Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    02-Apr-2020

حنان بيروتي: «كورونا» وضع الكرة الأرضية خلف القضبان

 الدستور – نضال برقان

«دردشة ثقافية»، ذات طابع نقدي للراهن والمعيش، نطل من خلالها على عوالم مبدعينا الأردنيين والعرب، ونتأمل جانبًا رؤاهم الخاصة لكثير من المفردات، والصغيرة منها والكبيرة، ونتجول في مشاغلهم الإبداعية، ونتعرف من خلالها إلى أبرز شجونهم وشؤونهم..
 
دردشتنا الآتية ستكون مع الأديبة حنان بيروتي*..
 
* أبدأ من «كورونا»، ذلك الفايروس الذي راح يعصف بالعالم، بالناس، بالنظم السياسية والفكرية السائدة، بالكثير من العادات والتقاليد، ترى ما هي أبرز الأسئلة التي أثارتها في وجدانك تداعيات «كورونا»؟
 
- لما أغادر مرحلة الصدمة ومحاولة التعايش مع الفكرة المؤرِّقة على الصعيدينِ الشخصي والعام، تأثير الفيروس يمتدُّ الى تفاصيل الحياة ومفردات التعاطي مع الوضع المستجد، يهدم الواقع المَعيش مثل لعبة «دومينو» ويَشرع ببنائه من جديد، يغير خارطة العالم، يقلب الطاولة واضعًا الكرة الأرضية خلف القضبان، ويعيد تشكيل شخصية الفرد المعاصر. يمتدّ بتأثيره إلى إعادة جدولة للأولويات، وترتيب الأحبة في القلب دون مواربة، والتوحيد بين البشر؛ فالقلقُ الإنساني رغم الحدود والمسافات مشترك. فهل يدفع «كورونا» النفس البشرية المُستهلكة واللاهية والمتذمرة إلى وقفة تأمّلٍ إجبارية؟ وهل بمقدوره أن يفرضَ على الأنظمةِ السياسيةِأمانةَالمسؤولية وعظمها ويطرح عليها الأسئلة الحرجة؟ كاشفًا مدى صدق شعارات احترام قدسية الحياة البشرية وأولوية صونها التي طالما نودي بها؟
 
سيقال الكثير عن هذه المرحلة الحرجة في تاريخ البشرية، وتُكتب الأبحاث و الروايات، وتُنتج الأفلام الوثائقية والسينمائية لكنها كلّها ستقف عاجزة عن رصد لحظة واحدة من تلك المواجهة القاسية للفرد المعاصر مع ذاته المغيَّبة وهو ينظر مجبرًا إلى المرآة المتصدّعة للعالم.
 
من يستردّ الساعاتِ المسروقةَ من أعمارنا... تلك التي لم نغنِ فيها معًا للحياة؟
 
قبلَ كورونا بقليلٍ كانت الهمومُ تفيضُ عن أصابع القلب... أيننا منها الآن؟ هي أسئلة جارحة وكثيرة.. فليتَ الّذي يجتاحُ العالم هو الحب!
 
* تحديات جمّة تواجهها المجتمعات العربية، على الصعد كافة، ترى هل على المثقف أن يقوم بدور ما حيال مجتمعه؟ وما طبيعة الدور الذي يمكن أن يقوم به في ظل النظم السياسية القائمة؟
 
- تراجعَ الدور المنوط بالمثقف على المدى القريب في ظلّ تعدد وتفاقم التحديات التي يطاله تأثيرُها لكن يظلّ تأثير ما يقدِّمه من فكرٍ وإبداعٍ ورؤى ممتدًا، النتاجُ المأمولُ من دور المثقفين برأيي لا يمكن أن يكون آنيا ومباشرًا لأنّه يحتاج إلى إختمار ومراحل للوصول إلى التفكير الجمعي، التأثير الإيجابي أوالتغيير بطيء الحدوث لكنه ممكن.
 
