Friday 3rd of May 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Apr-2024

الخلاف بين أميركا وإسرائيل حول رفح مجرد إلهاء‏

 الغد-ميراف زونسزين* - (مجلة تايم) 4/4/2024

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
منذ بضعة أشهر الآن، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مرارًا وتكرارًا باستحضار اسم المدينة الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة: ‏‏رفح‏‏. وقد هددت حكومته حركة "حماس" بلا كلل وقطعت لشعبها وعدًا بأنها ‏‏سترسل في القريب قوات برية‏‏ إلى هذا الجزء الوحيد من غزة الذي لم تغزُه إسرائيل حتى الآن. ‏‏ويلوِّح نتنياهو بهذا التهديد‏‏ في كل اجتماع ومؤتمر صحفي تقريبًا، من دون أن يأتي على ذكر حقيقة أن القوة البشرية واللوجستيات اللازمة لتجنيد قوات الجيش الإسرائيلي المطلوبة وإجلاء السكان المدنيين الفلسطينيين سيتطلب تنظيمها أسابيع. ولم تبدأ هذه العملية بعد.‏
 
 
‏لكنَّ هناك معركة أخرى ما تزال جارية على قدم وساق. ‏‏فقد ردت‏‏ الولايات المتحدة بحزم على خطة نتنياهو لاجتياح رفح، حتى مع أنها استمرت في دعم المجهود الحربي الإسرائيلي. ومع وجود أكثر من مليون ‏‏من الفلسطينيين النازحين الداخليين الذين‏‏ لجأوا إلى رفح، من المؤكد أن تؤدي عملية برية تقوم بها إسرائيل إلى تفاقم الكارثة الإنسانية التي تتكشف في غزة. وتلوح مخاطر وقوع إصابات ووفيات جماعية، ومحاولة الفلسطينيين اليائسين ‏‏الفرار إلى مصر‏‏، في الأفق بشكل كبير. وقد أشارت كل من مصر والولايات المتحدة إلى معارضتهما القوية لمثل هذا السيناريو الذي يمكن أن يزيد من زعزعة استقرار المنطقة. وتصر الولايات المتحدة على أن تجد إسرائيل بدائل أخرى وأن تبقي مثل هذه العملية محدودة، وأن تتخذ خطوات لحماية السكان المدنيين. وفي اجتماع افتراضي عقد في بدايات نيسان (أبريل) الحالي، ألقى مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ‏‏شكوكًا جدية‏‏ على قدرة إسرائيل على إجلاء وحماية الفلسطينيين في رفح.‏
في المقابل، تطرح إسرائيل حجة عسكرية، وتصف العملية في رفح بأنها ضرورية لهزيمة كتائب "حماس" الأربع المتبقية، وغيرها من المقاتلين الذين فروا إلى هناك؛ وتدمير البنية التحتية العسكرية لـ"حماس"؛ والسيطرة على الحدود بين مصر وغزة لمنع تهريب الأسلحة. ‏‏وقال‏‏ نتنياهو صراحة لبلينكن، الشهر الماضي، إن إسرائيل ستدخل رفح، سواء كان ذلك بموافقة الولايات المتحدة أو من دونها. وفي حين أننا لا نعرف بالضبط ما يدور في رأس نتنياهو، فإننا نعلم أن إسرائيل لا تستطيع شن هذه الحرب من ‏‏دون دعم الولايات المتحدة‏‏. وهكذا، مرة أخرى، لا يمكن أن تُنفذ عملية رفح في أي وقت قريب لأسباب لوجستية.‏
لا تعدو تهديدات نتنياهو بشن عملية برية وشيكة في رفع كونها مجرد تهديد -على الرغم من أنها يمكن أن تخدم أغراضا عدة، منها: أولاً، من خلال الضغط على "حماس"، تزيد هذه العملية من قوة موقف إسرائيل في المفاوضات نحو التوصل إلى ‏‏اتفاق بشأن الرهائن‏‏ (على الرغم من أن هذا لا يبدو أنه حقق نجاحًا). كما أن التهديد هو أيضًا وسيلة يستخدمها نتنياهو لإرضاء قاعدة دعمه، عن طريق التأكيد أن إسرائيل ستعمل في غزة كيفما تشاء، حتى في مواجهة تحذيرات واشنطن نفسها. وقد تكون هذه التهديدات أيضًا حيلة يستعملها نتنياهو لكي يتمكن من القول، في المستقبل، إن السبب في عدم تمكن إسرائيل من هزيمة "حماس" بالكامل كان معارضة الولايات المتحدة لغزو بري كبير في رفح.‏
