Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    29-Sep-2018

«إنما يخشى االلهَ من عباده العلماءُ» - يوسف عبداالله محمود

الراي -  بهذه الآية الكريمة َصَّدر د. عميش يوسف عميش كتابه الصادر حديثاً (2017 (عن وزارة الثقافة الاردنية تحت عنوان»نشأة العلوم الطبية في عصر الحضارة العربية الاسلامية وتطورها».

للكتاب قيمة علمية فريدة لأنه يوثق منجزات تراثنا العربي والاسلامي بأمانة واسلوب مفهوم، في مجال العلوم. يحث د. عميش العالم والطبيب علماءَنا على»التمسك بمنهج البحث العلمي كوسيلة لتحديث العلوم بمجملها وخاصة العلوم الطبية». مؤكداً ضرورة الارتباط بإرثنا العربي الاسلامي المشرق، والتزامنا بقواعد ممارسة مهنة وآدابها وفق تراثنا وتقاليدنا». (المرجع السابق ص 10.( والحق ان المؤلف بجهده المضني في إعداد هذه الدراسة العميقة والمؤثقة وُفّق في تقديم تاريخ العلوم في فترة الحضارة العربية الاسلامية «ليس كجزء من تاريخ العلوم عبر مسيرته في الغرب، لكن كسمة ومظهر متكامل ومندمج مع حضارتنا وفكرنا على نحو ابداعي متميز»(المرجع السابق الصفحة نفسها).
يدعو هذا الكاتب المتميز الذي يجمع بين الطب والفلسفة وسائر العلوم الانسانية الكتّاب العرب الى قراءة تاريخهم المشرق قراءة تحليلية ناقدة للأحداث التاريخية مؤكداً ان الحضارة الانسانية هي»حضارة تشاركية»بين الأمم الحية، وأن العلم بما في ذلك العلوم الطبية بمختلف فروعها عابرة للقوميات والأديان والسياسات والثقافات.
في كتابه تجلية لإسهامات العلماء العرب والمسلمين القدامى في العلوم الانسانية والعلمية والطبية وما ساهموا به من معلومات ومعارف علمية وفنية، إضافة الى ما قدموه للحضارة الانسانية من تجارب وخبرات تطبيقية تشكل بحق ثروة من العلوم والمعارف المتراكمة.
يتطرق المؤلف الى انجازات علماء العرب القدامى في مجالات الترجمة عن اليونانية والفارسية والهندية، ترجمة شملت المراجع الطبية والعلمية الصيدلانية والاستشفائية.
ليس هذا فحسب، بل وقاموا بتوطين الممارسات الطبية الدقيقة، بما فيها الملاحظة والمتابعة والوصف واقتراح العلاج اللازم، كما عملوا على توصيف التشريح ووظائف الاعضاء للأمراض والتعرّف على سببيتها.
«لقد مرت عملية نشأة العلوم الطبية في عهد الحضارة العربية الاسلامية وتطورها في ثلاث مراحل: النقل والمشاهدة والترجمة ثم مرحلة تأسيس العلوم التي بدأها علماء أمتنا العربية وقاموا بتطويرها فأبدعوا فيها واستطاع العلماء العرب (وكما شهد علماء غربيون معاصرون ومنصفون) ان يؤسسوا ويمارسوا العلوم الطبية الحديثة بالرغم من وجود ممارسات طبية قديمة كالطب البديل» (المرجع السابق ص 170.( يتطرق د. عميش في كتابه الى الحديث عن أوائل الأطباء في فترة الحضارة اليونانية التي سبقت الاسلام كأبوقراط وجالينوس وأشار الى إفادة علماء العرب والمسلمين في العصر الاسلامي من بعض تراثهم.
على ان علماء العرب والمسلمين لم يأخذوا ما خلّفه العلماء اليونانيون وغيرهم من الأمم القديمة قبل الاسلام على علاّته، بل نقدوه نقداً علمياً وموضوعياً، على نحو ما فعل العالم العربي ابن النفيس في القرن الثاني عشر الميلادي والذي اثبت خطأ نظرية جالينوس عندما اكتشف الدورة الدموية الصغرى (الرئوية). وقد بين ابن النفيس الخطأ الكبير الذي وقع فيه العالم جالينوس مؤكداً –اي ابن النفيس-»أن الدم لا يمكن ان يمر من خلال الغشاء الذي يفصل البطين الأيمن عن البطين الأيسر، لان ذلك الغشاء لا يحتوي على اية مسامات تسمح بمرور الدم، وأن الدم لا بد ان يمر الى الأذين الأيمن أولاً». (المرجع السابق ص 26.( تحدث المؤلف عما اسماه بِ»الطب العربي الاسطوري الخرافي القدي «كالكهانة»و»العرافة»و»التنجيم»وقراءة «الكف»وهي –كما وصفها- وسائل من المعالجات الاسطورية والخرافية».
يؤكد د. عميش في دراسته الرصينة هذه ان»الطب» في عصر الحضارة العربية القديمةتميز بأنه كان  جزءاً مهما من العلوم الانسانية والتي لا تحتوي على فروع علم الطبيعة وعلوم ما وراء الطبيعة (العلوم الغيبية) والحساب والفلسفة وعلم النجوم فقط، لكنه كان يشمل ايضاً علم الأنثروبولوجيا (علم الانسان).
وفي استعراضه لعلماء العرب البارزين في العلوم الطبية لم ينس المؤلف المجالات الاخرى غير العلوم الطبية التي أبدع فيها علماء عرب كبار كعلم الفيزياء وعالمه الأبرز ابن الهيثم، وعلم الكيمياء وعالمه الكبير جابر بن حيان ناهيك عن ابن خلدون وهو من الأوائل الذين أسسوا فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع.
وبعد، فإن كتاب»نشأة العلوم الطبية في الحضارة العربية الاسلامية وتطورها». وكما وصفه سمو الامير الحسن بن طلال – كما اشار المؤلف بعد اطلاعه عليه- «يحتوي الكتاب على معلومات دقيقة مُبوبة وفيها تسلسل زمني واضح، وهو مكتوب بعناية شديدة وبلغة سهلة ومزوّد بتراجم للاسماء والمصطلحات مما يسهل على القارئ متابعة الأمر دون عناء.
في ختام كتابه يشيد د. عميش بأخلاقيات أطباء العرب والمسلمين القدامى، مُنحياً باللائمة على»الصبغة التجارية» البعيدة عن أخلاقيات الطب التي سادت هذه الأيام داعياً الى ممارسة الطب بأخلاقيات انسانية. (المرجع السابق ص 171.( وبعد: إن كتاب د. عميش انجاز علمي متميز يُشاد بدقته وسهولة عباراته.