ممّا يسهم في تراجع دور المثقف حيال مجتمعه ويعتبر ضمن التحديات في ظل النظم السياسية القائمة قضية النظر إلى الثقافة باعتبارها أولوية وركيزة للتنميةوليست خيارًا ثانويًا أو هامشيًا فقيام المثقف بدورٍ فاعلٍ وحقيقي يحتاج إلى تضافر عوامل ومعطيات كونه ليس وافدًا من المريخ فهو ابن بيئته وتنعكس التحديات الإقتصادية و الثقافية والإجتماعية عليه، وتسهم في تراجع ما يمكن أن يقدّمه. يسهم المثقف الحقيقي في مواصلته لإبداعه رغم التحديات وجدب الواقع في النحت على صخرة التغيير والتأثير لكن الكلمة لا توقف رصاصة، ولا يمكن لآلاف الصفحات والكلمات معالجة التشوهات الحاصلة في المنظومة القيمية للمجتمع العربي وسط ركامٍ من الخسارات والخيبات. لا أسعى إلى رسم صورة كئيبة ومتشائمة لكن الخطوة الأولى في حل أية مشكلة هو الاعتراف بوجودها.
 
* لم يزل سؤال التنوير واحدًا من أهم أسئلة الثقافة العربية، منذ أزيد من قرن، ترى هل استطاع المثقف العربي تقديم إجابة، أو شبة إجابة حتى، على ذلك السؤال؟
 
- يظلّ السؤال قائمًا لأنَّ سعي المثقف العربي لتقديم إجابة ما منوطٌ بظروف التحفيز المحدودة وطرائق وأساليب القمع وما أكثرَها! باختصار ليس ثمة إمكانية لتقديم إجابة شافية تحت سطوة المد والجزر في أفق الحرية المتاحة للمفكر وللمثقف العربي.
 
* في الوقت الذي نتأمل فيه بعض مرايا الثقافة العربية، ترى هل هي ثقافة حرّة؟ أم هل ثمّة هيمنة، أو أكثر، تمارس على هذه الثقافة؟ وإذا وجدت تلك الهيمنة، فما الذي تسعى لتحقيقه، أو ترسيخه ربما؟
 
- الثقافةُ العربيةُ الحرة محدودة جدًا ولا توجد إلا في المصطلحات النظرية، والمتأمّل في بعض مرايا الثقافة يدرك مدى إحتياجها إلى مراحلَ وخطواتٍ طويلة لتحقيق نتاج ثقافي صحي يتصف ببعض الحرية، ثمة هيمنة تتمثّل في السعي لتسليع الثقافةوتوجيهها وفق منطق العرض والطلب وبالتالي تغليب رؤى واتجاهات وأفكار على النتاج الإبداعي. ما الذي تسعى الهيمنة لتحقيقه وترسيخه؟ ربما الواقع العربي االحالي للأسف هو ما يمثّل الإجابة الحقيقية والدليل الحيوالذي لا تعني شيئًا كلّ الكلمات أمام مدى تراجعه.
 
* لعل أحد الحلول الناجعة في سبيل إشاعة الثقافة والمعرفة بداية، وتأصيل دورهما تاليا في المجتمع، يتمثل بالاشتغال على البعد الاقتصادي لهما، (وهذه سبيل لتحريرهما من سطوة السلطة المانحة بطبيعة الحال)، وهي المعادلة التي لم تتبلور بعد في عالمنا العربي، ترى كيف تقرئين هذا المسألة؟
 
- النظر إلى الثقافة باعتبارها أولوية وركيزة للتنمية واستثمار حقيقي ولا يرتبط بالجدوى الاقتصادية بل بجعل المستقبل أفضل هو أمرٌ لم يتحقق إلا بشكلٍ جزئي في عالمنا العربي، وغالبًا ما يتعرّض لانتكاساتٍ محزنة، وهذا إنعكاس لتردي الأوضاع عربيًا بشكل عام، إضافة لتشعُّب الأولويات وارتباك الرؤية وعدم وجود خطط ثقافية طويلة المدى، وعدم الثقة في الرهان على دور الثقافة في التغيير وفي اعتبارها بوصلة مؤتمنة. معادلة تزداد تعقيدًا وتحتاج إلى قرار جريء ونظرة ثاقبة.
 
