الغد-هآرتس
جاكي خوري
اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، الذي دخل فجرا إلى حيز التنفيذ، سينهي (كما يبدو) جولة القتال الحالية في لبنان. تفاصيل الاتفاق والصياغة ورسائل الضمانات ستكون ضبابية، أو خاضعة لتفسير كل طرف من أجل التسهيل على المصادقة عليه. في لبنان يمكن الاعلان بأن "نحن حافظنا على القرار 1701 كما هو". وفي إسرائيل سيقولون "نحن نحافظ على حقنا في حرية العمل والدفاع عن النفس". وبالتأكيد سيكون أيضا عدم اتفاق حول آلية التنفيذ والرقابة على الاتفاق بين إسرائيل والجيش اللبناني وحزب الله وقوة الرقابة التي ستشمل الولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى.
لكن توجد قضية واحدة أصبحت واضحة وليس فيها أي ضبابية. وقف إطلاق النار في لبنان لا يشمل شرط وقف الحرب في قطاع غزة وعمليات الجيش الإسرائيلي هناك. المعركة في الشمال، التي بدأت كحرب لدعم غزة يتم انهاءها بدون تحقق هذا الهدف. إسرائيل ونتنياهو سينسبون ذلك إلى أنفسهم وسيكررون ذلك في ورقة الرسائل.
في لبنان هذه القضية سيتم طرحها مرة أخرى للنقاش الواسع. الكثير من اللبنانيين، بما في ذلك من يؤيدون حزب الله، سيتساءلون هل الحديث يدور عن التخلي عن الفلسطينيين أو عن قرار شرعي ازاء الضربات التي تلقاها الحزب والتداعيات المدمرة للمعركة على لبنان وجنوبه. حزب الله أعطى الجواب، إشارة سميكة يمكن إيجادها في الخطاب الأخير للأمين العام نعيم قاسم الذي أوضح بأن حزب الله فعل كل ما في استطاعته بالنسبة لقطاع غزة والفلسطينيين ودفع ثمنا باهظا. قاسم ألقى المسؤولية عن القضية الفلسطينية على الأمة العربية والإسلامية والزعماء وعلى المجتمع الدولي. بين السطور الرسالة كانت واضحة: حزب الله لا يمكنه العمل لوحده اذا لم تتجرأ عشرات الدول على العمل معا.
الخلاصة، بعد 14 شهرا على الحرب والدمار فإن الفلسطينيين مرة اخرى بقوا لوحدهم. جبهة الدعم في الشمال بأمر من الأمين العام السابق لحزب الله، حسن نصر الله، تم إغلاقها. رغم "خيبة الأمل والغضب" لرؤساء السلطات في الشمال فإنه إذا تم الحفاظ على الاتفاق فإنه في مستوطنات خط المواجهة سيعود الهدوء المأمول، وفي لبنان سيحاولون البدء في إعادة الإعمار، وقيادة حماس يجب عليها العثور على جبهة دعم أخرى.
في حماس، وبشكل عام في الساحة الفلسطينية، لا يتفاجأون من ذلك. فالرسائل التي حصلوا عليها مؤخرا كانت واضحة بما فيه الكفاية. حزب الله، بمصادقة إيران، لن يفشل الاتفاق من أجل الفلسطينيين ومن أجل غزة. نفس الأمر ينطبق بالضبط على لبنان. فبعد الاتفاق لن يكون لدى حماس جواب على ما هي وجهتها. فالبنى التحتية والتنظيمية والعسكرية لها في القطاع مدمرة. الولايات المتحدة تستخدم الضغط الشديد على قطر لإغلاق مكاتب حماس في الدوحة، ولا يوجد أي تقدم في المصالحة الفلسطينية الداخلية. هذه الصورة البائسة تنطبق أيضا على السلطة الفلسطينية، وعلى رئيسها محمود عباس. فهو وحاشيته أيضا بحاجة إلى إجابات بحكم دورهم ومسؤوليتهم، اذا لم يكن للقطاع فهو للفلسطينيين في الضفة. في ظل جشع إسرائيل المتزايد للضم ولتفكيك السلطة، وأمام إدارة أميركية يحتمل أن تعطي إسرائيل الدعم لمثل هذه الخطوات فإنه من غير المستبعد أن تخرج القيادة في رام الله إلى المنفى. أيضا يجب على حماس وقيادة السلطة الفلسطينية في رام الله إعطاء جواب للجمهور الفلسطيني – أين وجهتهم أمام تحديات يمكن أن تكون وجودية.
في القطاع وفي رام الله أيضا تذكروا في هذا الأسبوع الصورة التي نقشت في الذاكرة الجماعية للفلسطينيين واللبنانيين، خروج قادة منظمة التحرير الفلسطينية والمقاتلين من بيروت في 1982، بعد انتهاء معارك دموية صعد ياسر عرفات على متن سفينة وذهب إلى المنفى. وعندما سئل إلى أين يذهب. قال: إلى فلسطين.
عرفات وآلاف المقاتلين بحثوا عن ملجأ لهم. المقاتلون انتشروا في عدة دول، وعرفات نفسه، بعد رحلة قصيرة في سورية وعودة مؤقتة إلى لبنان، استقر في تونس وانتظر هناك. للوهلة الأولى كان يبدو أن القضية الفلسطينية دخلت إلى حالة الأفول التي هددت استمرار وجودها، والعالم العربي كان لا مبالي بها كالعادة. والعالم كان ينشغل بقضاياه. الخلاص جاء بالذات من الساحة الداخلية، اندلاع الانتفاضة الأولى فاجأ العالم، إسرائيل وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، والعالم تذكر مرة اخرى القضية الفلسطينية. الانشغال المجدد بالقضية نتج عنه مؤتمر مدريد واتفاق اوسلو. ولكن الآن بعد مرور 29 سنة فانه لا يوجد في إسرائيل رابين، ولا يوجد ياسر عرفات للفلسطينيين. في بيروت لا توجد منظمة التحرير الفلسطينية نصر الله غادر الساحة. ولكن يوجد شيء واحد الوضع فيه متشابه وهو أن الفلسطينيين بقوا لوحدهم.