Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    10-Jun-2019

صفقةٌ يستطيع ترامب وخامنئي إبرامها

 الغد-دينيس روس* – (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 29/5/2019

 
لطالما اعتبر المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أن الولايات المتحدة لن ترضى أبداً بالتنازلات الإيرانية إلى حين إخضاع الجمهورية الإسلامية نفسها. وتشير وجهة النظر هذه إلى موقف المسؤولين الإيرانيين الدائم بأنهم لن يتفاوضوا مع الولايات المتحدة تحت الضغط.
بشكل غير مفاجئ، جاء الردّ الإيراني على تصعيد حملة “الضغط الأقصى” التي تنتهجها إدارة ترامب في شكل اختبار لحدود العزم الأميركي وكشفه من خلال إطلاق سلسلة من عمليات التخريب والهجمات بالوكالة ضدّ ناقلات نفط -اثنتين منهما سعوديتين وواحدة إماراتية وأخرى نرويجية- وضدّ محطات ضخّ نفط في السعودية.
ومع قيام الولايات المتحدة بإرسال المزيد من القوات إلى المنطقة وتصاعد التوترات، من المثير للاهتمام أن يكون ترامب وخامنئي قد عملا على وقف التوجّه نحو نزاع مباشر. فقد أوضح الرئيس ترامب أنه لا يريد حرباً؛ حيث تحدّث عن “إمكانيات إيران الكبرى” وحثّ قادة الجمهورية الإسلامية على الاتصال به “لإبرام اتفاق”. ومن جانبه، قال المرشد الأعلى الإيراني في تصريحات نقلتها شاشات التلفزة المحلية إن “أياً منا لا يسعى إلى حرب”.
لكن هذا لا يعني أن الإيرانيين مستعدون للمشاركة في مفاوضات -ليس في الوقت الحاضر على الأقل. فخامنئي الذي أمضى عقوداً وهو يشكك في قيمة المحادثات مع الولايات المتحدة لا يريد أن يبدو وكأنه رضخ لأميركا. وهو ما يزال يعتبر المفاوضات “سماً”. ومن جهته، أكد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أن “الوضع غير مناسب للمحادثات، وخيارنا هو المقاومة فقط”.
بالنسبة لروحاني وخامنئي، قد تنطوي المقاومة على الابتعاد عن الحدود التي فرضها الاتفاق النووي على إيران في العام 2015 والمعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”. وقد أعلن الإيرانيون أساساً أنهم سيضاعفون معدّل التخصيب بواقع أربع مرات، مما يعني أنهم سيتخطّون قريباً عتبة الـ300 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب التي تسمح لهم بها شروط الاتفاق. وقد أبلغ روحاني الأطراف الأوروبية التي وقّعت خطة العمل الشاملة المشتركة بأنه في حالة عدم قيامها بتعويض الإيرانيين اقتصادياً عن العقوبات الأميركية بحلول 7 تموز(يوليو)، فقد يستأنف الإيرانيون التخصيب إلى نسبة 20 في المائة، مما قد يضعهم على مسار تجاوز “العتبة النووية”.
قد تكون هذه نسخة المرشد الأعلى من ممارسة “الضغط الأقصى” على ترامب. ولكن، إلى متى يستطيع خامنئي الاستمرار بهذا؟ فبلاده تشعر بثقل عقوبات إدارة ترامب؛ حيث يشهد الاقتصاد تراجعاً كبيراً وتغلق المؤسسات أبوابها ويشعر الإيرانيون يومياً بخسارة قيمة مدخراتهم، وبارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية والأدوية والسلع الاستهلاكية ارتفاعاً خيالياً.