* ثمّة تسارع كبير يشهده العالم، في كلّ لحظة ربما، على الصعيد التكنولوجيا والمعلومات، ترى هل أثّر ذلك على طقوسك الإبداعية في القراءة والكتابة؟
 
- التسارع في التقدم على صعيد التكنولوجيا والمعلومات بات عنصرًا مؤثرًا سواء إيجابا أم سلبا في شخصية الفرد وطبيعة الحياة وحتى في المنظومة القيمية للمجتمعات المعاصرة، وهو تأثير يتعمّق باستمرار ويفرز ظواهرَ اجتماعية وأدبية جديدة ينبغي الالتفات لها، وأمام هذا السيل الملون ممّا تتيحه التكنولوجيا لا بد من التأثرمع الاكتفاء بمحاولة تقليص الأثر السلبي في التأثير على الطقوس الإبداعية في القراءة والكتابة خاصة ما يتعقل منها باستنزاف الوقت.
 
* ماذا عن انشغالاتك الراهنة؟ ماذا تقرئين؟ ماذا تكتبين؟
 
- أتابع مراجعة ما كتبتُه من قصص قصيرة ومقالات قبل الدخول في زمن «كورونا» لكن إنشغالي الراهن بولوجنا القسري لـ»كورونا» يتقاطع مع الهمّ الإنساني المشترك، رغم ميلي للعزلة كحاضن للإبداع غير أنّ تلك المفروضة والمفترضة في زمن الوباء تظل عزلة مُخترقة ومتقلبة مثل سفينة في عرض البحر بلا بوصلة، لا يمكنني الابتعاد ذهنيًا عمّا يحدث في العالم وما تكابده البشرية اليوم، و يظلُّ الصدى الحزين يتردد في القلب ويتشارك مع نبضاته، ما يحدث أكبر من أن يتمّ إغفاله أو تناسيه، وأعمق ألمًا من أن تُقصيه لحظة فرح أو نسيان عابرة.
 
أقرأ في الرواية التي تحدث في العالم بأسره، والتي نتشاركُ جميعًا في أحداثها ونتداخل في شخصياتها؛ والتي أتمنى أن تنتهي قريبًا ويعود للحياة رونقها وصفائها، وأن تشكّل فضاء لإبداعاتٍ لاحقة كما كتب «غابريل ماركيز» و»ألبير كامو» وغيرهما، وذلك بعد القضاء على العدو غير المرئي الّذي يتربّص بقدسية الحياة.
 
* حنان بيروتي أديبة أردنية تكتب في مجالات أدبية عديدة وهي: القصة القصيرة، والنصوص النثرية، والمقالة، تُرجم عدد من قصصها إلى اللغة الإنجليزية والإسبانية، حاصلة على العديد من الجوائز الأدبية والتربوية منها:جائزة الملكة رانيا للتميز التربوي،جائزة القصة القصيرة في مهرجان البجراوية للإبداع الثقافي النسائي العربي الأول، ناجي نعمان الأدبية العالمية، محمد طملية افضل مقالة صحفية عربية، وجائزة نازك الملائكة في القصة القصيرة من وزارة الثقافة العراقية وغيرها.اختارت وزارة التربية الجزائرية مقتطفات من مقالتها «أسرى الشاشات» المنشورة في مجلة «العربي»الكويتية لتكون ضمن منهاج اللغة العربية للسنة الرابعة متوسط. صدر لها إثنا عشر مؤلَّفًا إبداعيا منها: «لعينيكَ تأوي عصافير روحي» و»لمن أهدي أزاهير العيد؟!» ولأنّكَ حبري وبوحي» وعددًا من المجاميع القصصية منها: «تفاصيل صغيرة «فرح مشروخ» و»ليل آخر» و»بين بكاءين»و»ليت للبحر لسانا يحكي» التي أُختيرت منها القصة التي تحمل المجموعة اسمها لتكون ضمن القصص المترجمة إلى الإسبانية في (الموسوعة المعاصرة للقصة القصيرة العربية).