وحرصه على أمن وإستقرار بلده. ولكن الخطوات المذكورة من شأنها تعزيز قدرتنا على إجتياز تحديات المرحلة الحالية ومواجهة ماقد يحدث من أحداث وتطورات قد يشهدها الإقليم في المرحلة القادمة.