كما أن تسليط الضوء على رفح يخدم غرضًا آخر أيضًا. سواء كان ذلك عن قصد أم لا، يقوم إبقاء الاهتمام الدولي منصباً على جنوب غزة بصرف الانتباه عن الوضع الكارثي الذي يتكشف في شمال غزة، حيث ‏‏يواجه الفلسطينيون مجاعة جماعية‏‏، وحيث تُظهر الانهيارات في النظام إخفاقات (أو سمات) استراتيجية الحرب الإسرائيلية. ما يزال القادة الإسرائيليون يصرون على أنهم لا يستطيعون كسب الحرب من دون هزيمة ما تبقى من "حماس" في رفح. لكن القيام بذلك سيترك آلافا عدة من مقاتلي "حماس" سليمين، وقد تبدو العواقب مشابهة إلى حد كبير لما يحدث مُسبقًا في شمال غزة، وإنما أسوأ. ذلك لأن التحدي الرئيسي الذي تواجهه إسرائيل لا يكمن فقط تفكيك قدرات "حماس" العسكرية، وإنما أيضًا (وبشكل أساسي) في تقويض حكمها -ومعرفة ما الذي يجب استبدالها به.‏
إن سؤال المليون دولار الذي لم يتمكن القادة الإسرائيليون من الإجابة عنه هو: من هو الطرف الذي سيحكم غزة؟ وكانت إسرائيل قد قالت إنها لن تحتل غزة بعد الحرب، وإن "حماس" لا يمكن أن تبقى، وإن ‏‏السلطة الفلسطينية‏‏ الحالية في الضفة الغربية لا يمكن أن تتولى زمام الأمور في غزة أيضًا.‏
‏إن الواقع المادي هو أن إسرائيل قسمت القطاع إلى نصفين، وفصلت الشمال عن الجنوب. وقد احتلت الشمال وأفرغته من سكانه إلى حد كبير، وأنشأت ‏‏منطقة عازلة‏‏ على طول الحدود مع إسرائيل على ما تبلغ مساحته نحو 16 في المائة من أراضي غزة. وتسيطر القوات الإسرائيلية على شمال غزة منذ أشهر، وتجد نفسها في حاجة إلى القيام بعمليات متكررة حتى تمنع "حماس" من إعادة تأكيد نفسها هناك. كما يترتب على إسرائيل إحباط الكمائن والهجمات التي تُشن على قواتها والتي قال الجيش الإسرائيلي إنه يتوقع أن تستمر في شكل حرب عصابات في جميع أنحاء القطاع لسنوات مقبلة. ومع ذلك، يجب عليها أيضاً، وبشكل أساسي، إزالة "حماس" ككيان إداري يفرض النظام العام ويحافظ عليه ويشرف على توزيع المساعدات الإنسانية. ويبدو هذا أبعد ما يكون عن التحقق في هذه المرحلة، بعد أكثر من ستة أشهر من الحرب.‏
ثم سيترتب على إسرائيل أن تجد شيئًا ليحل محلها. فقد تسبب انهيار سلطة "حماس" الحاكمة، إلى جانب جهود إسرائيل ‏‏لإزالة (الأونروا)‏‏، وكالة الأمم المتحدة المكلفة بخدمة اللاجئين الفلسطينيين، في خلق فراغ أمني ولوجستي لم تقم إسرائيل -إلى جانب الولايات المتحدة والدول العربية والأطراف المعنية الأخرى- بتحديد أو بناء بديل يشغله. وكما لو أن هذا لم يكن سيئًا بما يكفي، دفعت الضربة الإسرائيلية ل‏‏قافلة "مؤسسة المطبخ المركزي العالمي"‏‏** التي قتلت سبعة من عمال الإغاثة التابعين لها هذه المؤسسة -إحدى المجموعات التي كانت إسرائيل تتطلع إليها لملء الفراغ- إلى إيقاف خدماتها مؤقتًا. ووسط هذا الفراغ، ثمة مجاعة جماعية تطارد شمال القطاع. وذكر تقرير صدر مؤخرًا عن "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" أن ثلث سكان غزة يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد. وفي شمال غزة، تصل هذه النسبة إلى 55 في المائة.‏
الآن، تسعى إدارة بايدن جاهدة إلى توفير استجابة للتحديات التي تواجه إيصال المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع. ومن شأن عملية برية إسرائيلية في رفح أن تعرقل بشدة هذه الجهود -التي يجب ألا يُسمح للتهديد بها بأن يصرف الانتباه عن حالة الطوارئ الأكثر إلحاحًا: درء المجاعة التي بدأت تجتاح الشمال، والتي ترجع، جزئياً، إلى عدم قدرة إسرائيل على الإجابة عن سؤال حول من هو -إن لم يكن "حماس"- الذي سيحكم القطاع.‏
 
*ميراف زونزين‏‏ Mairav Zonszein: كبير محللي شؤون فلسطين-إسرائيل في "مجموعة الأزمات الدولية". يقيم في تل أبيب.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The U.S.-Israel Spat Over Rafah Is a Distraction
هامش المترجم:
**منظمة المطبخ المركزي العالمي World Central Kitchen‏: هي مؤسسة خيرية مدنية غير ربحية وغير حكومية مقرها الولايات المتحدة الأميركية، تعمل في توزيع الطعام والمساعدات الغذائية على المنكوبين حول العالم.