Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    14-Apr-2018

مذكرات د. جمعة عتيقة «في السجن والغربة» - يوسف عبداالله محمود

الراي-  د. جمعة احمد عتيقة محام ومناضل اجتماعي ليبي سُجن ثلاث مرات في وطنه ليبيا إبان حكم القذافي بسبب معارضته لما اعتبره مساساً بالحريات وقمعاً للأحزاب السياسية في مذكراته التي حملت عنوان «في السجن والغربة» والتي صدرت طبعتها الثانية العام 2012م عن دار الروّاد بطرابلس- ليبيا، يشير في مقدمة الكتاب انه كتب مذكراته أثناء تواجده خارج ليبيا. وفيها يقول: «لم اكن اتوقع ان تنشر مذكراتي في حياتي، فالظلام كان حالكاً وخيوط الأمل تتبدد مع مضي العمر». امد االله في عمر صاحبها فتم نشرها خلال حياته.

في الاهداء يقول د. جمعة عتيقة: «الى شهداء مذبحة بوسليم الذين عشت معهم عذابات السجون وآلامه وكنت شاهداً على لحظات الغدر الدامية.. الى الذين ساهموا بدمائهم في نصب قوس النصر الليبي الشامخ أهدي هذه الصفحات».
هذه المساهمة هي مهر الحرية، الحرية شجرتها تسقى بالدماء.
اقتصرت مذكرات هذا المناضل الاجتماعي على تجربتي (السجن) و(الغربة)، وهما بحق تجربتان قاسيتان، الاّ انه واجههما بصبر وتحدٍ. شامخ الرأس ظل رغم التعذيب.
عمل بعد تخرجه من كلية الحقوق بليبيا وكيل نيابة في وطنه، الا ان نضاله ووقوفه الى جانب المظلومين من مواطنيه لم يشفع له بالاستمرار في عمله إذ سرعان ما تم القبض عليه وأودع السجن. في هذا السياق يقول: «وجدت نفسي في عنبر طرحت فيه قطع الفرش على الأرض. ويضم قرابة الثلاثين شخصاً في مساحة عشرة امتار طولاً في خمسة عرض». وينهي د. عتيقة فقرته هذه بهذه الأبيات المشهورة التي طالما تمثل بها الاحرار:
يا ظلام السجن خيّم إننا نهوى الظلاما ليس بعد الليل إلا فجر صبح مستداما (المرجع السابق ص 21(
أبيات يقولها المناضلون الذين يؤمنون ان ما بعد الليل هو فجر الصبح وان العناية الالهية ترعى أحرار
الاوطان.
أما المفارقة العجيبة فأن يكون بين السجناء الدكتور المصري المعروف عبد الرحمن بدوي الذي كان يعمل في إحدى الجامعات الليبية أما لما تم اعتقاله فلا أحد يدري، فالرجل أكاديمي بارز لا دخل له بالسياسة.
وفي حديثه عن سيرته كما رواها د. عتيقة لاحدى الفضائيات التلفزيونية، وحين كان في الجامعة مع بعض زملاء له يقول: ذات مرة زارنا عبد السلام جلود الذي كان من اعضاء الثورة الليبية في السبعينات من القرن الماضي، وقال لنا بنبرة تهديدية: أنا اعرف ان بينكم حزبيين، «ولكنني اقول لكم إننا حزب مُسلح!»
والغريب ان الافراج عن د. عتيقة ومن ثم تكرار الاعتقال كان يتم فجأة ودون ان تنحني هامته. كانت الاحزاب ممنوعة في ليبيا واعدامات «بوسليم» باتت معروفة للجميع. كان على استعداد ان يدفع حياته ثمناً للقيم الوطنية التي آمن بها، لكن االله كتب له السلامة.
وفي حديثه عن سنين الغربة والارتحال بعد الافراج عنه، يقول د. عتيقة بتأثر بالغ. «قررت يا وطني اغتيالك بالسفر وحزمت امتعتي.. وودعت السنابل والجداول والشجر وحملت في جيبي تصاوير القمر». (الكتاب ص .(47 توجه هذا المناضل الى روما للالتحاق بجامعتها لدراسة القانون الجنائي، وهذا ما كان ومنها حاز على درجة الدكتوراه.
ان اغتراب د. عتيقة ساقه الى بلدان عدة كالعراق والمغرب ومصر منها من رحّب بهذا المنفي ومنها من تحفظ.
ما اقسى ان يغترب الانسان عن وطنه لاسباب سياسية، ما اقسى فراق الاوطان!
استذكر هنا رواية الروائي المصري المعروف صنع االله ابراهيم «ما الرائحة» التي تحكي قصة سجين سياسي مصري إبان المرحلة الناصرية حين كان يُفرج عنه يلاحقه العسكري لمعرفة محل إقامته ويرصد تحركاته.
والمعنى أن هذا السجين يخرج من سجن صغير الى سجن كبير يضيق به. وكأني بصنع االله ابراهيم الذي أُدخل المعتقلات المصرية اكثر من مرة كان يروي بعضاً من سيرته، فهو قد اعتقل لأنه يساري يعارض إلغاء الاحزاب السياسية في بلاده. تجربته في المعتقل شبيهة بتجربة د. عتيقة من حيث التعذيب والقهر.
في القسم الأخير من هذا الكتاب يلقانا «ملحق أوراق ليبية» وهو يضم «مقالات كتبت على امتداد مساحة «الغربة» تتضمن قبساً من معاناتها نشرت في عدد من المجلات والصحف الليبية والعربية في الخارج»، وهي ترصد مناخ ليبيا السياسي في فترة ثمانينات القرن الماضي وأجواء القلق والحلم.
من ضمن هذه الأوراق التي تتحدث عن مناضلين ليبيين منهم من اعتقل او اعدم لنقده للنظام، منها
لشاعر ليبي يقضي حكماً بالسجن المؤبد وكل ذنبه انه قال: «كلمة حق في وجه سلطان جائر»، وهنا يورد
ابياتناً لهذا الشاعر المعتقل:
نحن ما متنا ولكن الوطن
جاثياً من الليل تحت البندقية
مثل طفل حافي الاقدام مكدور الملامح
مذكرات د. جمعة عتیقة «في السجن والغربة» - صحیفة الرأي 2018/14/4
http://alrai.com/article/10432659/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%AF-%D8%AC%D9%85
اسود العينين حنطي الجبين
شامخاً مثل جبل
وجميلاً مثل نهر من سنابل
وبسيطاً مثل احلام الصغار
وفي ورقة اخرى يشير د. عتيقة الى شاعر ليبي مناضل حل نزيلاً على السجن لانه قال:
نحن قد نغفو قليلاً
غير اننا لا ننام
ومحال ان نموت
قبل ان تزهر في كف الثرى
خضر الاماني
وبعد، ان مذكرات المناضل جمعة عتيقة تشير الى قمع بعض الانظمة الحاكمة العربية التي لا تقبل النقد، فهو في رأيها تمرّد على النظام، لا تقبل الحوار لأنه في عرفها اعتراض غير مبرّر!
ما أمرّ ان يغترب الانسان حتى داخل وطنه!