قد يصرّ خامنئي على عدم تفاوض إيران تحت الضغط، لكن تاريخ الجمهورية الإسلامية يشير إلى عكس ذلك. ففي الماضي، عندما كانت الضغوط الخارجية تتنامى إلى حدّ كبير وتعرّض الاستقرار المحلي للخطر، كانت القيادة الإيرانية تبحث عن وسيلة للتخفيف منها ومن التكاليف المرتبطة بها. وهذا ما حصل عندما قررت إنهاء الحرب مع العراق في العام 1988، ووقف اغتيال المنشقين في أوروبا في تسعينيات القرن الماضي عند تهديدها بالعقوبات، وعرضها تسويةً نووية في العام 2003 بعد ثلاثة أسابيع من هزيمة الجيش العراقي على يد القوات الأميركية، حين خشي الإيرانيون أن يكونوا هم الهدف التالي، وفي العام 2012، عندما وافقت إيران على التواصل مع الولايات المتحدة عبر قنوات خلفية بعد أن عملت إدارة أوباما على تشديد العقوبات على المصرف المركزي الإيراني وتوقّف الأوروبيون عن شراء النفط الإيراني.
فهل نشهد تكرار هذا السيناريو مع إدارة ترامب؟ الانطباعات السائدة هي أن الإيرانيين يريدون انتظار انتهاء فترة رئاسة ترامب والتعامل مع خلفه. وهذا ما يفضّله خامنئي بشكل شبه مؤكد، لكن الكثير يتوقّف على مقدار الصعوبات الاقتصادية التي يعتقد أنه يمكن للشعب الإيراني تحمّلها.
إذا شعر خامنئي بأنه يجب عليه أن يخفف الضغط، وأن يختار الدخول في مفاوضات، فمن شبه المؤكد أن تكون المحادثات غير مباشرة -فالمحادثات المباشرة ستكون بمثابة اعتراف بالهزيمة. وسيكون من شأن استخدام وسيط على غرار فلاديمير بوتين أن يلقى قبولاً من الزعيم الروسي وترامب على حد سواء.
ولكن، ما نوع الاتفاق الذي سيكون ترامب على استعداد لإبرامه؟ من المستبعد أن يكون ذلك مستنداً إلى شروط وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الاثني عشر للتفاوض. ويرى الإيرانيون أن هذه الشروط تساوي طلب تغيير النظام. وخلال زيارته إلى اليابان، كان ترامب واضحاً بقوله إنه “لا يسعى إلى تغيير النظام” في إيران. وعوضاً عن ذلك، صرّح بأن هدفه هو “نزع السلاح النووي”، مما يترك مجالاً للمناورة. ولكن في الحقيقة، يبدو أن المعيار الوحيد الذي يعتمده ترامب لأي اتفاق هو ذلك المعيار المطبّق على معظم المسائل الرئاسية: يجب أن يكون الاتفاق أفضل من ذلك الذي أبرمه أوباما.
قد يتمثل أحد التحسينات الواضحة المطلوبة في “خطة العمل الشاملة المشتركة” في تمديد “بنود الغروب” التي تحدّ من قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم لتمتدّ، على سبيل المثال، من العام 2030 إلى العام 2045. ومن شأن هذه الخطوة أن ترجئ أي تهديد إيراني نووي محتمل إلى مرحلة بعيدة في المستقبل. إلا أنها لن تتعامل مع التهديدات الإقليمية الناتجة عن مساعي إيران لتوسيع انتشارها وتعزيز أساليبها القسرية ضد الأنظمة العربية وإسرائيل. وسيتطلب هذا الأمر إقناع إيران بالحدّ من تواجدها العسكري في سورية والتوقّف عن تزويد حزب الله اللبناني وغيره من وكلائها في لبنان وسورية بالقذائف والصواريخ الموجّهة بدقة. 
لكن الإيرانيين لن يقدّموا هذه التنازلات مجاناً، وسيسعون إلى رفع العقوبات كافة، النووية منها وغير النووية. وقد يتطلب ذلك من ترامب اختيار حجم التنازلات التي سيكون مستعداً لتقديمها. ولم يكن أوباما مستعداً لرفع العقوبات المرتبطة بحقوق الإنسان والإرهاب. ومن المرجح أن يتردد ترامب في القيام بذلك أيضاً. ومع ذلك، فقد يخلُص إلى أن كسب الوقت (15 عاماً إضافياً) وخفض احتمالات اندلاع حرب إقليمية في غضون ذلك، هما إنجازان مهمان بحدّ ذاتهما. أما المفارقة الكبرى فهي أن أقصى قدر من الضغط، كما يمارسه كل من ترامب وخامنئي، قد يدفعهما في هذا الاتجاه -شريطة أن لا يقودهما سوء تقدير نحو نزاع أكبر أولاً.
 
*المساعد الخاص السابق للرئيس باراك أوباما، هو مستشار وزميل ويليام ديفيدسون المتميز في معهد واشنطن.