Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Jul-2020

الصراع الأردني الإسرائيلي المستجد*جمال الطاهات

 الدستور

المرحلة الأولى من الصراع الأردني الإسرائيلي، تميزت بسعي الأردن للتوازن بين الموقف العالمي، الذي يصر على حماية وجود إسرائيل، والموقف الشعبي والقومي الذي يصر على عدم الاعتراف بها. ونجح الأردن بتطوير استراتيجية خاصة تمكنه من صياغة خياراته، والحفاظ على الذات، والبقاء على صلة، ومتابعة مشروع التطور، في ظل هذا التباين الصارخ بين الموقف الدولي، وبين الموقف الشعبي والقومي. وانتهت هذه المرحلة بتكيف الموقف القومي مع الموقف العالمي، وهو ما تم التعبير عنه بمؤتمر مدريد ونتائجه، وأهمها على الإطلاق، تأسيس عملية «تأهيل مزدوج»، لكل من «دولة إسرائيل» و»الشعب الفلسطيني» بعملية سياسية طويلة المدى برعاية دولية، وهي أوسلو. وبدأت هذه العملية بما عبر عنه وزير خارجية الولايات المتحدة آنئذ جيمس بيكر، (التخلي عن طموح إسرائيل الكبرى، والتخلي عن إزالة إسرائيل)، ثم الدخول بما أصر على تسميته (عملية سلام).
خيارات الأردن، منذ بداية تشكل هذه المرحلة، هي تمكين الفلسطينيين من الذهاب نحو هذه المرحلة بمتطلبات الحد الادنى من التشكل السياسي. بدأت بقرار فك الارتباط، ثم ترتيبات (ومناورات) قادت للوفد الفلسطيني المستقل. واحتفظ الأردن، بدوره كمراقب لضمان مصالحه في الترتيبات النهائية، (القضايا متعددة الاطراف) وأهمها الحدود واللاجئين والقدس. ورفض الأردن أن يكون طرفاً في عملية التأهيل المزدوج، واكتفى بفرض نفسه مراقباً (يمتلك سلطة فيتو مفترضة) على مسيرة هذه العملية، وضمان نتائجها. وتمثلت ضمانات الأردن، بثلاث عناصر انطوت عليها اتفاقية وادي عربة، امتناع إسرائيل عن تغيير الحدود والتهجير القسري، واعترافها برعايته للمقدسات.
رفض الأردن المشاركة بعملية التأهيل المزدوج، واكتفائه بحمل راية «مراقب الخطوط» لهذه العملية، وضعه تحت ضغوط استراتيجية استثنائية، استوعبها بسلسلة من الإجراءات المؤقتة. وقد مثلت الحرب على الإرهاب، فرصة تاريخية ليصون الأردن دوره، ولكنها في المقابل، فتحت ثغرات مكنت اليمين الإسرائيلي من إعاقة عملية التأهيل، ومتابعة استراتيجية اسحق شامير بــ «التفاوض للأبد». وتحولت عملية التأهيل المزدوج التي كان متوقعاً أن تنتهي ببضع سنين، إلى مشروع إسرائيلي لإعاقة أي فرصة لتشكل الكيانية الفلسطينية، في سياق استراتيجية «تسييل الجغرافيا والسكان»، لحين نضج الظروف لمتابعة الخطوات القادمة.
اللحظة الراهنة، والتي تمثلت بإعلان إسرائيل نيتها ضم أجزاء من الضفة، تعيد العلاقات الأردنية الإسرائيلية إلى مرحلة ما قبل مدريد. ولكن مع تحول حاسم في أولويات الموقف الدولي. في تلك المرحلة كان العالم مسكون باولوية ضمان وجود إسرائيل. والآن يمكن اختصار الموقف العالمي، بأنه ترويض إسرائيل وتأهيلها لتصبح جزءاً من الإقليم. مع إشارات واضحة وحاسمة، بالحاجة لتغيير ديناميكية، وبعض قواعد عملية التأهيل المزدوج، دون التخلي عن أهدافها. إضافة إلى إشارات واضحة تصدر من عواصم الثقل الدولي، بأن سعي إسرائيل لتصبح مركزاً إقليمياً (امبراطورية لها كيانات تابعة)، مرفوض عالمياً بشكل قطعي.
المشهد العالمي، وتفاصيل اللحظة الراهنة في تطور الاشتباك الفلسطيني الإسرائيلي، تقدم للأردن إطاراً واضحاً لتطوير استراتيجية وطنية لإدارة الصراع الذي فرضه اليمين الإسرائيلي. إذ أن مثلث هذه الاستراتيجية يتضح من خلال: أولاً الهدف الذي تشكل عبر البيئة الاستراتيجية التي تشكل فيها الصراع بمرحلته الجديدة (ترويض إسرائيل)، وثانياً البحث عن الوسائل وآليات العمل في ظل معطيات هذه البيئة.
المهمة الكبرى التي تواجه الأردن الآن، هي الدخول للصراع بمبادأة وتصور واضح، محمولاً على سياق عالمي، وفي إطار هدف مجمع عليه عالمياً، وتفعيل كل ميزاته، وتجنب محاولات اختزاله، للدخول المنفرد باستراتيجية اعتراضية، لإعاقة أهداف اليمين الإسرائيلي بتسييل الجغرافيا الأردنية سياسياً واجتماعياً.